تداعيات الحرب على غزة والانتخابات الهولندية
تأتي الانتخابات البرلمانية الهولندية المزمع إجراؤها غدا الأربعاء 22 تشرين ثاني – نوفمبر الجاري بالتزامن ظرف استثنائي وهو العدوان الإسرائيلي الكبير والمتواصل منذ ٧ تشرين اول – أكتوبر ضد قطاع غزة والشعب الفلسطيني بدعم غربي وأوربي واضح والذي أسفر حتى لحظة نشر هذه المقالة عن استشهاد أكثر من 13 ألف معظمهم من الأطفال والنساء، وتأتي مع وضوح كبير بأن هذه الأحداث باتت تتغلغل بقوة بل تفرض نفسها على المستويين الرسمي والشعبي في هولندا في ظل تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين من خلفيات عربية ومسلمة في الآونة الأخيرة وخاصة في أعقاب الثورة السورية وحرب الإبادة والتهجير التي شنها نظام الأسد ضد شعبه ماولد أزمة لجوء وهجرة كبيرة في عموم أوروبا وهولندا خاصة.
وبالعودة إلى مفرزات الانتخابات القادمة، فإن المواطنين أمام 3 سيناريوهات بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية التي تلي الانتخاب بعدة أيام، وهي:
الأول: بقاء الوضع كما هو عليه وأن يكون حزبا VVD و D66 هما المهيمنان على البرلمان والحكومة ذات الطابع الخدمي ولكن بسطوة أقل.
الثاني: صعود نسبي للأحزاب التي تمثل “الأجانب” وائتلاف اليسار معها (GroeneLinks-PvdA)، وكذلك الأحزاب ذات التمثيل الذي يغلب عليه أصحاب الخلفيات غير الهولندية والجاليات القديمة (العربية والمسلمة والسود) في هولندا ومن بينها حزبا دينك (Denk) و (bij1)
الثالث: صعود ساحق أو ملحوظ لليمين الهولندي العنصري ويتصدره حزب (من أجل الحرية) الذي يتزعمه النائب المتطرف خيرت فيلدرز.
قد يكون هناك سيطرة واضحة لأحد السيناريوهات الثلاثة السابقة، ولكن يصعب بالفعل التنبؤ أي منها هو الذي قد يكون الطاغي، وقد يجتمع سيناريوهان أو ربما جميعها معا، كما إن الأمور محتدمة لأسباب عدة من أهمها (وليس جميعها) ما يلي:
العامل الأول: المجازر في غزة والمواقف الداعمة للاحتلال الإسرائيلي من معظم الأحزاب (الوسط واليمين كاملة) وهو ما يتعارض مع تصاعد الصوت الشعبي الغاضب من قبل الهولنديين الأصليين والأجانب المناصرين لفلسطين في ظل تواصل حرب الإبادة ضد الغزيين، ويأتي ذلك بالتزامن مع وجود 3 قوائم تناصر فلسطين بدرجات متفاوتة وهي: قائمة حزب دينك الأوضح مناصرة لفلسطين، قائمة حزب bij1 المناصر لحقوق الملونين وقضايا الشعوب تحت الاستعمار وقضايا البيئة وأصحاب الخلفيات السوداء في هولندا، ائتلاف اليسار والذي بالمقابل يتخذ مبدأ التوازن في علاقته مع “إسرائيل” فهو ليس رافضا لها بالمعنى الكلي بل يعترف بها ويقبل التعامل معها كما يدعم في ذات الوقت حقوق الفلسطينيين وفكرة “السلام” دون وضوح كبير في التفاصيل المتعلقة بسياساته الخارجية في هذا الخصوص.
