طنطورة… فيلم يتغلب فيه الواقع على الخيال وفرصة نادرة
شاهدت فيلم الطنطورة الجديد للمخرج الإسرائيلي المبني على اعترافات إسرائيلية وشهادات فلسطينية. الطنطورة صورة مصغرة لفلسطين ونكبتها: من أجمل الشواطىء والقرى الساحلية المدهشة ببيوتها الحجرية وبرمالها الذهبية ومياهها المعدنية وبأهلها الطيبين ممن تميزوا بأحوالهم الاقتصادية الاجتماعية الجيدة حتى جاء مجرمون من وحدة الكسندروني وصبغوها بالأحمر ليلة 22.05.1948 هؤلاء كانوا جنودا بالجيش الإسرائيلي لا في عصابات صهيونية. بعد ٧٤ عاما ما زالت مشاهدة وسماع أحاديث معظم هؤلاء مقززة ليس فقط بسبب مذبحة وقتل 200 من سكانها رغم انتهاء احتلال القرية التي قاومت حتى اخر طلقة بل هم مقززون بلغتهم المتغطرسة وبضحكاتهم لحد القهقهة وهم يستذكرون القتل والاغتصاب وقتل العم الذي سارع لنجدة ابنة شقيقه من اغتصاب جندي لها داخل منزل أهلها. كذلك هو حديث بعض سكان كيبوتس دور ممن سكنوا داخل بيوت أهالي الطنطورة بعد طردهم بساعات.
عندما سيعرض الفيلم للمشاهدة العامة ستثير مشاهده الوثائقية ردودا واسعة رغم التقادم.. خاصة انه يصب الماء على طاحونة الرواية التاريخية الفلسطينية.
لا يعقل أن تمر مثل هذه القضية النادرة(بحكم الاعترافات الإسرائيلية) دون متابعة وإحياء وقائعها التاريخية مجددا لـ أهميتها البالغة من عدو نواح. على الأقل السعي لبناء نصب تذكاري هناك قريبا من موقع القبر الجماعي وقض مضاجع أبناء ” اليسار الصهيوني” المقيمين داخل الكيبوتس دور على أنقاض القرية المستباحة. ينبغي السعي والمطالبة بذلك بصوت عال رغم الرفض المتوقع طبعا. ينبغي المبادرة لذلك (وهذا أضعف الإيمان) حتى لو بقيت ضمائرهم ميتة. على الأقل السعي لـ حرمان كل المسؤولين والمشاركين في هذه الجرائم ضد البشرية من الاستكانة والنسيان وتذكيرهم بما حصل وبما اقترفوه وبما سكتوا عنه . كذلك تذكير سكان كيبوتس دور ونحشوليم بأن مراكبهم تقوم على قبر جماعي وان بيوتهم تقوم على اراضي اصحاب أهالي القرية وتذكير هؤلاء المستمتعين بأجمل السواحل والبحار والمساحات الواسعة أن الناجين من المذبحة وذريتهم يعيشون (معظمهم )الان داخل علبة سردين اسمها مخيم طول كرم.. بعدما كانوا في واحدة من جنات الله على الأرض.
أحسن تيدي كاتس معد وظيفة جامعية عن الطنطورة بقوله في نهاية الفيلم” لا يمكن ان تتم مصالحة بين الجانبين بدون اعتراف رسمي من قبل اسرائيل بمسؤوليتها عن فظائعها المروعة بحق الشعب الفلسطيني في نكبة ٤٨. هذا الفيلم الشجاع الذي يستحق مخرجه وكل من شارك فيه التحية والاحترام فرصة ذهبية لـ إحياء وتعميم مثل هذه المقولة كي تسمع كل يوم فهذه المرة هناك اعتراف إسرائيلي نادر بجريمة حرب بحق فلسطينيين. حينما يسمح بـ بثّ الفيلم ستكون هذه فرصة ثمينة أيضا لـ عرض الفيلم في كل واحدة من البلدات العربية واستضافة المخرج فهو درس تاريخي يسد فقدان التثقيف السياسي المفقود في أيامنا واإثراء المعرفة عن هذا الصراع الكبير المفتوح .