300 يوم وقد بدأنا للتو: هكذا يقودنا نتنياهو إلى الحافة

حرب الـ 300 يوم، التي بدأناها للتو – هذا هو السيناريو الذي يعرضه لنا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشكل واضح وصريح. وقال في تصريح له هذا الأسبوع: “حرب وجود ضد قبضة الجيوش الإرهابية”، و”النضال ضد محور الشر الإيراني”، و” جباية الثمن في أي ساحة”.
“لقد وعدتكم بحرب طويلة، وأنا أفي بها، يا مواطني إسرائيل الاعزاء ” ، كما يصفنا رئيس الحكومة. “أنا أقف بثبات في وجه كل الضغوط لإنهاء الحرب”، وصولاً إلى ذلك النصر غير المحدد، وهو النصر الذي لن يعرف إلا نتنياهو كيف يعلن أنه حققه. هو وحده يعرف كيف يضمن أننا سنحقق النصر، لأنه هو الوحيد القادر على الصمود في وجه قساة القلب الذين يعتقدون، كما قال للجمهور، “بأننا استنفذنا ما يمكن تحقيقه، وبشكل عام – أنه من المستحيل الفوز.” لم يقل لنا ذلك، لكنه وحده القادر على “مقاومة الكثير من الضغوط التي تمنعنا من تحقيق الإنجازات العظيمة”.
نعم، هذا هو العقد الجديد – القديم الذي يسوقه لنا نتنياهو على الرغم من 7 أكتوبر/ تشرين الاول، وعلى الرغم من أكبر كارثة في تاريخ الدولة، والتي حدثت في عهده – فقط انا أعرف كيف أحقق الأمن . فقط أنا القوي ضد إيران، القوي ضد حزب الله وما تبقى من حماس، وطبعا ضد الإدارة الأمريكية الناعمة وأيضا ضد رؤساء المؤسسة الأمنية، الذين يصرون لسبب ما على الواجب الأخلاقي تجاه المخطوفين ، ويدفعون من أجل صفقة من شأنها أيضًا تسوية الوضع في القطاع الشمالي. قوي في مواجهة الإعلام المعادي وضغوط أهالي المخطوفين .
لقد قلت نتنياهو، وقلت “سيد الأمن”. في الفترة الأقل أمانا التي نمر بها، يعود رئيس الحكومة إلى المعادلة المألوفة: من يرغب في الحياة ومن يرغب في النصر مدين لنتنياهو بالسلطة. هو وحده يستطيع الصمود وعدم الاستسلام لمطالب الصفقة قبل أن نصل إلى يحيى السنوار، وهو وحده يستطيع إدارة الحرب المتعددة الساحات التي جلبها علينا وهي الآن أمر سماوي أعلى. نفس الحرب التي كان نتنياهو طوال سنوات وجوده في السلطة، حتى 7 أكتوبر، يحذر منها كالنار ويرى فيها أسوأ سيناريو لإسرائيل، يتم تقديمها الآن على أنها الهدف النهائي الأكثر مطلوبًا لمستقبل الدولة، بل ومستقبل الغرب بأكمله .
ويتعلق الامر هنا بما هو تماما العكس المطلق لمفهوم الامن الاسرائيلي ، وقد تم قبول ذلك دون أي نقاش استراتيجي ودون إجراء أي نقاش لاتخاذ قرار منظم . على العكس من ذلك، فإن كل محاولة لإجراء مثل هذا النقاش تم قتلها في مهدها، ولم يتم أخذ المعاني بعين الاعتبار، ولم يتم طرح البدائل عند أي مفترق وواصلنا السير بشكل مستقيم، دون أن نتوقف لحظة لإعادة التفكير بالمسار.
إسرائيل بكاملها تنجر إلى معركة مباشرة ضد إيران ووكلائها ، معركة في سبع ساحات، بخلاف مطلق لأهداف الحرب التي قررها مجلس الوزراء السياسي الأمني في بداية الطريق . ولم يتم تحديث الأهداف منذ ذلك الحين، رغم انه لم يعد هناك أي صلة بين أهداف الحرب كما تم تحديدها آنذاك في بداية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وبين الواقع الأمني الآن. الامر الرئيسي هو أننا نقاتل، دون أن نعرف بالضبط إلى أين نريد أن نصل، ودون أن نعرف متى نعرف أننا قد وصلنا بالفعل.