العامل الثاني: تهم الفساد المتعلقة بقضايا تخص الضرائب ومخصصات الأطفال والامتعاض الذي وقع ضد حزب VVD ورئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال المستقيل مارك روته وهذا الامتعاض قائم منذ ما قبل فوزه الأخير بالانتخابات خلال فترة كورونا، ومن ثم الخلافات الكبيرة التي وقعت بين أحزاب الائتلاف الحكومي ال4 وأهمها VVD وحزب D66 قبل عدة أشهر وبالتحديد في أيار/ مايو الماضي حول قضايا الهجرة، والتي أدت لإعلان روته استقالته من العمل السياسي وتحول الحكومة لحكومة تصريف أعمال وتصدع الأئتلاف الحاكم، و هو ماقد يضعف موقف هذا الائتلاف وهذه الأحزاب خلال الانتخابات البرلمانية الحالية.
العامل الثالث: التنظيم الجيد لأحزاب اليمين الهولندي وعدم تورطها في هذه القضايا وتهم الفساد التي تطال الائتلاف الحاكم وحتى تلك التي اتهم بها اليسار في أوقات سابقة قد يحسن موقفها انتخابيا بالتزامن مع صعود موجة اليمين وكل ما يتعلق بها ولا سيما ضد المسلمين واللاجئين والمهاجرين والأقليات العرقية في أوروبا هو عامل آخر مهم يدعم اليمين، فضلا عن الدعم الذي من الممكن أن يتلقاه اليمين من اللوبي الصهيوني في هولندا في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة لضمان موقف حكومي هولندي متعنت وقوي في دعمه لإسرائيل.
يمكن القول، إن الصوت الانتخابي هذه المرة مهم ومؤثر بصورة كبيرة في تحديد خريطة الخطاب الرسمي الهولندي، فحتى الأحزاب الصغيرة مثل دينك وbij1 يمكنها في حال تخطت الأعداد القليلة للمقاعد أن تحدد شكل الائتلاف الحاكم القادم، كما إن أحزاب اليسار واليمين المتنافسة، وأحزاب الائتلاف الحاكم الحالي جميعها لديها فرص ممكنة لقيادة البلاد بدرجات غير متساوية لكنها ممكنة في حال تمت الاستعانة بالأحزاب الصغيرة وتحالفت معها، وبالتالي فإن المشاركة في الانتخابات من قبل العرب والمسلمين والفئات اللاجئة والمهاجرة في هولندا وخاصة المناصرين لفلسطين في ظل الوضع القائم في قطاع غزة وحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي هناك، وفي ظل المذكور أعلاه، يمكنه أن يسهم في التأثير على المشهد السياسي العام لهولندا على المديين القصير في ما تفرزه الانتخابات المقبلة، والطويل بالنظر إلى عوامل مهمة يمكن تناولها بالتفصيل لاحقا،
واحد أبرز تلك العوامل المرتبطة بالمشهد الانتخابي على المدى الطويل وإمكانية تأثره بالناخب العربي والمسلم، هو البعد الديمغرافي السكاني ومعدلات الخصوبة العالية للمهاجرين والمسلمين وهو ما سيغير بطبيعة الحال ليس فقط الخارطة الديمغرافية والسكانية بل السياسية أيضا في بلد صغير مثل هولندا لاحقا، أي بعد عقد من الزمن أو مايزيد، في حال نظم هؤلاء أصواتهم حول بعض الأحزاب السياسية وأهمها دينك “Denk” وشكلوا جماعات ضغط (لوبيات) مهمة يؤسسون لها منذ الآن من أجل المستقبل.
خلاصة القول، من غير المنطقي ألا يشارك كل من يملك حق الانتخاب غدا ليس لأنها تجربة “ديمقراطية” فقط، فحتى ديمقراطيات الغرب باتت محل شك بعدما نراه من انحياز ضد حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في نيل حريته؛ بل لأن الانتخاب مؤثر على حياة العرب والمسلمين والأجانب اليومية في هولندا بصورة مباشرة هذه المرة في قضايا كثيرة (هجرة، تمييز، ضرائب رواتب وتعليم إلخ إلخ)، ومؤثر بنفس الدرجة وإن نسبيا على شكل السياسة الخارجية لهولندا على المديين القريب والبعيد في ما يتعلق بالخطاب والسلوك الرسميين ولا سيما بشأن القضية الفلسطينية.