90 % من سكان غزّة على أبواب «المجاعة الكبرى»

في الفترة الأخيرة كثر الحديث في الإعلام عن تطبيق الجيش الإسرائيلي ما سُمِّي بـ«خطّة الجنرالات» على قطاع غزّة، وهي خطّة عسكرية اقترحها الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي غيورا آيلاند على بنيامين نتنياهو، وتبنّاها عدد كبير من جنرالات الجيش. وُضعت الخطّة في أيلول/سبتمبر 2024، بهدف تهجير سكّان شمال قطاع غزّة قسراً، ذلك بعد منحهم أسبوعاً لمغادرة الثلث الشمالي من القطاع، بما في ذلك مدينة غزّة، قبل إعلانها منطقة عسكرية مُغلقة، واعتبار كلّ من تبقى فيها عنصراً في المقاومة، يشرع قتله ليس بالنيران فحسب بل بالتجويع في المقام الأول، إذ سوف يفرض الاحتلال حصاراً كاملاً على من تبقى في المنطقة، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية بما في ذلك المياه والغذاء والدواء، وسوف يضع الفلسطينيين في الشمال أمام خيارين إمّا الموت أو الاستسلام.

يواصل الجيش الإسرائيلي العمليات العسكرية في الشمال، ويستكمل جرائم الإبادة الجماعية، وخصوصاً في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون والشيخ رضوان، وهي مناطق تحت حصار مُشدّد في قلب الحصار. وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أصدر أوامر إخلاء جماعي لمساحة 66 كيلومتراً مربّعاً من الشمال، بما في ذلك ثلاثة مستشفيات وغيرها من البنية التحتية الإنسانية الرئيسية، مثل العيادات ومرافق المياه والصرف الصحّي والنظافة الصحّية. وفي حين تمّ توجيه المدنيين إلى «منطقة المواصي الإنسانية» في جنوب غزّة، فإن 50 ألف شخص هُجِّروا قسراً حتى الآن في شهر تشرين الأول/أكتوبر نقلوا إلى مدينة غزّة.

يدعي جيش الاحتلال أن 95% من سكّان شمال غزة قد هاجروا إلى الجنوب منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، لكن الأمم المتحدة تشير إلى وجود أكثر من 400 ألف شخص في شمال غزة لليوم، بعضهم من كبار السن أو من ذوي الإعاقة، وبعضهم في المستشفيات. وفي الوقت الذي ينكر فيه الاحتلال أو «لا يعلن بشكل رسمي» أنه بدأ بخطة الجنرالات، أشار رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في أواخر الشهر الماضي إلى أن الخطة هي واحدة من خطط عدة قيد الدراسة في مجلس الوزراء، والأهم من ذلك أن البيانات التي تنشرها مؤسّسات الأمم المتحدة بشكل دوري تشير أن شمال غزة بدأ يجفّ من المساعدات بشكل كبير.

بالأرقام، المساعدات لم تعد تدخل

في أول أسبوعين من تشرين الأول/أكتوبر الحالي 2024، لم تدخل أي شاحنة إلى قطاع غزة عبر معبر إيريز (معبر بيت حانون) ولا معبر إيريز الغربي، وهما المعبران المستخدمان لإدخال المساعدات إلى شمالي القطاع، وبحسب البيانات حتى 16 تشرين الاول/أكتوبر من العام 2024، لم يدخل شمال غزة إلا 50 شاحنة منذ أول الشهر، علماً أنه كان يدخلها عشرات الشاحنات بشكل يومي، وقد دخل المعبرين أكثر من 900 شاحنة في أيلول/سبتمبر.

أيضاً لم يتجاوز عدد الشاحنات التي مرت من كل معابر غزة 400 شاحنة بحسب البيانات المتاحة في تشرين الأول/أكتوبر، علماً أنه في الشهر الماضي دخل عبر معابر غزة أكثر من 3000 شاحنة وما يفوق من ذلك في الأشهر السابقة.

لا يرى تقرير «انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية الحاد في غزة» أن الأوضاع سوف تتحسن في المدى القريب، ويشير إلى أن «بعد زيادة مؤقتة في تدفق المساعدات الإنسانية والتجارية من الغذاء والمواد غير الغذائية الأساسية منذ شهر أيار/مايو، بدأت المساعدات الانسانية تتقلص مرة أخرى في شهر أيلول/سبتمبر في المحافظات الشمالية»، أما في  محافظتي دير بلح وخان يونس «فمن المرجح أن يظل معبر كرم أبو سالم الحدودي مفتوحاً أمام القوافل الإنسانية، على الرغم من أن المساعدات الإنسانية والأنشطة التجارية من المرجح أن تستمر في الانخفاض كما حدث بالفعل منذ أيلول/سبتمبر». ومن المرجح أن يظل معبر رفح مغلقاً، كما سيظل وصول المساعدات الإنسانية والشاحنات التجارية من كرم أبو سالم إلى رفح ضئيلاً. 

01
02

المجاعة واقعة

إغلاق إسرائيل للمعابر، بالإضافة إلى عمليات العنف الممنهجة وتدمير أنظمة الغذاء، بما في ذلك 70% من المحاصيل الزراعية، ما أدى إلى جعل غزة كلها، من الشمال الى الجنوب، مهدّدة  بالمجاعة في الأشهر القريبة بحسب التقرير المذكور، الذي دعا إلى وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط ومستدام أولاً، والسماح بالوصول الإنساني لتوفير المساعدات المنقذة للحياة والمتعددة القطاعات ثانياً، كشرطين ضروريين لإيقاف المجاعة.

يعاني حوالي 1.84 مليون شخص في جميع أنحاء قطاع غزة من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد المصنف في المرحلة 3 (الأزمة) أو أعلى، والمرحلة الثالثة تعني أن الأسر إما تعاني من فجوات في استهلاك الغذاء تنعكس في سوء التغذية الحاد المرتفع أو فوق المعتاد؛ أو هي قادرة بشكل هامشي على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية ولكن فقط من خلال استنفاد أصول العيش الأساسية أو من خلال استراتيجيات التعامل مع الأزمات، مع العلم أنه من المتوقع أنه سيتم تصنيف ما يقرب من 2 مليون شخص، أي أكثر من 90% من السكان، في المرحلة 3 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (الأزمة) أو أعلى، وذلك بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ونيسان/ أبريل 2025.

أيضاً، هناك 664 ألف شخص في المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (الطوارئ)، لكن من المتوقع أن يصل العدد إلى 876 ألفًا في الأشهر المقبلة، وتعني المرحلة الرابعة أن الأسر تعاني من فجوات كبيرة في استهلاك الغذاء تنعكس في سوء التغذية الحاد المرتفع للغاية وزيادة معدل الوفيات؛ أو هي قادرة على التخفيف من فجوات استهلاك الغذاء الكبيرة ولكن فقط من خلال استخدام استراتيجيات سبل العيش الطارئة وتصفية الأصول.

كذلك، يوجد 133,000 شخص غزة، يواجهون انعدام الأمن الغذائي الكارثي في المرحلة 5 من التصنيف المرحلي المتكامل، وهي أعلى مرحلة،  ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان المصنفين في المرحلة 5 (الكارثة/ المجاعة) ثلاث مرات تقريباً في الأشهر المقبلة، ما يعني أن الأسر تعاني من نقص حاد في الغذاء أو الاحتياجات الأساسية الأخرى حتى بعد توظيف استراتيجيات التكيف بشكل كامل، وتتجلّى في مظاهر المجاعة والموت والعوز ومستويات سوء التغذية الحاد الشديد الخطورة.

تجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع حدوث ما يقدر بنحو 60 ألف حالة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 59 شهرًا، منها 12 ألف حالة من سوء التغذية الحاد الشديد، في الفترة ما بين ايلول/ سبتمبر 2024 واب/ أغسطس 2025 (الحالة السنوية)؛ وسوف تحتاج 16500 حالة من النساء الحوامل والمرضعات إلى العلاج من سوء التغذية الحاد.

03

عن موقع صفر

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *