شلحت: حجم التهديدات الإسرائيلية مرتبط بمدى إذلال إسرائيل

يرى المحلل السياسي والباحث، أنطوان شلحت، أن ما تعرضت إليه إسرائيل وجيشها إذلال كبير، وأنه من الطبيعي أن نسمع تهديدات الترحيل من قادتها، في اليوم الثاني لـ”طوفان الأقصى”، حيث جددت فصائل المقاومة في قطاع غزة فجر وصباح اليوم الأحد، إطلاق القذائف الصاروخية على مستوطنات “غلاف غزة”، فيما نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي، غارات مكثفة على قطاع غزة، طالت مواقع مدنية وعمارات سكنية، واستهداف العديد من منازل قيادات حماس.

“عرب 48”: كيف ترى صورة الوضع في جنوبي البلاد الآن، لم نعهد من قبل هذه المشاهد في إسرائيل، ولم نعهد هذه الفوضى والتخبط بالمعلومات في إسرائيل؟

شلحت: إذا ما حللنا بيانات الناطق العسكري الإسرائيلي والتي ورد فيها ضمن ما ورد أن هناك مسعى لإخلاء كل منطقة ما تسمى بـ”غلاف غزة” من السكان، فهذا يعني أن المقاومة ما زالت مستمرة وأن ثمة عقبات تعترض الجيش الإسرائيلي في كل ما هو متعلق بإعادة السيطرة على الوضع. كما أن ثمة إمكانية لأن يكون هذا المسعى بمنزلة تمهيد لعملية اجتياح القطاع برًّا. صحيح أننا لم نعهد هذه المشاهد من قبل، أما فوضى المعلومات في إسرائيل فهي ليست جديدة، وسبب ذلك يعود إلى الكذب والتعتيم والتضليل، وجميع هذا إسرائيل بارعة فيه، خصوصًا في إبان الحروب والأزمات. وما لوحظ في الوقت الحالي أن الجيش الإسرائيلي، بل والمؤسسة الأمنية برمتها كانت تصدر البيانات في إثر بيانات المقاومة المرافقة بالصوت والصورة، وفي مجرّد هذا ما يعيد التذكير بما حدث في مواجهات عسكرية سابقة أعرب فيها أغلب الإسرائيليين عن وثوقهم ببيانات الخصم وعدم ثقتهم ببيانات الناطق العسكري الإسرائيلي أو الناطقين بلسان الحكومة كما حدث مثلًا أثناء حرب تموز/ يوليو 2006 على لبنان (“حرب لبنان الثانية” بحسب اسمها الإسرائيلي).

ولئن أردنا الاستشهاد بالتحليلات الإسرائيلية فإن ما حدث هو إخفاق إستراتيجي يساوي إخفاق حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 أو إخفاق هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة. وهناك كلمة واحدة تكرّرت في جلّ التحليلات الإسرائيلية هي الإذلال، والمقصود إذلال إسرائيل التي تتباهى بأنها فخر دول الاستخبارات والسايبر والردع والإحباط المسبق الأكثر تطورًا. ومن أبرز التعليقات ما يلي: “إسرائيل صفعت بمفاجأة إستراتيجية بحجم مفاجأة حرب ’يوم الغفران’ ولكنها أكثر إذلالًا”، و”كل التحصينات التي قامت إسرائيل بإنشائها في منطقة الحدود مع قطاع غزة (فوق الأرض وتحتها) انهارت في وجه المقاتلين الفلسطينيين”، و”يجري الحديث حول حادثة تعتبر الأفظع التي عرفتها إسرائيل منذ إقامتها، ومن هنا الحاجة إلى حسم واضح ومهم في مقابل حركة حماس وأن تكون إسرائيل جاهزة لاحتمال أن تكون هذه الأحداث في الجنوب بمثابة بداية فقط لخطة أوسع من جانب حزب الله وإيران. صحيح أنه لا توجد معلومات استخباراتية تؤكد ذلك، ولكن لم تكن هناك معلومات كهذه بالنسبة لحملة حماس (“طوفان الأقصى”).

وبرأيي أن المقارنة مع الإخفاقين المذكورين يعني أن ما سيكون بعد هذا الحدث الكبير في الجنوب لن يكون مثل ما ساد من قبل، وأنه ينطوي على قدرة التسبّب بتغييرات بعيدة المدى تلقي بظلالها على الساحتين الإقليمية والدولية.

“عرب 48”: عندما يقول المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي أمامنا أياما صعبة.. ماذا يعني ذلك، هل يتحدث عن أيام الحرب المقبلة أم أن المعلومات التي سيفرج عنها أصعب بكثير مما أعلن عنه حتى الآن؟

شلحت: أكيد يقصد الأمرين معًا. هنا علينا أن نأخذ في الاعتبار أن احتمال القيام بعملية اجتياح بريّة لقطاع غزة هو احتمال وارد، ومجرّد ذلك يشير إلى أن أيامًا صعبة في انتظارنا. ولنلاحظ أيضًا أن كل موجة من المعلومات التي يُكشف النقاب عنها تتضمّن المزيد من المفاجآت التي تشتمل على صعوبة أكثر وأدهى. ولا يجب إغفال وجود عدد كبير من الأسرى في أراضي قطاع غزة، وهو ما يزيد من تعقيد الأوضاع. وثمة تلميحات إلى وجود ضباط كبار بينهم.

“عرب 48”: كيف ترى تهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بتدمير غزة والتهجير؟

شلحت: إنها تهديدات ليست جديدة، وصدر مثلها وربما أشدّ وأدهى منها من قبل، ومن جانب قادة إسرائيليين غير نتنياهو، من السياسيين والعسكريين. أعتقد أن حجم التهديد، الآن، مرتبط بمقدار الإذلال الذي تسببت به عملية “طوفان الأقصى”. هذا لا يعني الاستهتار به، ودائمًا يجب أن نذكر أن إسرائيل أعلنت أنها في حالة حرب لأول مرة منذ العام 1973، ما يعني أننا في خضم وضع صعب قد يتفاقم ويزداد صعوبة.

“عرب 48”: ما هي السيناريوهات المحتملة في شمالي البلاد، هل يمكن أن تتطور لفتح جبهة أخرى؟

شلحت: ممكن طبعًا. مثل هذا الأمر لمّح إليه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري. والتقديرات السائدة تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية في غزة ما كانت لتقدم على عملية كهذه من دون تنسيق مسبق مع حلفائها. وفيما يتعلق بإسرائيل، التي نتابع المستجدات فيها على نحو أكبر، فإن مثل هذا السيناريو هو مدار تحذير منذ مدة ليست قصيرة. والمقصود السيناريو الذي توصف فيه الحرب المقبلة الماثلة أمام إسرائيل بأنها الأصعب لأنها ستكون متعددة الجبهات وتشمل جبهتي غزة والضفة الغربية [هناك من المحللين الإسرائيليين من يصف المقاومة في شمالي الضفة الغربية خلال نحو العام الأخير بأنها حرب] بالإضافة إلى جبهتي لبنان وسورية وكذلك اليمن والعراق [في هاتين الأخيرتين يجري الحديث عن احتمال انضمام الحوثيين في اليمن والميليشيات الموالية لإيران في العراق].

“عرب 48”: هل ستقام حكومة “وحدة قومية” في إسرائيل؟

شلحت: هذا تطوّر وارد. ويحتمل حدوثه في أي لحظة. ويتعيّن أن نؤكد هنا أن الإجماع على الحرب لا يزال “درة تاج” الإجماعات القومية الإسرائيلية، فما بالك في ظلّ الوضع الحالي. مع ذلك لا بُدّ من القول إن عملية “طوفان الأقصى” سدّدت ضربة قاسية إلى الحكومة الحالية وإلى بنيامين نتنياهو، ستتضح قسوتها بمرور الوقت، فضلًا عن أنّها مهّدت الطريق للجنة التحقيق الإسرائيلية الرسمية المقبلة.

“عرب 48”: هل تنطوي عملية “طوفان الأقصى” على رسائل سياسية؟

شلحت: طبعا. ولعلّ أهم هذه الرسائل موجهة إلى الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل والدول العربية الأخرى الواقفة في الدور، والتي يعود أحد أسباب مسلكها المشين هذا إلى إعجابها بقوة إسرائيل وقدراتها التي أذلتها عملية المقاومة الفلسطينية على رؤوس الأشهاد.

وهناك رسالة أخرى لا تقل أهمية هو أنه لا يمكن الاستمرار في تجاهل القضية الفلسطينية أو كنسها تحت السجادة من خلال مقاربات وهمية مثل “السلام الاقتصادي” أو “إدارة الصراع” أو “تقليص الصراع”. هذه العملية أعادت قضية فلسطين إلى الأجندة الإسرائيلية، والعربية، والإقليمية، والعالمية. ومعها أعادت إلى الأذهان أنها تستحق إيجاد حل عادل يلبي حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمها حقه في تقرير مصيره.

عن عرب 48

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *