28 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو … كيف أثّرت في حياة الفلسطينيين؟

 بعد 28 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو في البيت الأبيض التي توّجتها الصورة الشهيرة لياسر عرفات وإسحق رابين يتوسطهما بيل كلينتون، والتي التقطتها عدسات المصورين مساء ذلك اليوم الخريفي 13 أيلول (سبتمبر) عام 1993، لكنها تبدو سريالية اليوم، قام الكاتب الأميركي جي تي روجرز بتحويل ما حدث في خلفية القناة السرية للمحادثات بين منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليين التي استضافتها النرويج مسرحية، ومن ثم فيلماً أطلق عليه “أوسلو” يعرض على شبكة “نتفليكس” هذه الأيام.

يصيبك الرعب عندما تدرك أن أكثر القصص مأسوية في العالم، والتي تتمثل بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي لا ينتهي، تحوّلت فيلماً بأسلوب مسرح برودواي. تبدو قصة الفيلم أسطورية كأنها موجودة فقط في عالم خيالي، مثل قصة نارنيا أو حتى نيفرلاند.

تصدمك سذاجة الدبلوماسيين النرويجيين مونا يول وزوجها تيري رود لارسن، القادمين من أرض كان أقسى أعدائها الأسطوريين صيادين وموجات من الصقيع، ومع ذلك اعتقدا أنهما يستطيعان بطريقة ما حل أكبر وأهم قضية في العالم، عن طريق استئصال الحل على الصعيد الشخصي لا التنظيمي، ورفضا مفهوم الشمولية لحل كل شيء كلياً في الوقت نفسه لمصلحة التدرج: مشكلة واحدة في كل مرة، وحتى لو تبين أنه لا كلمة واحدة صحيحة مما سمعناه في الفيلم، وأن زوجرز حاول كما قال “أن يلتقط فقط روح تلك الحوادث الحقيقية في جميع أحوالها: جنونها وفرحها وخوفها وانكسارها”، فقد تم إنجاز المهمة من دون خريطة طريق واضحة للسلام، وقبل كل شيء إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بالمطلق.

لكن أبشع ما يمكن للمرء أن يواجهه بعد مشاهدة هذا الفيلم، الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطينيون والثمن الذي دفعوه على الأرض، فما كان قبل أوسلو لا يشبه أبداً ما بعد أوسلو، كانت آثار الاتفاقية بعد أربع عشرة جولة من المحادثات السرية أشد قسوة من الاحتلال نفسه، تقسيم الضفة الغربية الى مناطق (أ)، (ب)، (ج) وتحويل المدن غيتوات تفصل بينها مساحات من الأراضي الشاسعة التي تسعى إسرائيل بطريقة مباشرة وغير مباشرة الى السيطرة عليها أو حتى ضمها، زيادة الاستيطان وارتفاع أعداد المستوطنين في الضفة الغربية ومدينة القدس، حواجز ومعابر تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية المباشرة تحد من حرية تنقل الفلسطينيين بين القرى والمدن والبلدات في الضفة الغربية، أما قطاع غزة الذي أرهقه الحصار والانقسام وأصبح يشبه إقليماً متمرداً معزولاً عن باقي الشريان الفلسطيني، بينما يقضي أكثر من 5300 أسير (بينهم 250 طفلاً و40 امرأة) عقوبات طويلة داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، من دون ميناء أو مطار، وسلطة الأمر الواقع الفلسطينية اللا ديموقراطية التي باتت تستجدي شرعيتها الإقليمية والدولية لضمان بقائها من خلال الدعم الاقتصادي الإسرائيلي والتنسيق الأمني.

