صباح الخير لقباب شامخة في زمن كثيراً ما تنحني فيه الرؤوس، لتاريخ رصف شوارعك القديمة بحكايا مازالت تستنهض فينا البطولات كي نمشي وقاماتنا تمتد نحو الشمس، لصبيةٍ سمراء تهوى جمع البرتقال لكنها في هبة القدس عشقت حجراً.

صباح الخير لدلعونا وظريف الطول وهما يخرجان من أثواب جداتنا ليطرزا عرساً في ساحة الأقصى، لجفرا وهي تنتظر حبيباً ربما لم يعد في أي حين، لزيتونةٍ في حي الشيخ جراح ابتلعت زيت ثمارها كي لا تمسه شفاه الغاصبين.

صباح الخير لكل يدٍ تمتد لتمسح دمعة عن وجه مساءاتك الحزينة، لأسوارك العتيقة وهي تقف شامخة لتؤسس فلسفة الحد بين الحق والباطل، لشاهدةٍ تنتصب فوق ثراك شامخة لتذكر الساهين أن الشهداء أحياءٌ عند ربهم يرزقون.

صباح الخير لمن مازال وجدانهم يتذكر صدى صرخات أهالي مخيم اليرموك وهم يبعدون الموت والجوع ورصاص الاستبداد بأصابع أيديهم، ولم ينسوا أطفال الرشيدية وعين الحلوة وهم يتصدون بأجسادهم الضئيلة لصفيح دبابات العدو كي لا تبتعد القدس أكثر.

صباح الخير يا مدينة السلام.

سلام يصنع مساحة للرؤيا تكفي لكي يرى طفل في مخيمات غزة رفيف العلم الفلسطيني فوق قبة الأقصى، سلام يكنس التنسيق الأمني ويقلب رايات التطبيع خزياً على جباه المطبعين.

سلام يعيد لنا فلســــــطين.

صباح الخير لكوفية لم تنحنِ إلا لمن أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لكم يا من تهزمون رطوبة جدران الزنازين بدفء قلوبكم، لهمساتكم الدافئة تتسلل مع الفجر من بين القضبان لتتّحد مع أصوات المآذن معلنة الله أكبر، لكل عاشق اختارت عيونه ظلام السجن كي لا يرى الوطن أصغر.

صباح الخير يا مدينة الصلاة..

صباح الخير لجمعةٍ في رحابك يا أقصى وقد جاؤوك من كل مسارب الوطن لا يهابون فوهات البنادق المصوبة إلى رؤوسهم.. جاؤوا حاملين حلم مخيمات اللاجئين بالعودة، حاملين ثقل الليل وتعاريج مسالك الأيام القادمة.. جاؤوا لوحة صارخة على خلفية من الطين.. يحملون ابتسامات العيد.. وبكاء أسقفنا الشتوية ودمعة أم الشهيد.. جاؤوا يحملون ارتعاش الأصابع فوق أمسياتنا الحزينة.. جاؤوك يا قدس معطرين برائحة برتقالة من يافا ونسيم بحر حيفا وصلابة أسوار عكا وأملهم أن يحتضنوا فلسطين كل فلســــطين.

صباح الخير لشبابنا يتسابقون فوق أرصفتك على حجر كي يعلنوا الصهيل في زمن العواء.

صباح الخير يا باب العمود وجبل المكبر.. يا حي المغاربة وجبل الزيتون..

صباح الخير يا قدس.. وأنت تزفين آه حبلى بمعناها وتسألين أصحاب أوسلو: لماذا ظللتم الطريق ومازلتم تساومون على شرفات بلا فضاء، وعلى أرض أصغر من أن تنبت وردة؟ خبريهم يا قدس أن القبر أوسع من دار تحرسها عيون الأعداء.

يـــــــــــــــا قــــــــــــدس علمينا الصمود.

علمينا كيف نمسح سفيف الغبار من فوق ذاكرتنا لنرَ القادم أفضل، كيف نصنع من صفيح بيوتنا قلاعاً، كيف ننسج من خيوط الليل نجمة، كيف نصنع من أصابعنا جذوراً ومن قاماتنا نخيلاً..

صـــباح الخــــــير يا قدس

صباح الخير لعين تقاوم المخرز.

لجدٍ رمى بعكازه القديمة وجه الجنود مع أنها مسنده الأخير، للسنونو يعشش في مآذنك القديمة وقد غير عاداته ولم يهاجر، لصبية استفاقت ولم تجدل ضفائرها لأنهم كسروا المرايا، لأبٍ أحرق الدمعة في بؤبؤ العين كي لا يسيل الكبرياء، لياسمينةٍ في شرفات منازلك العتيقة تخلصت من عطرها كي لا تشمها أنوف الغاصبين

صباح الخير يا قدس..

صباح الخير لوشم ميزنا وشارة تعارف جمعتنا اسمها فلسطين، لحنجرة تصرخ بـــــ “لا” لتكنس ما تكوّم من غبار فوق كوفية الفلسطيني كي تستعيد لونها في عمقنا.

صباح الخير لمن يجمعون الضوء من انكسارات المرايا كي يحددوا الرؤيا ويلملموا صدى صرخات أمهاتنا من دير ياسين إلى صبرا ليطلقوا صوتهم ويصرخوا الله أكبر.

صباح الخير لمن يعيدون ترتيب الحروف ليصوغوا لغة جديدة تغسل الحلم من آثار أوسلو وينتشلون نثار الضوء من مساحات ظلال حجبت الرؤيا.

صباح الخير نقولها برغم أننا في عالم أشاح وجهه عن مأساتنا وفي زمن أبقى صرخات الحرية نازفة على امتداد وطننا العربي، واحتفظ بالقطن كي يسد أذنيه.

صباح الخير للقدس نقولها لكننا لم ننس زيتونة في جبال الجليل تختزن الوطن في جذورها، وبرتقالة تعطر سماء يافا ومراكب على شواطئ غزة تحن لغناء الصيادين،

صباح الخير نقولها لكل فلـــســـــــــــــــــطين.

عن تلفزيون سوريا

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *