منظمة التحرير الفلسطينية في الأسر


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

لا شيء يُبرز، بشكل درامي، كيف أن منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت في أسر إسرائيل، ما قررته محكمة إسرائيلية في الأسبوع الثالث من تموز من العام الحالي، من حكم على المنظمة، بدفع مبلغ يقارب ثلاثمائة ألف دولار تعويضات لذوي امرأتين خُطفتا من على ظهر سفينة أخيل لاورو في العام 1985.  وقد توفيت الامرأتان لكن ذويهما اعتبروا أن عملية الخطف أثرت على صحتهما، وأن الفصيل الذي قام بالعملية، أي جبهة التحرير العربية، هو جزء من منظمة التحرير، فبالتالي، اعتبرت المحكمة أن المنظمة تتحمل المسؤولية أيضاً.  واعتبر هذا القرار سابقة قد تليه دعوات أخرى ضد المنظمة.

ومن المتوقع أن تقوم الحكومة الإسرائيلية باقتطاع المبلغ من الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية، أسوة باقتطاع مبالغ أخرى مرادفة لمخصصات الأسرى الفلسطينيين.

لكن إن تساءلنا: ما هي العلاقة بين السلطة والمنظمة حتى تقوم المحكمة بتغريم المنظمة والدفع يتم من أموال السلطة؟ الإجابة: لا بد أنها تكمن في أن المحكمة ترى أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير أصبحتا شيئاً واحداً بعد أوسلو من ناحية فعلية عملية، وهذا أيضاً هو الموقف الفعلي للسلطة الفلسطينية.  بالتالي، إن وقوع السلطة الفلسطينية في أسر إسرائيل، أدى إلى وقوع منظمة التحرير في الأسر أيضاً!

إذا كانت هذه كارثة، أو كارثتين بالأحرى، لماذا لا يتم الفصل بينهما، ليس على الورق فحسب، وإنما إخراج المنظمة من الأسر، أي إخراجها خارج الأرض المحتلة؟ سأترك السؤال إلى أين تذهب المنظمة؛ ويمكن أن نجتهد جميعاً حول المكان المناسب.  المهم هو ما تبيّنه تبعات الفصل بين السلطة والمنظمة.  من بينها أولاً، أن الرئيس أبو مازن لن يتمكن من الحديث باسمهما، وسيضطر أن يختار أن يكون رئيس السلطة أو رئيس المنظمة.  كذلك، نظراً لأن الأمم المتحدة اعترفت بفلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة، ينشأ السؤال عمَّن يمثل فلسطين، السلطة الفلسطينية أم منظمة التحرير؟ ونظراً لأن طلب الاعتراف قد تقدمت به منظمة التحرير وليس السلطة الفلسطينية، ومن يمثل الدولة في الخارج هو مكاتب منظمة التحرير، لن تتمكن السلطة من تمثيل دولة فلسطين.

ماذا يتبع من هذا؟ يتبع أن خطاب السلطة الحالي بما فيه من مسميات مختلفة منها “وزارات” “ووزراء” “ورئاسة الوزراء” إلى آخر القائمة التي أدمنت عليها السلطة وهي في الأسر، ينبغي أن يكون من حصة منظمة التحرير، في الخارج إن تم الفصل.  ليس هذا فقط، إذ تنشأ مجموعة من الأسئلة هنا، منها مثلاً من يدفع تكلفة مكاتب المنظمة في الخارج؟ من مالية المنظمة؟ أين هي؟ وما هي مصدر دخلها؟ وكم فيها من مبالغ؟ لا أحد يعرف، ولا أحد يعرف إن كان هناك فعلاً فصلٌ بين مالية السلطة، والمنظمة، ومالية فتح أيضاً.  والأرجح أن هذه جميعها مالية واحدة، مصدرها دخل السلطة في الغالب، بعد أن تبعثرت مالية المنظمة وحصل على جزء منها محمد رشيد، أو خالد سلام، أو أي اسم آخر له، إضافة إلى آخرين.

هل يعني هذا أن الفصل بين السلطة والمنظمة متعذر؟ نظرياً، لا، ولكن من ناحية عملية، توجد تبعات “غير مرحب” بها من منظور السلطة يتعلق أحدها تحديداً بخطابها الدولاني.  فما سيتبع تلقائياً من عملية الفصل أن هذا النوع من الخطاب، إن لزم، ينبغي أن ينتقل لمنظمة التحرير في الخارج بعد الفصل، لأنها هي المعترف بها كممثل لدولة فلسطين؛ الدولة المراقبة في الأمم المتحدة.  لكن، ماذا سيحصل بالسلطة الفلسطينية، كيف ستجري الإشارة إلى المناصب فيها بعد خسارة الخطاب الدولاني لصالح المنظمة؟ هنا تكمن المشكلة، إذ ستتحول لإدارة مدنية على شكل بلدية كبرى لإدارة شؤون المدنيين الفلسطينيين في الضفة والقطاع.  وبدلاً من وزارات ووزراء ستحل تسميات أخرى مكانها، مثل مدراء ودوائر، كالصحة، والتعليم، والمالية، والأشغال العامة، … وهكذا.

ما المشكلة في هذا؟ المشكلة تكمن في أن الفصل سيعري الوضع الراهن القائم فعلاً للسلطة الفلسطينية، وبخاصة بعد أفول الحل السياسي وقضاء إسرائيل على حل الدولتين. فمن جهة، ستكون المنظمة في الخارج لا سلطة فعلية لها على شعبها، ومن جهة لأخرى، فإن السلطة الفلسطينية، لن يكون في إمكانها الحفاظ على الوهم أنها فعلاً دولة، ولكنها تحت الاحتلال، وليس فقط حكماً ذاتياً محدود الصلاحيات تحت الاحتلال.

من منظور أعم، المشكلة تكمن في التوقع الفلسطيني من مسار أسلو؛ أي إن الدولة ستنشأ بعد الفترة الانتقالية ومفاوضات الحل النهائي.  ولم يسأل أحد على ما يظهر ماذا سيحصل إن لم يتم هذا.  أو ربما تم السؤال، لكن الأولوية “الملحة” في حينه كانت مختلفة.  وهذا قد يلقي بعض الضوء على أسباب الذهاب في هذا المسار الذي قال عنه أبو مازن في حينه أنه مغامرة كبرى؛ أي إن الأولوية كانت عودة القيادة الفلسطينية إلى الأرض المحتلة بدلا من المنفى السياسي الذي كان تونس.  وربما، أيضاً، الخشية من ظهور قيادة محلية في الأرض المحتلة إن بقيت قيادة المنظمة في تونس، كما تم سابقاً، مع تشكل لجنة التوجيه الوطني بعد العام 1967 التي سعت إلى قيادة العمل الوطني تحت الاحتلال، وأثارت حساسيات المنظمة في حينه.

هذا هو الدور الذي لا تريد السلطة الفلسطينية التخلي عنه، لكنها غير قادرة أو مؤهلة أن تقوم بالدور نفسه المقاوم الذي قامت به لجنة التوجيه الوطني بسبب طبيعة الاتفاقيات مع إسرائيل، ولأنه لا يمكن لسلطة علنية أن تكون سلطة ومقاومة في الوقت نفسه، لأن إسرائيل ستستهدفها.  وكقاعدة عامة، متى نشأت سلطة أو هيئة أو حتى مؤسسة، يصبح لها مصلحة في بقائها، ومصالح متنوعة مرتبطة بها.  ولا غرابة أن الدعوة لحل السلطة تقريباً اختفت من الخطاب العام بخلاف الدعوات المختلفة لحل السلطة في مناسبات سابقة، حتى من قبل بعض الأوساط في فتح، عندما بان أن هناك انسداداً في الأفق السياسي.

لذا، إن الخطاب الدولاني كغطاء، له تاريخ انتهاء لصلاحيته، بعد أن يبان بوضوح للجميع انتهاء حل الدولتين بالفهم الفلسطيني له، إن لم يكن قد اتضح لهم بعد. عندئذ، ستواجه السلطة ما يمكن أن يسمى بـ”أزمة الهوية”؛ ذلك أنه سيبان بشكل جلي أن ما هو قائم فعلاً هو حكم ذاتي محدود الصلاحيات في ظل السيادة الإسرائيلية كوضع دائم.  هذا هو “حل” إسرائيل لما سُمّي بقضايا الوضع النهائي التي تم تأجيلها إلى المفاوضات النهائية التي انتهت بالفشل في كامب ديفيد في تموز من العام 2000.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: جورج جقمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *