عمليّة رفح محاولة يائسة لاقتناص إنجاز في اللحظة الأخيرة
في محاولة لاقتناص إنجاز قبل “قرع جرس النهاية” قابل نتنياهو ومجلس حربه موافقة “حماس” على المقترح الأميركيّ- القطريّ- المصريّ لصفقة تبادل الأسرى باحتلال معبر رفح وتدمير بعض مبانيه ورفع العلم الإسرائيليّ على الجانب الفلسطينيّ منه، في عمليّة هي استمرار بالوسائل العنيفة لأحابيل نتنياهو المتواصلة في إفشال أيّ صفقة لتبادل الأسرى، والّتي ظهرت بشكل فاضح في الأسبوع الأخير.
الخبير في الشؤون الأمنيّة يوسي ميلمان، شبه العمليّة الإسرائيليّة في رفح بخطوات إسرائيليّة يائسة من حروب فاشلة سابقة رفض فيها قادة سياسيّون وعسكريّون التسليم بالنتيجة غير المرضيّة، مستحضرًا قرار موشيه ديان بخرق اتّفاق وقف إطلاق النار في حرب 73 والدخول إلى “مصيدة السويس”، عندما أمر الفرقة 162، بشكل مخالف لقرار الحكومة، مواصلة الحرب لاحتلال السويس وتعزيز محاصرة الجيش الثالث المصريّ، وهي معركة انتهت بسقوط 80 جنديًّا وإصابة 120 آخرين، واعتبرت من أخطاء إسرائيل الكبرى في الحرب.
خطوة يائسة أخرى، وفق ميلمان، اتّخذت من قبل القيادة السياسيّة والعسكريّة في نهاية حرب لبنان الثانية عام 2006 بإصدار الأمر للفرقة 162، أيضًا، الاستمرار في القتال بعد صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وذلك في محاولة لتحسين مواقع الجيش وتقريبها من نهر الليطاني وهي معركة سقط خلالها سبعة جنود وأصيب العشرات.
في الحالتين لم تسلّم القيادة العسكريّة والسياسيّة بالفشل الّذي منيت به في الحربين، وهو ما يحاول أن يكرّره نتنياهو بعد فشل حربه، بعمليّة رفح الّتي، برغم محاولات تضخيمها، يرى ميلمان أنها محدودة ورمزيّة، وتخدم أهدافًا داخليّة، مشيرًا إلى أن رفع العلم الإسرائيليّ على معبر رفح لا يمثّل بأيّ حال صورة نصر بقدر ما هو خطوة يائسة تدلّل على عدم القدرة والرغبة في اتّخاذ قرار استراتيجيّ بإنهاء الحرب واسترجاع المخطوفين.
وربّما تشير هذه العمليّة ليس فقط إلى عدم الرغبة والقدرة على اتّخاذ قرار استراتيجيّ بإنهاء الحرب، بما يتضمّنه ذلك من الاعتراف بالفشل، بل الخوف من مواجهة المجتمع الإسرائيليّ بـ”الحقيقة العارية” بلسان الجنرال احتياط يوم طوف سامية، قائد الجبهة الجنوبيّة الأسبق، الّذي لم يتوقّع فشلًا بهذا الحجم في المستوى التكتيكيّ كالّذي وقع في السابع من أكتوبر والأسوأ في المستوى الاستراتيجيّ، مثلما لم يتوقّع مثل هذا الضعف في إدارة الحرب خلال الأشهر السبع الماضية، كما قال.
سامية يرى أيضًا أن “النصر المطلق” الّذي يتحدّث عنه نتنياهو مجرّد تخريف يصلح أن يكون شعارًا انتخابيًّا، وليس هدفًا للحرب يمكن تحقيقه، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل خسرت هذه الحرب في السابع من أكتوبر، وأن “ما لم تحقّقه خلال 15 سنة لن تحقّقه في سبعة أشهر” ويقصد القضاء على حماس.
هذا الوضع يجعل شخصاً مثل يعقوب بيري رئيس “الشابّاك” الأسبق، يشكّك بقدرة الحكومة الحاليّة في أن تكون قيادة يمكن أن توفّر إجابات كافية للجمهور القلق، ويقول إن رئيس الحكومة يتحدّث في كثير من الأحيان بانقطاع عن “الكابينيت” الّذي يرأسه ما يؤدّي بالجمهور إلى مزيد من البلبلة، مشيرًا إلى أن من يصفه بـالعدوّ المرير (يحيى السنوار) يتحكّم بالوضع بصورة أمينة وواثقة “اكثر منا بكثير، ونحن نرقص على وقع ألحان نايه، وننجر وراءه وليس العكس”.
وبينما يرى بيري أن الوضع يائس ومحبط، وأنه آن الأوان لاتّخاذ قرارات تعيد الاستقرار والحياة الطبيعيّة، دون إشارة إلى ماهيّة هذه القرارات، يقطع قائد الأركان السابق أفيف كوخافي قول كلّ خطيب، عندما يؤكّد بأنّ ما يسمّى ب”النصر المطلق” لن يتحقّق خلال أشهر قليلة، وأن تحقيقه يحتاج إلى سنوات طويلة، وأن هناك تناقضاً بين هدفي الحرب المتمثلين بتحرير الأسرى والقضاء على حماس، وهو تناقض لم يكن قائمًا قبل شهرين أو ثلاثة أشهر، على حدّ قوله، ولذلك فليس هناك طريقة لاسترجاع المخطوفين دون وقف الحرب، داعيًا بكلّ صراحة إلى وقف الحرب في هذه المرحلة.
عن عرب48