الفيلسوف


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

منذ أن تجرع سقراط السم عقوبة بتهمة الفيلسوف الذي يفسد عقول الشباب بدأت معركة الفيلسوف من أجل الحرية والحق، إن منع الفلسفة من حق الوجود في بعض بقاع الأرض ليس مرده إلا إلى التهمة نفسها التي أودت بحياة سقراط،وإلى التهمة نفسها التي نفت ابن رشد وجعلت البابا يمنع تدريسه،و التهمة نفسها التي طردت إسبينوزا من الكنيس اليهودي .

للفيلسوف دائماً قول آخر  يخدش المألوف و المعروف،ويفضح المستور و يكشف المكنون،الفيلسوف  لا يؤمن و لا يعتقد،إنه يفكر فقط،لا مرجع له سوى عقله و الواقع،يفرح بأخطائه  بوصفها صوىً على دروب المعرفة،ولا يكشف معنى وجوده إلا بحريته، غريب و مغترب و ساخر،يطل على العالم من برجه العاجي  كي يرى كما يرى النسر فريسته،يتجول في الساحات و يسكن  الكوخ في الغابة السوداء،وحين لا تنبت أفكاره التي يبذرها في حقل الحياة تكون الحياة ذاتها جثة،و حين يبث فيها من روحه ما يحيها يكون قد آثر المنفى على الإقامة في الكهف.

عنيد هو الفيلسوف ما من مرة نزل من عليائه كي يخاطب الناس بل يدعوهم للصعود إليه،و لأنهم غالباً ما يكرهون الصعود يهربون من ندائه شاتمين.

 الفيلسوف يغضب ولكن لا يدخل في شجار ،و النقد سناء من سناءاته،و لانه لا يستعير قنديلاً من أحد  في معركته مع الظلام يظنون بأنه يسير في العتمة و لا يرى،و لا يعلمون بأن ذاته قنديله. 

الفيلسوف  لا يغادر ذاته الفردة،ولا يُصاب بعدوى الجموع،ويكتب  كي يعلم الذات الكسيحة المشي على الطرقات وحدها،و يمنحها  بعضاً من نور عينيه كي تستطيع أن ترى ما وراء الخيالات و الأشباح.

يمنح الفيلسوف اللغة طاقة جديدة من روح الحياة،و قدرة لم تعرفها على التعبير،و يزودها بمفاتيح المعرفة من المفاهيم التي نادراً ما تموت،و لكن قد يصيبها بعض البِلى فيجدد من روحها بما لم يكن في حسبانها .

الفيلسوف المعمر الفريد على هذه الأرض،ويقع بعض الناس في الظن بأن غيابه موت،ولكن سرعان ما يعود بحلة جديدة مداداً لقلمٍ جديد، يعود مُكتَشٓفاً كما لو إنه كان يخفي شيئاً ثميناً وراء نصه .

الفيلسوف عقل العالم بلا منازع،لكنه عقل نهري منابعه لا تحصى،لا يغير مجراه ولكن يجدد ماءه بلا توقف،يمنح جداوله بكل ما أوتي من خصلة الكرم لكل الحقول العطشى،حتى إلى الصحارى.نهر مريض بداء ما يجب ،ولن يبرأ من داء كهذا مهما طال به العمر و لم ير الذي يجب .

الفيلسوف يحب الحياة حتى لو حملته الحياة على أن يكشف عن اليأس و التشاؤم من أفعالها.إنما يكشف صور الموت دفاعاً عن الحياة .

و في اللحظات التي ينفجر فيها الوجود الإنساني غاضباً من قيوده تكون أجنحة الفيلسوف قد رفرفت فوق الوجود هادية لطريق الحرية.إذ لا تقوم علاقة أصدق بين الكائن و الحرية كما تقوم بين الفيلسوف و الحرية

الفيلسوف لا ينخرط  بالقيل و القال والثرثرة و النميمة،أي بالوجود الزائف،بل يعش تجربة إبداع المفهوم الكلي المرتبط بأعم مشكلات الإنسان الكبرى : وجوده،مصيره،حريته،حضارت،اغترابه،أخلاقه و قيمه ، جماله،وعيه،علمه،سعادته،ألم،حبه،قلقه …..

فوَيْل لأمة خاوية من الفيلسوف ، خواء الأمة من الفيلسوف خواؤها من العقل .

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: أحمد برقاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *