عن مفهوم الأرض والحيّز في متحف تل أبيب ـ يافا اليوم
مفهوم الأرض والبناء والتنظيم والحيّز في إسرائيل لا يُدرك إلّا بوضعه في سياق ممتدّ عميقًا إلى جوهر الصراع في البلاد وعلى الأرض. وعليه فإن فهم السياسات لا يأتي من التمحور في هذا القانون أو ذاك أو في “العمل المهنيّ” للمخططين بل من قراءة السياق قراءة استراتيجية. وهذا ما أقترحه:
ـ الدولة في إسرائيل تحتكر ملكية الأرض (أكثر من 90% من الأرض في ملكيتها أو ملكية مؤسسات قومية وفوق قومية) وهي تُعلن أن هذه الأرض هي لليهود سكّانها، ولليهود الذين يعيشون خارجها والذين يُمكن أن يأتوا إليها بموجب قانون التجنيس والعودة المكرّس لليهود حصرًا. في الشقّ الثاني للمعادلة، فهي تحتكر الأرض لمنع غائبين آخرين من العودة وهم اللاجئون الفلسطينيون! هذا هو منبع التوتّر البنيويّ بين المؤسسة الإسرائيليّة وبين سكان البلاد وأصحابها الأصليين.
ـ الدولة في إسرائيل ولدت من خلال صراع على الأرض وهو صراع مستمرّ لا يزال يُنتج ألف سبب للتوتّر بين قوانين البناء والتنظيم وبين العربي هنا وفي مستويات عدّة. أما القوانين فهي ولدية حالة الصراع (وحالة الانتداب البريطاني بوصفه ذات روح كولونياليّة واضحة) فسنّها أصحاب السيادة بدون إشراك أصحاب الحقّ من العرب هنا.
ـ لا بدّ من مقاربة تحاول أن ترى التوازي في سياسات الأرض وفي الخطاب السياسيّ في إسرائيل ـ فقد لجأت السياسة الإسرائيلية إلى نزع شرعية العربي في صنع القرار من خلال بُنية دستوريّة عنصريّة ومن خلال خطاب كراهية وتحريض أبقى للعربيّ حقّ المشاركة البرلمانية وإسقاط حقّه السياسيّ في صنع القرار. وفي التخطيط تمّ محاصرة العربيّ في بلدته دون أي أفق سوى وصول كل بلدة إلى حالة تفجّر سكانيّ ـ وهذا يعني أن العربيّ في إسرائيل يعيش على زمن مُستقطع وعلى أرض مستقطعة ـ هذا هو شعوره وهذا وعيه بناء على التجربة المُعاشة يوميًّا.
عليه لا مجال للحديث عن “التخطيطيّ” إلّا كجزء من “السياسيّ”.
وشارك في الجلسة الحواريّة الصديق الأنتروبولوغ د. رامز عيد الذي أشار إلى الروح الكولونيالية في كل ما يتعلّق بقوانين التخطيط وقد ورثتها عن الانتداب البريطاني وتقصد تربية أهل البلاد وتعليمهم بناء علاقة صحيحة مع الطبيعة. وأشار د. عيد إلى استعمال المناطق المفتوحة والمحميات الطبيعيّة كوسيلة لمحاصرة البلدة العربية وحرمانها من حقّها في التطوّر. وقال أنظروا إلى كل القرارات في هذا المجال فهي تأتي بدون إشراك أهل البلاد ولا في حالات تستهدف أراضيهم. وأضاف أن التخطيط هو ذراع سياسيّة واضحة في كل ما يتّصل بالعرب الفلسطينيين. وذكر عيد الحرب التي شنتها سلطات الطبيعة على شعبنا لمنع تربية الماعز الأسود باعتباره مخرّبا للطبيعة والعودة بعد 70 عاما للاعتراف بأنها كانت حرب قذرة لأن الماعز الأسود لو ظلّ مصدر رزق لأهلنا لمنع حرائق كثيرة في الطبيعة أو قلّص الأضرار الناجمة عن هذه الحرائق (ما عُرف بقانون العنزة السوداء).
باختصار ـ لقد تمّ تصميم سياسات الأرض والتخطيط وقوانين الملكية بوصفها وسائل وآليات تضمن للمؤسّسة الإسرائيليّة السيطرة على الجغرافيا لهندسة الديمغرافيا!
وأخيرا ـ تحيّة لمجموعة من الحضور صدّقت على ما أتينا به ودعمت أقوالنا بما لديها من تجارب وخبرة. ودائمًا ما يحصل لي في مثل هذه الحوارات أنني أكتشف أناسًا تقدميين ودمقراطيين وعارفين يصطفّون إلى جانب روايتنا ويقبلون أطروحاتنا للتغيير.
__
*أتت المداخلة في إطار نشاط ومعرض طويل الأمد ومُثير لكل النقاشات نظّمته في متحف تل أبيب كل من بروفيسور يعيل موريا (رئيسة قسم المعمار في كلّية شنكار) والمعمارية يعيل حين ـ أجمون.