تمكن اتفاق أوسلو من أن يفتّت الحلم الفلسطيني بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وأن يحرف البوصلة عن القضية الفلسطينية بشكل أكبر وأوسع وأسرع مما فعله أطول احتلال للأرض على مدار 73 عاماً، واستحدث عوضاً من ذلك مصطلح “تحسين ظروف حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال”. أما المشكلات الصعبة التي تم تأجيل المحادثات حولها ومنع النقاش فيها “كالأمن والقدس واللاجئين والحدود”، فما زالت مؤجلة حتى يومنا هذا، كان الإسرائيليون واضحين في سلوكهم وفي أنهم لا يأبهون لكم ستستغرق المحادثات، عشرين عاماً أو أكثر، فالأمر لا يعنيهم كثيراً ولا يهدر من أعمارهم سنوات في انتظار المجهول، علماً أن الاتفاق بحد ذاته لم يكن معاهدة سلام أو اتفاقاً لإعلان المبادئ. في النهاية لم يكن سوى وسيلة لوضع ترتيبات الحكم الموقتة وإطار لتسهيل مفاوضات لاحقة للتوصل الى معاهدة نهائية، كان من المفترض أن تستمر صلاحية اتفاق أوسلو لخمس سنوات فقط، لكن الاتفاق اختزل مصطلحات الدبلوماسية الفلسطينية الضعيفة أصلاً، وتحول الى ما يشبه اتفاق تسوية نهائياً في نظر ممثليها، ومن الممكن أن يؤدي الى سلام مع الجانب الإسرائيلي، لكن اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين الذي هز إسرائيل، وتعاقب الحكومات الإسرائيلية التي تحولت تدريجياً باتجاه اليمين واليمين المتطرف، وإن لم تختلف كثيراً عن أحزاب اليسار ويسار الوسط بالنسبة الى الفلسطينيين وقضيتهم، قضى على كل أمل بالسلام. 

في ظل تتابع الحوادث على الأرض، والمتغيرات الإقليمية والدولية التي حلت بالمنطقة والعالم، أصبح واضحاً أن إسرائيل لم تطمح يومياً لإعطاء الفلسطينيين اعترافاً كاملاً بوجودهم، أو أنها ترغب أصلاً في منحهم إطاراً يمكّنهم من إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، كانت دائماً تشعرهم بأنها الكيان الأقوى الذي احتل ويفرض سياسات الأمر الواقع، ويتحكم بالأرض والماء والهواء، وأن لا قيمة لأي شيء يمكن عمله من دون موافقتها، بل أصبح جلياً أنها استغلت اتفاق أوسلو للتخلص من عبء قطاعي الصحة والتعليم الواقعين تحت سيطرتها وسلطتها منذ حزيران (يونيو) عام 1967، بحسب الأعراف والمواثيق الدولية، وأنهكا موازناتها، لذلك أرادت أن تلقي بمسؤليتهما على أي جهة أخرى أياً كانت، لذلك فشلت العملية ولم تحقق أياً من أهدافها الأساسية، ولم يبق من أوسلو إلا ما يحقق أهداف الإسرائيليين ومصالحهم، ونموّهم الاقتصادي وتمددهم في المنطقة، ولم يحصل الفلسطينييون سوى على ما يقارب 3 في المئة من مساحة الضفة الغربية يتم انتهاكها باستمرار ليلاً ونهاراً، كما حدث أثناء لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس والرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث اقتحمت قوات عسكرية إسرائيلية مدينة رام الله لاعتقال شبان مطلوبين.

سواء اتفقنا أم اختلفنا مع الرؤية الفلسطينية لإنجاز هذا الاتفاق من أنه كان هروباً فلسطينياً من الواقع العربي في تلك الفترة، أو أنهم أجبروا على قبوله كما أقر المفاوض الفلسطيني أحمد قريع بعد سنوات بـ”أنه فرض على الفلسطينيين فرضاً”، وأنه لا يمكن للفلسطينيين الآن تمرير بعض الالتزامات إلا من خلال مظلة هذا الاتفاق، فإن اتفاق أوسلو بات ميتاً، وعلى الفلسطينيين تحديد أهدافهم ورؤيتهم الاستراتيجية بما يتناسب مع واقعهم المرير الذي أنتجه هذا الاتفاق وتبعاته.

عن النهار العربي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *