الهيمنة بوصفها فنًّا… صناعة الفلسطينيّ المنضبط

تدرس هذه المقالة الكيفيّة الّتي تعمل بها تقنيات الرقابة على الأرض، كـ «فنّ للهيمنة» على الفضاء الفلسطينيّ والأجساد الّتي تتحرّك داخله، وإنّها وإذ تفعل ذلك فإنّها تدّعي بأنّ أنشطة الرقابة، وإن كان الهدف الشكليّ لها هو جمع المعلومات عن الفلسطينيّين ونشاطاتهم، فإنّ ما خلف ذلك هو إعادة تشكيل سلوك الفلسطينيّين أثناء تفاعلاتهم كسلوك «منضبط»، بالارتكاز على  ممارسة فعلين؛ فعل الرقابة الّذي يستند على العنصر البشريّ، وفعل الرقابة الّذي يستند على التطوّر التكنولوجيّ. وحتى تقوم الباحثة بذلك فإنّها تستعير نموذج «سجن جرمي بنثام» حيث غياب المراقِب المرئيّ بالنسبة للمراقَب.

في الهيمنة بوصفها «فنًّا»

يتطرّق أحمد زايد عند حديثه عن المراقبة إلى ما هو أبعد من مراقبة الأفراد، أو الأشياء، أو المجموعات، أو النظم، وإلى ما هو أبعد من استخدام الأساليب غير المباشرة في المراقبة كاستخدام التكنولوجيا، وجمع البيانات، وتحليلها. بل هو يستخدمها، أي المراقبة، بمعنى أقرب إلى الحوكميّة، بالمعنى الّذي استخدمه ميشيل فوكو[1]، فـ “الدولة”، وإذ تراقب الأفراد أو “تحدّق” فيهم؛ فإنّ الأفرد يتحوّلون إلى أفراد منضبطين حتّى في غياب الرقيب، فهو بعيد عنهم لا يعرفون متى يحضر ومتى يغيب، وثمّة جهاز للانضباط الكامل يتيح بـ”نظرة واحدة رؤية كلّ شيء… عين كاملة لا يفوتها شيء[2]، ورغم مركزيّة هدف جمع المعلومات من خلال أنشطة الرقابة، إلا أنّ هذه المركزيّة تتحوّل بالاتّكاء على “المنظور الشموليّ” لجرمي بنثام[3]، إلى سياسة حيويّة تستهدف تشجيعهم على مراقبة أنفسهم وضبط سلوكهم بشكل ذاتيّ[4]، وإنّه وإذ يتوجّه لضبط السلوك، فإنّه يسعى إلى إعادة إنتاجه ضمن الحياة اليوميّة[5]، أي على المستوى المصغّر «الميكرو»، وهو ما تعني به سهاد الناشف إعادة تعريف المُستعمَر/ة من خلال تدمير وإعادة بناء الذات بهدف التأثير وصياغة سلوكه كإنسان مُستَعمَر/ة[6].

“خلق منظومة للرقابة، كان ولا يزال أحد أهداف الحركة الصهيونيّة، للتمكّن من الهيمنة على الفضاء الفلسطينيّ والأجساد الّتي تتحرّك داخله”… 

وبالنظر إلى أنّ فلسطين كانت ولا تزال إحدى المناطق الّتي خضعت للاستعمار؛ فإنّني أدّعي أنّ خلق منظومة للرقابة، كان ولا يزال أحد أهداف الحركة الصهيونيّة، للتمكّن من الهيمنة على الفضاء الفلسطينيّ والأجساد الّتي تتحرّك داخله. وأعني بالهيمنة، الهيمنة بوصفها «فنًّا»، وبالمعنى الفوكويّ «فنّ الحكم»؛ والّذي يهدف إلى تنظيم السكّان وضبط سلوكهم عبر المعرفة، والخطاب السياسيّ، وتقنيّات القوّة الّتي توفّر لأجهزة “الدولة” سيطرةً على الأفراد من ناحية، وتجعل الذوات الفرديّة قادرة على الانضباط الذاتيّ من ناحية أخرى[7].