سيحاولون في سجلات التاريخ فهم كيف حدث كل هذا لنا. كيف تدرجنا للتسليم الكامل بالحاجة إلى حرب إقليمية شاملة، في ظل أقل الظروف ملاءمة، ومن دون أن نحدد لأنفسنا الهدف السياسي ونقطة النهاية المطلوبة ؟ كيف أصبحت ديناميكية اتخاذ القرار ممكنة حيث حتى من يعرف كيف يصرخ باسم “المصادر الأمنية” أو “المصادر المشاركة في التفاصيل” حول “الاعتبارات المرفوضة” التي تؤثر على اتخاذ القرارات، بدأ ينجر إلى الاداء التكتيكي للضربات المتبادلة الاخذة بالتصاعد على كافة القطاعات؟ القوة والمزيد من القوة وضربة أخرى واغتيال أخر لإرهابي قاسي، الذي هو بلا شك هالك، ولكن ليس بالضرورة في هذا الوقت وفي ذلك المكان بالذات .
إن رؤساء الأجهزة الأمنية، الذين يصرون منذ أشهر على أن الشيء الصحيح هو السعي إلى إنهاء العملية في غزة، وإلى صفقة الرهائن، وتغيير الواقع في الشمال والى تشكيل محور إقليمي ضد إيران، هم مجددا في شرك تصور يتيح المجال عملياً لأعدائنا لجر إسرائيل إلى النقطة الأكثر راحة لهم. نعم، إن الإيرانيين، كما نشهد ذلك بكل قسوة يعملون وفق خطة منظمة، وبشكل محسوب وصبور، لتحقيق هدفهم الاستراتيجي: تدمير دولة إسرائيل. إنهم يلعبون لعبة الشطرنج ونحن بالكاد نلعب لعبة الطاولة.
يعرف رؤساء الأجهزة الأمنية ذلك. صحيح أنهم يقولون ذلك في الغرف المغلقة، لكنهم رغم ذلك يقودوننا إلى واقع يخالف كل المفاهيم الأساسية في نظرية الأمن القومي الإسرائيلي .حرب طويلةتمد قدرة الاقتصاد الى اقصى الحدود في مواجهة مجتمع دولي ينأى بنفسه وخطاب منفصل عن الواقع يمجد الحرب بالاظافر و شعب يهدئ نفسه لوحده. فهل ستتمكن دولة إسرائيل من الصمود أمام ذلك؟ ما هو ثمن الخطأ، وقبل كل شيء، ماذا يعني ذلك بالنسبة لحياة كل واحد منا هنا؟
هذه أسئلة لم يجر اي نقاش جاد حولها في المنتديات ذات الصلة، وسبب ذلك هو اولا وقبل كل شيء عدم وجود المنتدى المناسب .
المجلس الوزاري السياسي الأمني هو نوع من الاستعراض الإعلامي، مجرد ضريبة كلامية موجهة من أجل البروتوكول . تم حل مجلس وزراء الحرب مع مغادرة بني غانتس وجادي ايزنكوت ، والمنبر المقلص الذي خلفه تضاءل بعد تبخر ارييه درعي وهكذا بقينا مع رئيس وزراء ووزير دفاع يكرهان بعضهما البعض، مع مساهمة هامشية من رئيس مجلس الأمن القومي ووزير الشؤون الاستراتيجية اللذان لا يستطيعان مواجهة افكار نتنياهو بأي شكل من الأشكال . ومن جانبهم رؤساء الهيئة الأمنية مصابين بمسؤوليتهم عن الفشل ، وهم مطالبين بمواجهة المعركة المستمرة ، يؤمنون بانه ربما في نهاية الامر سيعمل نتنياهو الامر الصحبح وبشكل خاص بشأن المخطوفين . وفي هذه الاثناء نشأ هنا واقع جديد
يهدد كل ماعرفناه حيال الخارج وايضا داخلا في المجتمع الاسرائيلي .
خلال عشرة أشهر ،300 يوم – وقد بدأنا للتو – ولد عقد جديد بين المواطنين والدولة، وهو عقد لم تتم مناقشته بجدية في أي منتدى، ولم يكن من اختيار الجمهور، ولا يزال يغير تماما سلم القيم الذي تدار اسرائيل وفقا له .
أولاً – قيمة الحياة الإنسانية، مع وجود عدد قليل من المخطوفين الذين ما زالوا على قيد الحياة في غزة. ومن هناك ستتواصل التضحية الانتقائية المطلوبة فقط من جانب جزء معين من السكان .
سلم الأولويات الذي تم فرضه على كل من هو مطلوب لخدمة احتياطية لا نهاية لها على حساب الدراسة والعمل والأسرة. ولم نتحدث بعد عن الحق الأساسي لسكان الشمال والجنوب في العيش في منازلهم وعدم الاستمرار في التجوال دون موعد نهائي، وهو أمر أساسي مثل بدء العام الدراسي بشكل طبيعي.
وماذا بشأن الأمور التافهة مثل الحق في التخطيط لحفل زفاف أو لرحلة عائلية أو حتى بالنسبة للشهر المقبل ؟ بهذه الطريقة المروعة، فإن الحدث الوحيد الذي يحدث بشكل مؤكد في إسرائيل في هذه الأيام هو تشييع الجنازات . وربما يعتمد كل شيء آخر أيضًا على خطط المرشد الأعلى في إيران. عشرة أشهر عودونا على العيش فيها في خوف دائم. بين اغتيال ورد وكارثة تكسر القلب ، “سمح للنشر” بشهيد أخر، وضحايا مسيرات يسقطون دون سابق إنذار . وبالنسبة لحق الفرد في أن يعيش حياته بأمان فإنه يشطب باسم التعبئة من أجل الصالح العام. ولا شك أن هذا كان دائمًا جزءًا من عقد الحياة في إسرائيل، من الرؤية الصهيونية، ولكن في هذه الأشهر منذ كارثة 7 أكتوبر/ تشرين الاول والحرب الإقليمية التي فرضت علينا، مطلوب من الجمهور سقف جديد للتضحية الدائمةبدون ان يعرف الى متى وبدون ان تكون لديه لحظة للتوقف والشك في ما اذا كان كل هذا امر يفرضه الواقع .
صحيح أن الوضع صعب للغاية الآن. الأعداء يستغلون ساعة اللياقة، ربما نكون في طريقنا إلى حرب وجودية، لكن ليس لأنه لم يكن لدينا خيار . وليعلم الجمهور أن المطلوب الآن أن يكون موجودا في هذا الواقع الفوضوي، الذي كان من الممكن ان يكون مختلفا ، ولكن في إسرائيل 2024 يتبين أنه عملياً هناك شخص واحد فقط هو الذي يقرر.
رئيس الحكومة نتنياهو، الذي بخلاف رؤوساء الهيئة الامنية تماما ، يعلن ويقودنا بعبقرية على رأس معركة طويلة ومستمرة على محور الشر العالمي، والذي مثل تشرشل في عصره، سوف يجر الولايات المتحدة الامريكية اليها .
على الرغم من الكارثة التي حدثت في عهده، وعلى الرغم من أن ائتلافه لا يتمتع بالأغلبية حسب استطلاعات الرأي العام ، وعلى الرغم من أن هناك على الورق آجهزة أخرى من المقرر ان تراقب وتشرف — الحزب، والهيئة السياسية، والكنيست، وحراس البوابة مثل اصحاب الاختصاص في الجهاز الأمني – فإن خلاصة القول هي أن نتنياهو هو الوحيد الذي يقرر، وهو الذي قرر مواصلة هذه الحرب لفترة أطول. ونتنياهو يقربنا في كل مرة من عتبة جديدة، حتى يقرر غير ذلك، باعتباره الوحيد الذي يملك مفتاح ذلك النصر المطلق.
300 يوم وقد بدأنا للتو. من قذائف صاروخية الى اسراب مسيرات والى وابل من صواريخ بالستية ايرانية . قليلون هم الذين سيستخلصون النتائج ويبحثون عن مكان آخر، والباقون، الذين يؤمنون بواجب دولة إسرائيل في الوجود، سيحاولون البقاء على قيد الحياة بمفردهم في هذه الحرب الوجودية التي فرضت عليهم وهم على استعداد لدفع التضحية باسم المصلحة العامة المطالبة بالانتصار .
سيقول البعض أن هذه هي الطريقة التي يطبخوننا فيها ببطء في الماء، بدون أن ننتبه وحتى نستيقظ ونكتشف باننا تحولنا الى رعايا في دولتنا . والبعض الآخر، الأكثر تفاؤلاً، سيعتقد أن هذا أيضاً سوف يمر وأن الأيام الجيدة لإسرائيل لا تزال أمامنا. مع ذلك، تقدم لنا الدولة الآن حياة من الخوف المستمر، والشعور بعدم وجود خيار، حتى للتخطيط للأسبوع المقبل. نمشي على الحافة وورائها . لقد بدأنا للتو بعد 300 يوم، ومن المؤكد أن الأمر لا يستحق البناء على خطط للاعياد .
عن موقع والا العبري