إنّ أهمّيّة البحث في الهيمنة بوصفها «فنًّا»، تأتي من كونه يجعلنا واعين ليس بما يتمّ على السطح فحسب، ولكن أيضًا بما يتمّ تحت الجلد، وذلك بالانتقال من النظر إلى الحدث كهدف بذاته، إلى فهم الطريقة الّتي يُدار بها الحدث، وما الّذي يهدف له هذا الحدث. بهذا المعنى يصبح فهم حقيقة ما وقع أثناء مأساة العام 1948 لا يُخْتَزَلُ بالحدث ذاته الّذي جُسِّدَ بالقتل والتهجير، وإنّما بفهم الطريقة الّتي أُدير بها فعل القتل والتهجير، وما الّذي أُريدَ تحقيقه من وراء ذلك؛ فإن كان فعل القتل والتهجير قد صِيغَ وصُمِّمَ في جانب منه بالارتكاز على المعلومات الّتي جَمَّعَتْها الحركة الصهيونيّة عن الأرض الفلسطينيّة والأجساد الّتي تتحرّك فيها من خلال أنشطتها الرقابيّة؛ فإنّ الهدف الّذي سعت له الحركة الصهيونيّة من وراء ذلك هو التأسيس للإبادة الكبرى، إبادة العام 1948، والّتي أعادت إنتاجها تاليًا عبر أنماط أخرى من الإبادة «الناعمة» تارة و«العنيفة» تارة أخرى[8] لتحقيق ثنائيّة المحو والإنشاء بتعبير هنيدة غانم[9] ، كبنية مستمرّة وليس كحدث كما جادل باتريك وولف[10].

تخيّلات الهيمنة على المكان- الجسد

بالاتّكاء على مفاهيم لاكانيّة[11]، جيجيكيّة[12]، ولاكلاويّة[13]، يعتقد يوسف جبّارين بأنّ الهيمنة، بوصفها تخطيطًا ذو علاقة بالخيال والرغبة لدى المجموعة المُهَيمِنة، والّتي يتمّ داخلها استبعاد المجموعات «المحرومة»، والتعامل معهم بوصفهم «آخرين»، والّتي تتشكّل من خلال استخدام ممارسات التخطيط المكانيّ، وتدابير تخطيط متطوّرة ومُتلاعِبة[14] عبر مجموعة من السياسات الحيويّة بمنطق ميشيل فوكو، وأهمّها سياسات “جدار الفصل العنصريّ، المستوطنات، الحواجز، الهويّات، التصاريح…”. حيث تستند هذه السياسات مجتمعة على منظومة كاملة من الرقابة، تتولى من خلالها السلطة الاستعماريّة، كما يصف أخيل ممبي، حقّ سيادة تقرير مَنْ يحقّ له الحياة، ومَنْ يحقّ له الموت[15], وإذا ما تجاوزنا كينونة الوجود الإنسانيّ بثنائيّة الميلاد والموت بيولوجيًّا، تكون إعادة “تخطيط الهيمنة” بالاتّكاء على «سجن» جرمي بنثام، أحد أبرز أشكال إقرار الحياة للمجموعات «المحرومة/الآخرين»، بحيث ينبثق عن هذه السيادة شكلين من «التخيّلات المكانيّة»: الشكل الأوّل الّذي يُخْتَزَلُ في وعينا من خلال المعتقل الاستعماريّ وهو «السجن الأصغر» المُعَدُّ لاعتقال المقاومين/ات الفلسطينينيّين/ات، وحجزهم في مقصورات مغلقة متراصّة من المباني الاسمنتيّة والخيام. وثمّة الشكل الثاني وهو «السجن الأكبر»، أي الفضاء العام كـ “مكان “مفتوح” يقوم على «الوهم» بالحرّيّة داخل «سجن بنثام»، أي «البانوبتيكون»، في الوقت الّذي تنتشر فيه منظومة كاملة من الرقابة الّتي تستند إمّا على العنصر البشريّ، كعيون تحدّق من داخل المجموعة، أو التطوّر التكنولوجيّ، كعيون ترصد من أعلى.

ففعل الرقابة القائم على العنصر البشريّ فعل يرتكز بالأساس على المعرفة العينيّة بأفراد المجموعة من داخلها، وعلى معرفة دقيقة بطبائع المجموعة، وعاداتها، وتقاليدها، وتنظيماتها السياسيّة، وأسماء عائلاتها، وأنماط الزراعة، والماشية فيها.. إلخ. وهو وإذ يفعل ذلك، فإنّه يتنقّل في الفضائين العامّ والخاصّ، ويلج حتّى إلى أكثر المستويات خصوصيّة؛ وهنا تترسّخ ثنائيّة المحدِّق والمُحَدَّق بهم من خلال فعل التحديق، الّذي يحيلنا إلى فعل مرتبط بالحواسّ، عبر الإمعان الدقيق والتركيز الشديد؛ وهو ما يعني بالنسبة إلى محمّد عبيد أن يتّسع الفعل إلى أوسع مدى ممكن، بحيث يُوِظِّف العنصر البشريّ كامل إمكانيّاته وطاقاته في فعاليّة إبصار عنيفة تمسح كلّ شيء أمامها وبإحاطة شاملة[16]. أمّا فعل الرقابة القائم على المعرفة التكنولوجيّة، فإنّه يتجاوز فكرة رصد الجسد فقط، إلى رصد كلّ ما يرافق الفلسطينيّ والتقاطه من زوايا متعدّدة، بصورة لحظيّة متوالية.

“فعل الرقابة القائم على العنصر البشريّ فعل يرتكز بالأساس على المعرفة العينيّة بأفراد المجموعة من داخلها، وعلى معرفة دقيقة بطبائع المجموعة”… 

وإذا كنّا نتحدّث عن فعليّ “حراسة” في «سجن بنثام»، وهما “العنصر البشريّ و التطوّر التكنولوجيّ”، فإنّنا لا نتحدّث عن أنّ أحدهما يلغي الآخر؛ فثمّة ضرورة لعمل فعل الحراسة القائم على العنصر البشريّ، وفعل الحراسة القائم على التطوّر التكنولوجي، لعملهما معًا في آن لتشكيل الصورة الأوسع، والأدقّ. فإذا كانت تقنيّات الرقابة القائمة على التطوّر التكنولوجي ترصد الأجساد، وتفاصيلها، وما تمتلكه أثناء تنقّلها في الفضاء العامّ، وحتّى الخاصّ، فإنّها لا قدرة لديها في كثير من الحالات على رصد الأفكار والأحاديث في هذا الفضاء (مقهى، أماكن اجتماعات، تجمّعات، مساجد، كنائس… إلخ)، وذلك ما يتولّى القيام به فعل الحراسة المرتكز على العنصر البشريّ، أي الأجساد الواشية من داخل المجموعة.

ولكنّ المفارقة أنّ الجسد يغدو في الحالتين، هيكلًا مرئيًّا، مراقَب من كلّ الزوايا، في متوالية لحظيّة لا تنتهي. في ما أنّ هذا الجسد لا يُطالِعُ مَنْ يناظره ويراقبه، تمامًا كما سجن بنثام، إذ يراقب الحارس السجناء، وإذ هم يدركون وجوده اللحظيّ المستمرّ، إلّا أنّه لا يكون مرئيًّا بالنسبة إليهم، وبهذا الشكل يتحوّل الحارس الّذي يجلس في برج مركزيّ في «سجن بنثام»، إلى فعل ضبط حتّى إن كان غائبًأ. بهذا المعنى يصبح فعل الرقابة في سجن بنثام «الضفة الغربيّة»، إلى فعل صياغة للسلوك الفلسطينيّ كسلوك «جيّد» وفقًا للمنطق الاستعماريّ، أو كما يصف إسماعيل الناشف، إلى فعل خلق لـ “الفلسطينيّ القابل للتداول في النظام الصهيونيّ”.

«الشحطة- الشَرّطَة»: في السلوك المنضبط

 تتجلى «الشحطة- الشَرّطَة» بين تشكيل الفضاء على صيغة سجن بنثام، وفعل الرقابة المرتكز على العنصر البشريّ والتطور التكنولوجيّ، بكونها صياغة لسلوك المستعمِر في إطار الحياة اليوميّة وتفاعلاتها، كسلوك «منضبط»، و«جيّد» وفقًا للمنطق الاستعماريّ.

“يتحوّل الحارس الّذي يجلس في برج مركزيّ في «سجن بنثام»، إلى فعل ضبط حتّى إن كان غائبًأ. بهذا المعنى يصبح فعل الرقابة في سجن بنثام «الضفة الغربيّة»، إلى فعل صياغة للسلوك الفلسطينيّ كسلوك «جيّد» وفقًا للمنطق الاستعماريّ”… 

ولكنّ السؤال الّذي نطرحه في هذا الإطار، بالارتكاز على تحليل الهيمنة بوصفها «فنًّا»، هو كيف تعمل هذه «الشحطة- الشَرّطَة»، على صياغة سلوك الأفراد في إطار التفاعلات اليوميّة كسلوك «منضبط»؟

 يقول (ي. م)، (49 عامًا)، وهو أب فلسطينيّ لأربعة أطفال، أنّ “أنظمة المراقبة نزعت آخر ما كان لدى الفلسطينيّين من خصوصيّة، ويضيف:”لا نشعر بالراحة حتّى في حياتنا الاجتماعيّة، فالكاميرات تراقبنا دائمًا، ولم أعد أسمح للأطفال باللعب أمام المنزل، وأقاربنا الّذين لا يخضعون لرقابة كتلك الّتي علينا باتوا يتجنّبون زيارتنا”. كما يصف الناشط الفلسطينيّ، عيسى عمرو، من مجموعة «أصدقاء الخليل» كاميرات المراقبة بالقول بأنّ “لها عين واحدة تراقب الفلسطينيّ فقط، من لحظة خروجه من منزله حتّى عودته إليه”[17].

يروى الأستاذ نبيل علقم كيف كان الشباب الفلسطينيّون يرتدون الكوفيّة لإخفاء وجوههم، بحيث تحوّل ارتداء الكوفيّة في «الانتفاضة الأولى» إلى ثقافة عامّة انتشرت حتّى بين الأطفال. فيروي قصّته مع ابنه قائلًا: “عندما كان يسيرا ابني مرتديًا الكوفيّة، وكان حينها طفلًا، اقتربت منه مرّة وأمسكته، فغضب جدًّا وأعلمني بأنّني من خلال تصرّفي هذا كشفت هويّته أمام المجموعة الّتي يسير معها”[18].

في حين تحدّث (خ. ب)، قائلًا: “لم أعد أجرؤ على وضع هاتفي الشخصيّ في ذات الغرفة الّتي أجلس فيها. مرّة بحثت على غوغل عن زيت للسيّارة، وبعد قليل بدأت الإعلانات تظهر على صفحتي، كيف يحدث ذلك؟ نحن مراقبون بالكامل”[19].

من خلال هذه الأمثلة يمكن فهم كيف تُنتِجُ الرقابة سلوكًا جديدًا لدى الفلسطينيّ، عبر مجموعة تصوّرات وإدراكات، أو ما يُسمّيها بورديو بـ «الهابيتوس»، والّتي تشتغل على تأطير استعداداتنا دون افتراض وعي كامل من قبلنا لطاعة نماذج معيّنة من السلوكيّات وأنماط التفكير[20]. هذه الاستعدادات والتصوّرات توالدت من خلال الأحاديث اليوميّة، الّتي سرعان ما تتحوّل إلى خطاب يتشاركه الناس يحوي بداخله معرفة حول كونهم مراقبين، حتّى في أكثر الأماكن خصوصيّة. وإذ ينتشر هذا الخطاب وتتّسع قاعدته بالارتكاز على الأحداث والقصص المتداولة، يتّسع احتوائه للتفاهمات المشتركة بين الناس حول إمكانيّة انتهاك خصوصيّتهم ومعاقبتهم. وهذه «التفاهمات»، أو التصوّرات، تكمن أهمّيّتها كما يصف غيدنر، بكونها تدخل مجال التواصل والتفاعل[21]. وذلك يتّضح من خلال التعبير بالكلمات، والتعبير بالمعاني الّتي تتشكّل من خلال الإيماءات الّتي ننقلها عبر العديد من خلال الاتّصالات غير الشفويّة، مثل تعبيرات الوجه، والإيماءات، وحركات الجسد.

“تُنتِجُ الرقابة سلوكًا جديدًا لدى الفلسطينيّ، عبر مجموعة تصوّرات وإدراكات، والّتي تشتغل على تأطير استعداداتنا دون افتراض وعي كامل من قبلنا لطاعة نماذج معيّنة من السلوكيّات وأنماط التفكير”… 

كيف يُسْتَهْدَفُ تغيير السلوك اليوميّ؟ وما الّذي يدفع باتّجاه تغيير هذا السلوك؟

يُجادل ميشيل فوكو بأنّ التحوّل من معاقبة الجسد إلى معاقبة الروح، هو تقنية من تقنيّات السلطة. وقد ارتبط هذا العقاب، أي عقاب الروح النفسيّ، الناعم، وغير المرئيّ، بالحياة اليوميّة للفلسطينيّين في ظلّ الاستعمار الصهيونيّ. فبموازة منظومة كاملة من السياسات الحيويّة الّتي شكّلتها السيادة الاستعمارية على الأرض، وربطتها بمنظومة كاملة من الرقابة، ثمّة أيضًا نوع من السياسات العقابيّة الّتي تتجاوز العقاب الجسديّ المادّيّ العنيف، لتنحو نحو العقاب النفسيّ الّذي يتجلّى في انتهاك الخصوصيّة، والحرمان من سبل إعالة العائلة إذا ما كان السلوك الفرديّ سلوكًا مقاومًا، وهو السلوك الطبيعيّ في ظلّ بنية استعماريّة تستهدف الأجساد بسياسات إبادة يوميّة. وبذلك، فإنّ «الشحطة- الشَرّطَة»، هي السلوك النقيض للسلوك المقاوم، أي «السلوك المنضبط» الّتي تعمل على تطويع الأجساد في «سجن بنثام» الّذي نعيشه داخله. فقد يَمْنَعُ الفلسطينيّ أبناءه من الخروج من البيت، وتظهر تحفّظات على الزيارات العائليّة، ويرتدي الأشخاص ما يُخفي وجوههم وملامحهم، ويخافون من أجهزتهم الخاصّة الّتي تحتوي على كلّ معلوماتهم الخاصّة. بذلك يتحوّل استشعار الرقابة بوصفها هيكلًا خارجيًّا، أي سلوكًا يلاحظ بنية الرقابة في الظاهر، إلى سلوك استشعار داخليّ بالرقابة المخفيّة، غير المعروفة مكوّناتها وماهيّتها، نتيجة لتوالدها عبر أنماط كثيرة، سواءً كانت جزءًا من العنصر البشريّ أم جزءًا من المعرفة التكنولوجيّة في «سجن» جيرمي بنثام.

بهذا الشكل يُسْتهدفُ سلوك الجسد الفلسطينيّ في الفضاء العامّ المشكّل استعماريًّا من خلال «تخطيط الهيمنة»، عبر مجموعة من السياسات الحيويّة الّتي تهدف إلى إعادة تشكيل سلوكه المتحرّك في هذا الفضاء العامّ، بالاستناد إلى منظومة كاملة من الرقابة؛ فثمّة «الحارس» الّذي يمارس تحديقًا من داخل المجموعة، و«الحارس» الّذي يمارس رصدًا من أعلى، وهو ما يعني به إرفغ غوفمان، محاولة تطويع الجسد بطرق مختلفة بغية تشكيل صورة بعينها للذات في الأماكن العامّة والخاصّة[22].


إحالات

[1] أحمد زايد، “من البصاصة إلى الصراع والعنف: آليّات المراقبة في الدولة المصريّة الحديثة”، مجلّة عمران، المجلّد 2، العدد 1، (2013)، ص 13-32. 

[2] زايد، مرجع سابق.

[3] البانوبتيكون بناء دائريّ يتكوّن من زنزانات يمكن مراقبتها باستمرار  من برج مراقبة مركزيّ، كأسلوب تأديييّ يَخْضَعُ المساجين لمراقبة مستمرّة.

 [4] كرس شلنج. الجسد والنظريّة الاجتماعيّة، ترجمة منى البحر، ونجيب الحصادي (القاهرة: دار العين للنشر، 2009)، ص 112. 

 [5] زايد، مرجع سابق. 

 [6] سهاد ناشف، “إمّا مقاومًا وإمّا مقتولًا: الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى كنقطة تحوّل في إعادة صياغة وكالة جسد وروح الفلسطينيّ”، مجلّة إضافات، العدد 46 (2019)، 75-94. 

 [7] زايد، مرجع سابق. 

[8] نور بدر، “العمل في الخفاء: قراءة في ممارسات التجسّس على الفلسطينيّين”، مجلّة شؤون فلسطينيّة، العدد 283-284، ص 129.     

[9] هنيدة غانم، “المحو والإنشاء في المشروع الاستعماريّ الصهيونيّ”، مجلّة الدراسات الفلسطينيّة، العدد 96، ص 118-138. 

[10] Patrick Wolf, Settler Colonialism and the elimination of the native, Jouranl of Genocide research, (4), p. 8.

[11] نسبة إلى الفيلسوف والمعالج النفسيّ جاك لاكان (1901-1981)

[12] نسبة إلى الفيلسوف والناقد الثقافيّ السلوفينيّ سلافوي جيجك.

[13] نسبة إلى الفيلسوف وعالم النظريّات السياسيّة الأرجنتينيّ إرنستو لاكلاو (1935-2014).

[14] يوسف جبّارين، خيال الدولة وتهميش الناس واضطهادهم في إسرائيل وجنوب أفريقيا، كتاب إسرائيل والأبارتهايد: دراسة مقارنة (رام الله، المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة “مدار”، 2018). 

[15] سهاد ناشف، مرجع سابق. 

[16] محمّد عبيد، التشكيل الجماليّ للخطاب الأدبيّ الكرديّ “الهويّة والمتخيّل” (عمّان، دار غيداء للنشر والتوزيع، 2015). 

[17] إسرائيل تصعّد عمليّات المراقبة بتطبيقات التعرّف على الوجه في الضفّة الغربيّة، ترجمة: خلدون البرغوثي، واشنطن بوست، شوهد في تاريخ 16/12/2021، في: https://bit.ly/3CMRMBS. 

[18] نبيل علقم، مقابلة شخصيّة، حاورته نور بدر في تاريخ: 18/11/2020. 

[19] شاهين خالد، مقابلة شخصيّة. حاورته نور بدر في تاريخ 20/11/2021.

[20] مأمون طربيّة، علم الاجتماع في الحياة اليوميّة “قراءة سوسيولوجيّة معاصرة لوقائع معاشة” (بيروت، دار المعرفة، 2011).

[21] علي شيخ، وفاروق كويحل، سوسيولوجيا الحياة اليوميّة – الواقع المعاش للأفراد في الوسط الاجتماعيّ (الجزائر، جامعة البليدة – لونيسي، 2018). 

[22] شلنج، مرجع سابق. 

عن فسحة

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *