د. عبد الرحمن بسيسو الباحث والكاتب الفلسطينى: «ملتقى فلسطين» يتجاوز الحزبية والطائفية والانقسامات
حوار أجراه: إلهامى الميليجى 18/10/2018
لا بد أن تفرض حكومة الوفاق الوطنى سيادتها التامة فى قطاع غزةالرؤية تقوم على الفصل بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينيةمنظمة التحرير الفلسطينية هى الكيان السياسى القيادى الجامع والممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى فى جميع أماكن وجوده تحيا الأمم بعقول أفرادها المخلصين، حتى إن رجلا واحدا يتطابق فعله مع قوله ومعتقده، يستطيع أن ينهض بأمة كاملة، فدور الفرد فى التاريخ غير منكور، من هؤلاء الرجال يأتى عبد الرحمن بسيسو، علامة على قضيته، ومرشدا إلى وطن سيظل فى العقول والقلوب، ويوما ما سيحضر فى الواقع بهيا بفضل بهاء بسيسو وأمثاله، بسيسو جعل من الوطن قضية ذاتية، ومن الهم العام زادا لحلته الطويلة، فحضر الوطن فيه بتضاريسه وأحلامه بثقافته وفنه، فى حله وتحاله، يشار إليه: هذا الرجل فلسطينى، والقضايا الكبرى تحتاج إلى رجال كبار، إذ لم يكتف عبد الرحمن بسيسو بعمله الدبلوماسى، ونضاله فى الميادين كلها، بل امتد نشاطه ليشمل الأدب والثقافة، وكل ما يخص القضية الفلسطينية، التى يمثلها فى المحافل الدولية، وما أحوجنا فى هذه الأيام الأكثر صعوبة، ليس على فلسطين وحدها، بل على الأمة العربية، أن نستدعى عقولنا المتقدة، لنهتدى بنضالها، ونعرضها لأجيالنا، وسنصل بإذن الله إلى ما نريد. عبد الرحمن بسيسو، فرد من عائلة قدمت لأمتها الكثير، دافعت عن وجودها وعن مستقبلها، احترمت ماضيها، وتشربت حاضرها.يحلم الفلسطينى بدولة مستقلة، لكنه يجد نفسه وحيدا أعزل فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى فى كل المحافل الدولية والإقليمية، والقوى، وقد جرب الحرب والمقاومة والمفاوضات، وجرب تكوين منظمات وحركات تحرير، لكنها جميعا أفضت إلى لا شىء. بعد أكثر من نصف قرن يتم تصفية القضية الفلسطينية ببطء، ولا تنفذ قرارات الأمم المتحدة، ولا تنفذ الاتفاقيات التى وقعها الفلسطينيون والإسرائيليون فى أوسلو وما تلاها، وتمتنع الدول الكبرى عن دعم الفلسطينيين إنسانيا أو شرعيا، وآخرها تصفية ألأونوروا، وهناك قرارات دولية وإقليمية تعمل على تجميد هذه القضية نتيجة لانهيار دول عربية فاعلة فى السنوات الأخيرة. ولكن يبدو أن هذا الفلسطينى المشرد، فى الداخل والخارج، قرر أن يتحرك من خلال تجمع شامل لا يقصى أحدا، ولا يقوم على الفصائل والمنظمات، ولا يرتهن لدول إقليمية أو دولية، وقد وقع أكثر من ألفى شخصية فلسطينية، فى غزة والضفة والشتات والمخيمات ومن حيفا والقدس بيانا يدعو إلى « ملتقى فلسطين» كورشة تتفاعل مع كل الأطياف، تكافح للخروج من أسر الحالة الراهنة كأى شعب آخر، تستفيد من الإنجازات السابقة والإخفاقات الحالية، تستند إلى الرواية الفلسطينية وحدها. «الأهرام العربي»، التقت الدكتور عبد الرحمن بسيسو، المفكر والباحث الفلسطينى، وأحد منسقى ملتقى فلسطين الجديد، فأكد أن الملتقى يضم كل أطياف الشعب الفلسطينى، تأكيدا على الوحدة ضد الانقسام، على اعتبار أن قضية فلسطين ليست قضية صراع بين فصائل، بل هى قضية تحرر وطنى مشروع طبقا للمواثيق والقوانين الدولية، ويضيف أن الحالة الراهنة تستوجب النقد الذاتى لتجربة نضال استمرت أكثر من نصف قرن، وتحتاج إلى إعادة النظر فى الآليات الحالية وسط ظروف إقليمية ودولية ليست فى صالح الشعب الفلسطينى تماما، ولفت النظر إلى أن هذا الملتقى لن يتلقى دعما من أى دولة أو منظمة دولية، إنما سيقوم على تبرعات الفلسطينيين أنفسهم، وقد أصدر الملتقى بيانا شاملا بهذا المعنى، وإلى تفاصيل الحوار.. > من أين جاءت فكرة «ملتقى فلسطين»؟بالطبع، فمعرفة ذلك والإطلال على منشأ الفكرة وكيفية تبلورها حقٌ للشعب الفلسطينى ولجميع الأحرار من الإنسانيين من الناس. وهذا واجب يلتزم بأدائه المثقفون الفلسطينيون الذين أقدموا، متعاونين ومتضافرين، على تشكيل «ملتقى فلسطين»، بعد أن توافقوا على تحديد ملامح هويته، ومنطلقاته الأساسية وتوجهاته، ووظائفه، ومقاصده وغاياته، وأعلنوا، من ثمّ، عن تأسيسه، وذلك عشية انعقاد الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطنى الفلسطيني، فى الثلاثين من إبريل الماضي. وفى تقديري، فإن هذه المبادرة لا تنعزل، بأى حال، عن مبادرات أخرى شرع فى بلورتها، أو تدعى إلى بلورتها، مثقفون ونشطاء مجتمعيون وسياسيون فلسطينيون ممن يقطنون فلسطين التاريخية، أو مناطق اللُّجوء والشَّتات القسريين فى بلاد العرب، وفى شتى أرجاء العالم. وما هذه المبادرات، وفى صلبها، مبادرة «ملتقى فلسطين» إلا تجسيد لنوعٍ من الاستجابة الواعية للتحديات المصيريَّة التى يواجهها شعبنا وقضيتنا، وهى مبادرات أحسبُ أنها تتأسسُّ، فى أعمها الأغلب، على إدراك عميق للواقع القاتم، بالغ التعقيد، القائم الآن فى فلسطين، وفى محيطها العربى والشَّرق أوسطي، وفى أماكن شتى من العالم الموغل، إما فى الجشع الرأسمالى والتَّوحش العنصرى والتطرف الأعمى، أو المتمادى فى التقاعس عن إيجاد حلول للتحديات الجسيمة التى تهدد استقراره وسلامه وأمنه وممكنات تطوُّره صوب إدراك ازدهار أعلى وإنسانيَّة أنبل وأسمى، وفى صلب هذه التَّحديات القضية الفلسطينية الناتجة، أصلاً، عن احتلال فلسطين واستعمارها وإقامة «إسرائيل» فيها ككيان وظيفيٍّ استعمارى استيطانى عنصرى احتلالى وإحلالي، يخدم مصالح المستعمرين والصَّهاينة الذين أملوا وجودها فى فلسطين، وتابعوا، وما زالوا يتابعون، دعمه وترسيخه، بل توسيعه على نحو يؤشر إلى انتقال المشروع الصهيونى إلى مرحلة استعمارية أوسع وأعمق وأكثر شمولاً. لقد انطلقت مبادرة «ملتقى فلسطين»، من أكثر من مكان، من القدس وغزة وحيفا ورام الله، ومن مدن وبلدات وقرى فلسطينية عديدة، ومن أماكن أخرى من العالم، فى آنٍ معاً، وما ذلك إلا لمواجهة تحديات هذا الواقع المتردي، وإعادة وضع فلسطين فى بؤرة الاهتمام العالمي، ولحماية أرضها وشعبها وقضيتها، من محاولات الإضاعة والتذويب والتفتيت والتصفية، الجارية الآن بوتائر متسارعة، التى لا تصب غاياتها فى مصلحة أحدٍ سوى المستعمرين الغزاة وداعميهم، والمتواطئين معهم، أولئك الظاهرين بجلاء ساطع، أو المتوارية وجوههم تحت أقنعة شتى! > وما مصادر التمويل؟لم أكن لأتوقع أنْ يُسْأل مثقفون فلسطينيون مستقلون أحرار يسعون لأن يكونوا أصحاب رأى مؤصَّلٍ، عقلياً وسياسياً وإنسانياً، وذوى رؤى مستقبلية متماسكة ورصينة للعالم، سؤالاً كهذا! غير أنني، فى الوقت نفسه، لا أجد ما يحول دون توجيهه لأى كان، لا سيما فى ظل إدراكى العميق، ومتابعتى المستمرَّة لما يجرى فى الواقع القائم، ليس فى فلسطين فحسب، بل فى بلاد العرب المنكوبة وفى أماكن وبلدان شتى، من توظيف متعدد الأشكال والتجليات والوظائف والغايات لما يُسمَّى بـ«المال السياسي». وبالطبع، نستطيع التكلُّم عن هذا الأمر حتَّى مطلع الفجر، لذا دعنى أوجز الإجابة عن سؤالك، بأن أقول لك، وعبر المُقدَّرة، إلى كل من سيخطر على باله هذ السؤال: ليس ثمة من مصادر تمويل قط، ولن يكون لملتقى فلسطين أن يقبل تمويلاً من أى جهة ليصير مركزاً لها أو تابعاً لإملاءات مالها ينساقُ لتلبية أوامرها، لن يذهب «ملتقى فلسطين» إلى فعل ذلك، أو ما مثله، أبداً. ومع ذلك، قد يكون للملتقى، فى مقبل الزمن وفى سياق تطوَّره المنشود وتشعَّب أعبائه ومهماته، أنْ يسعى للحصول على دعم مالى يتجاوب مع ما يتمتَّع به من قبل الجمهور العام من دعم ومساندة وتعزيز معنوي، ومن ثقة عالية يسبغها الشعب الفلسطينى وأحرار العالم عليه، وذلك بما يمكنه من الإنفاق المدروس بدقة على ما يتطلبه تطوره، ومأسسته، وتأدية مهماته، ولكن، دائماً وأبداً، وفق معايير صارمة تنأى به عن لعبة المال السياسي، أو الأيديولوجى الدعائي، الرخيصة والممقوتة، التى تُفْقِد المثقف هويته، وتجرده من إنسانيته، وتحيله إلى محض هيكل بشرى فارغ، أو محض أداة يُشار إليها، أو تؤمر، فَتَكْتُب أو تَنْطُق لتمرر للناس ما يُمرره مالكها ومديروها ومستخدموها فى أقنيتها المُجَوَّفة الفارغة! > أنتم تحدثتم عن مشاركة أهالينا من فلسطين التاريخية.. ما دلالة ذلك؟نعم، قد تحدثنا ولن نكُفَّ عن الحديثِ المُعمَّق فى هذا الشأن،حيث يتوجَّبُ العمل على تعزيز رسوخ اللُّحمة، الرَّاسخة أصلاً، بين أبناء الشَّعب الفلسطينى فى أماكن وجودهم كافَّة. فما هذا الأمر الإستراتيجيُّ الطَّابع، إلا مدخل ضرورى لإعادة الأمور إلى نصابها، وذلك عبر تصويب الأخطاء والخطايا وإزالة الوقائع التى كرسها احتلال عنصرى بغيض طال أمده. نحن شعب واحد، أصحاب وطن واحد، وقضية واحدة. وما فلسطين إلا كينونة وجودية، إنسانية وثقافية وحضارية وسياسية، واحدة: أرضاً وشعباً وقضية، وذلك كما بيَّن إعلان تأسيس الملتقى، والإعلان الذى صدر عنه عقب ورشة العمل الأخيرة، على نحو جليٍّ وساطع. > لماذا أطلقتم على تجمعكم (ملتقى فلسطين) (منبرا للحوار) بينما الإعلان الصَّادر عنه ينبئ عن تشكيل تكتل أو إطار سياسي؟ لأنه كذلك، لأنه «ملتقى فلسطين»، ولأنه إطار ثقافي، فكرى وعلمى وسياسي، جامع، ولأنَه منبر حوارى مفتوح لإطلاق تفاعلٍ فكريٍّ وحوارات داخليَّة معمَّقة، ثرية وخلاقة، بين أعضائه، ليُصَار، فى ضوء الخلاصات والرُّؤى والمواقف التى يتوافقون عليه، إلى مُخاطبة الرأى العام الفلسطينى والقوى الوطنية الفلسطينية المجتمعية والسياسية الحيَّة، ومحاورتها جميعاً. بل إنَّ الأمر ليذهبُ إلى إطلاق حوار تفاعلٍّ بين أعضاء الملتقى ومن يدعو إلى السلام والتعايش والتخلى عن العنصرية والتَّطرف، ويعمل على إزاحة الاحتلال الإسرائيلى عن أرض فلسطين من سكان إسرائيل، أو من مواطنى دولتها الوظيفيَّة، من اليهود، وكذلك بينهم وبين الرأى العام العالمى على تعدد توجهاته. وإلى ذلك، ليس ثمة فى الإعلان ما ينبئُ بما تشير إلى أنه ينبئ إليه، فقد حرصنا فى هذا الإعلان على تعريف الملتقى بما هو كائن عليه وبما لن يكونه أبداً. ولعلَّ بعض المتابعين قد أخذ ذلك علينا، معتقداً أننا قد أمعنا فى تعرف الملتقى تعريفاً سالباً، أى بما ليس فيه وليس بما هو عليه فحسب. لقد أكدنا، فى الإعلان، ما مؤداه أنه ليس لتشكيل «ملتقى فلسطين»، أو لإطلاق أنشطته، أنْ ينطويا على أيِّ مَسعىً لإنشاءِ حزبٍ سياسيٍّ، أو بناء جبهة ائتلافيَّة، أو تشكيل أيِّ إطارِ تنظيميِّ سياسيٍّ جديد؛ فالمبادرة الَّتى ينطوى صدور الإعلان على الشُّروع فى إطلاقها، إنَّما تُمَثِّلُ الأفراد المنضوين فى إطارها على تنوُّعهم وتَعدَّدِ منظوراتهم الفكريَّة والسياسية، وتمايز رؤاهم، أو على تباين مُقارباتهم للواقع القائم الذى يسعون لإبداله بواقع ممكن ، يتسمُ بقدر من العدالة الممكنة القائمة على استعادة الحُقُوقِ الفردية والجمعية، الوطنية والسياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية التى كفلتها المواثيق والأعرافُ العالميَّة ذات الصِّلة،وجسدتها منظومات الحقوق والصُّكوك ومدونات السُّلوك والاتفاقيات والبروتوكولات المعتمدة من المجتمع البشرى بأسره. > الإعلان عن تأسيس «ملتقى فلسطين» قد صدر عشية انعقاد دورة المجلس الوطنى الأخيرة، فما المقصود بذلك؟بل إنَّه واضحٌ وجليٌّ وعلى نحو بالغ السُّطوع، ولعلى أوضِّخُ، هُنا، دلالة صدور الإعلان عن تأسيس «ملتقى فلسطين» مع انعقاد المجلس الوطنى الفلسطينى فى دورته الثانية والعشرين بعد جمود وتوقف استغرقا عقدين من زمن متسارع الخطو والإيقاع! لقد أردنا إيصال رؤيتنا إلى أعضاء المجلس الوطنى الموقَّر، بغض النَّظر عمَّا رافق انعقاده من ملابسات، آملين منهم الاطلاع عليها والأخذ بما يتوافقون عليه من عناصرها ومكوناتها التى بذلنا قصارى الجهد لتأصيلها من جوانب ومنظورات شتى لا تنحكم إلى شيء سوى الوفاء العالي، والرَّاسخ، لفلسطين: أرضاً وشعباً وقضية، والسَّعى الدَّؤوب إلى تمكينها وتمكين شعبها من إدراك مستقبل حُرٍّ هما به جديران. وما كان لنا من مقصد غير أنْ تسهم رؤانا المُتبصِّرة فى إنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية على نحو يمكنها من مواجهة التحديات المصيرية إذْ بدا الأمر كأن هذه الحركة عاجزة عن مواجهة هذه التَّحديات، أو هى لا تراها أصلاً! لقد توخينا من المجلس الوطنيِّ أن ينهض بإجراء مراجعة نقدية، جذرية وصارمة، لتجارب الحركة الوطنية الفلسطينية: مساراتٍ ومآلات، فثمة خُلاصة مُؤصَّلةٌ تقول إنَّ الشَّعب الفلسطينيَّ، فى أماكن وجوده كافة، قد أصبحَ، بعد مرور أكثر من قرن على كفاحه الدؤوب ضد المشروع الاستعماريِّ الصهيوني، وسبعة عقود على النَّكبة الكُبرى التى استهدفته باحتلال وطنه فلسطين، وإقامة إسرائيل كدولةٍ استعماريةٍ استيطانيةٍ عنصرية فوق أرضٍ من أرضه؛ وبعد أكثر من نصف قرن على انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينيَّة المعاصرة، بكل ما انطوت عليه من تضحيات وبطولات، وصعوبات وتراجعات، وتطوُّراتٍ وتحولات، قد أصبح فى أمسِّ الحاجة إلى إجراء تلك المراجعة النقدية الجذريَّة،الرَّصينة الصَّارمة، لجميع التجارب التى تضمَّنتها مسيرته النِّضالية عبر جميع مراحلها، مع الاستفادة من إرث هذه المسيرة مع إدراك حصيف لموازين القوى العالمية والإقليميَّة والمحلَّية الرَّاهنة وممكنات تحولها المستقبليِّ، وعلى العقلانية والواقعية، وعلى التَّمسك بقيم الحرية والحقيقة والعدالة وحُقُوق الإنسان، وذلك فى توازن مُتبصِّرٍ بين الواقع والطُّموح، وبين الإمكانات والرغبات، وبإدراك لمعطيات العاملين الدَّاخلى والخارج يعلى نحو يحولُ دون إجحاف أى منهما بالآخر، ويمنع الذَّهاب إلى خياراتٍ تُطيل أمد الاحتلال أو تُكرِّسه وتُرسِّخُ دعائمه. وإلى ذلك، فإننى أحيل من يرغب فى الاطلاع على مزيد من التفصيل حول موقف الملتقى ورؤيته بهذا الخصوص إلى إعلان التأسيس الذى تضمن نقاطاً ومعايير وخطوات وإجراءات تتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الكيان السياسى القيادى الجامع، والممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى فى جميع أماكن وجوده. > المؤتمر الصهيونى فى بازل 1897 وورشة عمل «ملتقى فلسطين» ، هل من تشابه؟ربما يكون هناك تشابه لا أراه فيما يراهُ غيري! كل ما أدريه أو ما يمكننى أن أراه، الآن، هو أنَّ ميلاد «ملتقى فلسطين» فى إطار السَّعى الشعبى اللاهب لإنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية، إنما يُجَلِّي، ضمن مبادرات وجهود فلسطينية شعبية ونخبوية عديدة متنوعة تنهض وتتنامى فى الأعم الأغلب من أماكن وجود الشعب الفلسطيني، حقيقة تناقض المشروع الوطنى الفلسطيني، تناقصاً جذرياً ووجودياً، مع المشروع الصهيونى الاستعمارى الاستيطانى الإحلالى الذى أعلن عنه مؤتمر «بازل» الصُّهيونى ووضع أسس الشروع فى تنفيذه وأقرَّ خططه وحدَّد مراحله وخطواته. وإلى ذلك، فإننا لن نكف عن تعميق الوعى النِّضالي، وإنهاضه، من أجل تحفيز خطى شعبنا ومناصريه من الإنسانيين الأحرار من الناس، لمساعدة التاريخ على تصويب أخطائه وخطاياه. > یسعى « ملتقى فلسطین» ّ إلى مراجعة تجربتنا الوطنیة بطریقة نقدیة ومسئولة، مع تفحص التساؤلات القدیمة وطرح التساؤلات – بأى معنى، أو معان، تقصدون ذلك؟إننا نقصده بالمعانى الجذرية الشاملة، الإيجابية البناءة، وبالوسائل والسُّبل الموضوعية والعقلانية الرصينة والمتماسكة، والمسكونة بالجوهر الوطنى والإنسانى الذى تتوافر عليه ثقافة شعب فلسطين وحضارته الموغلتين فى أبعد عمق، والمفتوحتين على أعلى مدار وسماء، والمتواصلتين عبر الأزمنة، فى ترابط حميمى وثيق، بين فلسطين الأرض وفلسطين الإنسان. ولعلى أكون قد أشرت إلى مقصدنا فى سياق الإجابة عن سؤال سابق تعلق بموقف «ملتقى فلسطين» من منظمة التحرير، ورؤيته لها. ولكن لا بأس، هنا، من تأكيد الحاجة إلى تجديد كيانات الحركة الوطنيَّة الفلسطينيَّة عبر تعزير جوهرها، وتفعيلها، وإثراء حيويَّتها، كحركة تحرُّر وطنيٍّ، فقد اقترنت هذه الحركة، منذ أمدٍ غير قصير ولأسباب شتَّى، بالشيخوخة والتكلّس وتآكل الشَّرعية، على نحو شمل جميع مكوناتها ومؤسساتها وهياكلها، وضمن ذلك منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة، والسلطة الفلسطينيَّة، والفصائل والأحزاب السياسية، والاتحادات الشعبية والمهنيَّة والنَّقابات، وغيرها. وإذْ يستحيلُ، أو لا ينبغي، تحميل رؤى، أو خيارات جديدة، على حوامل قديمة، أو مستهلكة، فإنَّه يتوجب العمل، بدأبٍ ومثابرة، على تجديد هذه الكيانات والمؤسسات والهياكل، وترسيخ حضورها، وتعزيز حيويَّتها، وإزاحة التقصير، أو الخطأ الفادح، الذى اعتورها، وأصابها بالهزال، جرَّاء عدم تمكين أبناء شعبنا الذين تشبثوا بأرض وطنهم عقب نكبة العام 1948، من المشاركة الفاعلة والقيادية فيها وفى منظمة التحرير بجميع مؤسساتها وهياكلها. وإلى ذلك، وتأكيداً لهوية منظمة التحرير الوطنية والسياسية الجامعة، ينبغى الفصل، وفق ما أوردنا فى الإعلان، قانونياً وإدارياً، بين منظمة التَّحرير الفلسطينيَّة والسلطة الفلسطينيَّة، أى فيما يتعلق بالقيادة، والمؤسسات، والموظفين، ومكانة الرئاسة فى كلا الكيانين؛ فقد كان للدَّمج الذى وصل فى حالات كثيرة حدَّ التَّماهي، أنْ يَضُرَّ بكليهما على نحو أضعف النِّظام السياسى الفلسطينى القائم، إذْ حَوَّلهُ إلى مجرد سُلْطةٍ عرَّضته إلى الضُّغوط التى دأبت إسرائيل (القوَّة القائمة بالاحتلال) على ممارستها عليها عبر فرض إملاءاتها التى تنسجم مع طبيعتها كدولةْ استعمارية عنصرية، احتلاليَّة وإحلاليَّة، تنحكمُ إلى أيديولوجية مُغلقة وإلغائيَّة. وإلى ذلك، ينبغى تغيير وظائف السلطة الفلسطينية على نحو يقصرها على إدارة المجتمع الفلسطينى فى الضفة الغربية وضمنها القدس، وفى قطاع غزة، وعلى النهوض بتعزيز كيانات هذا المجتمع ومؤسساته الاجتماعية والاقتصادية والثَّقافية، وتنمية موارده البشرية والمادِّيَّة، وتصليب قدرته على الاعتماد على نفسه، واستثمار إمكاناته وموارده بشكل يُؤمِّنُ متطلبات صموده، ويُنمِّى قدرته على مقاومة القوَّة القائمة باحتلال وطنه؛ أى دولة إسرائيل الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية. > منظمة التحریر هى الكیان السیاسى المعنوى لشعبنا،وقائد كفاحه،ما یتطلب إعادة بنائها على أسس وطنیة، تمثیلیة ودیمقراطیة، بعيداً عن المحاصصة «الكوتا» الفصائلیة… هل ترى أى إمكانية لذلك بعدما تكرست مصالح لأشخاص وقوى فى الحالة القائمة؟منظمة التحرير هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى بأسره، وفى شتى أماكن وجوده. وبالطبع، فإنَّ إعادة بنائها، وتجديد هياكلها وإغناءها بما يُنهضها ويُطلق حيويتها وأنشطته على نحوٍ يستجيب لهُويَّتها الجوهرية بوصفها حاملة مشروع تحرر وطنيٍّ، شاقٍّ ونبيل، وقائدة كفاح شعب يتوق إلى الحرية والاستقلال والسيادة الناجزة والأسهام الفاعل فى بناء العالم الجديد وتجديد حضارة الإنسان، لأمر ملح وضرورى تماماً، وليس من بُدٍّ عنه أو غِنى. وهو أمر قابل للإنجاز، إن استندت الأطراف الوطنيَّة، المُطالبة بإنجازه، إلى رؤية جديدة تتأسس على ما ذكرت للتو، وعلى ما أوردناه فى الإعلان، وعلى إرادة وطنية صادقة، وعلى تغليب حاسم ونهائيٍّ، للمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا على أى أمر، أو مصلحة، سواها. > ما رؤيتكم لمعالجة الانقسام الفلسطيني؟لعلَّ فى الإجابة عن السؤال السابق ما يُلخِّص رؤيتنا أو يُفصح عن إبراز ملامحها. وذلك فى سياق الكلام على إعادة بناء منظمة التحرير واستيعاب جميع القوى الوطنية فى إطارها، وضمنها حركتا «حماس» و»الجهاد». ولعلى أضيف، معبراً عن رأيي، أنَّ الانخراط فى إعادة بناء منظمة التحرير، وفق ما تم الاتفاق عليه واستناداً إلى ما تمَّ توقيعه من وثائق واتفاقيات وأوراق …إلخ، ينبغى أن يتواكب مع تمكين حكومة الوفاق الوطنى من أداء عملها على أكمل وجه وأفضله، وبسيادة تامة، فى قطاع غزة. وينبغي، فى هذا السياق، إدراك حقيقة أنَّ التطورات والحقائق السياسية الراهنة، الناجمة عمَّا يمليه الشروع فى فرض صفقة القرن واقعاً على الأرض، أو ما يُفرزه، من تحديات مصيرية مُتشابكة، فلسطينيَّاً وعربيَّاً وإقليميَّاً ودوليَّاً، إنما تضع جميع القوى الوطنية أمام مسؤولياتها التاريخية، ولا تترك أمام حركة حماس، المُحْكِمَةِ القَبْضَ على «السَّجن الأكبر»؛ أى قطاع غزة المحاصر من قبل إسرائيل منذ عقد ونيف، إلا خيارين لا أحسبُ أنَّ ثمَّة ثالثا لهما، فإما أنْ تكون ضمن المشروع الوطنى الفلسطينى الجامع وتبذل قصارى جهدها لحمايته من التفتيت والإضاعة، أو تمعن فى تذويب الهوية الوطنية الفلسطينية، والمشروع الوطنى الفلسطيني، فى إطار إسلام سياسي، ومصالح ضيقة، وحديث خلافة ربما لا يكون نضال شعبنا التَّحررى فى حاجة إليها أبداً! > إعادة تعریف الكیانات السیاسیة الفلسطینیة، خصوصا بعد أن تآكل، أو تقادم، معظمها، فلم یعد له دور فى الصِّراع ضد إسرائيل ـ هذا التوصيف يطال كل الكيانات تقريبا عدا كيانات الإسلام السياسى (حماس والجهاد)، ما يجعل البعض يربط بينكم وبين هذه الكيانات – ما تعليقك؟كيف هذا؟! من أين جاءك هذا الاستخلاص لتجيء به إليَّ! نحنُ، فى تفكيرنا وبلورة رؤانا، مثقَّفون أحرار تماماً، مُستقلُّون تماماً، ولسنا مشغولين إلا بقراءة الواقع القاتم لتشخيصه لإدراك ممكناته ومآلاته، وملاحقة الأفكار وتعميقها وبلورتها فى رؤى مستقبليَّة تؤسس لأخذ فلسطين وشعبها إلى واقع ممكن، جديد منشود. وإلى ذلك، نحنُ لا نرتبطُ بأى من الفصائل أو القوى أو الحركات أو الجبهات أو الأطر التنظيمية والسياسية، بأى رابطٍ فكرى أو أيديولوجى أو تنطيميٍّ أو من أى نوعٍ كان، اللهم إلا النَّقد والمراجعة وإثارة الأسئلة والحوار الخّلاق، وبلورة إجابات. نحن نُعْمِلُ العقل بتفتُّح ورصانة فى آنٍ معاً، فننتج فكراً أصيلاً هو دائماً على نقيض الأيديولوجيات التى لا يسكنها، ولا تبثُّ فى النَّاس، سوى الوعى الزائف. قد تتقاطعُ خلاصات فكرنا، على نحو أو آخر، مع ما تتنباه هذه الحركة، أو تلك الجبهة، أو ذاك الفصيل، ولكنَّ ليس لهذا أنْ يُحْمل على تأويل يرانا نُمَثِّلُ أحداً أو ننطق باسم أحدٍ، سوى «ملتقى فلسطين». ونحنُ، بطبيعة الحال، ننتمى إلى منظمة التحرير الفلسطينية، بل نحنُ أعضاءٌ فيها لكوننا مواطنين فلسطينيين، مقيمين فى فلسطين أو اقتلعوا وهُجِّروا، قسراً وعنتاً وإرهاباً، منها. إنَّها بيت الشعب الفلسطينى بأسره؛ أى البيت الذى نريد أن يُعَاد بناؤه، وإرساء أعمدته ودعائمه، وتوسيعه، فى ضوء الأسس التى أوردها الإعلان، وعلى نحو يستوعب الشَّعب الفلسطينى بأسره، ويضم فى رحابه جميع القوى الوطنية الفلسطينيَّة الحية، الفاعلة فى الواقع، والذاهبة بخطى واثقة إلى المستقبل. وبطبيعة الحال، سيكون على جميع الفصائل المتقادمة، والمستنفدة الحضور الحيوي، وعديمة الدَّور، أو ذات التوجه الأيديولوجى الذى يذيب الهوية الوطنية فى هوية سواها، أنْ تُعِيدَ بناء نفسها وتجديد حيوِّيتها، أو أن تستنبط منطلقاتٍ فكريةً أساسيةً، وتوجهاتٍ وطنيةً، ورؤى سياسيةً، وأطراً تنظيمية، متماسكة ورصينة وملتحمة التحاماً وثيقاً بالمشروع الوطنى الذى يُوَحِّد فلسطين: أرضاً وشعباً وقضيةً، لتحوز، إنْ أنجزت ذلك، جدارة الانتماء إلى الكيان الوطنى الفلسطينى الجامع الذى ستسهم، بقسطها، فى إعادة بنائه وتفعيله ومتابعة تطويره وتجديد حيوِّيته، ليتابع قيادة النضال التحررى الوطني، والإنساني، الفلسطيني، الشَّامل والمُتكامل. > برنامجكم السياسي،هل هو برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، بمعنى قبولكم لاتفاقيات أوسلو ومتعلقاتها وتوابعها، أم أن هناك برنامجا خاصا يرتكز على فلسطين التاريخية من البحر الى النهر؟سواء فى إعلان تأسيس «ملتقى فلسطين»، أم فى الإعلان الثانى الصادر عن الملتقى عقب ورشة العمل التى تم تنظيمها أخيراً، اقتصر الأمر على بلورة الأفكار، وتوضيح المنطلقات والتوجهات، وتحديد المهمات الواجب النهوض بها، للشروع فى العمل على إنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية، أى أنَّ الملتقى لم يذهب، بعدُ، إلى بلورة الرؤية الوطنية السياسية المستقبلية التى تؤسس لصَوغ المشروع الوطنى الفلسطينى الجديد، الذى يودُّ الملتقى أنْ يضعه، لحظة إكماله وصوغه، بين يدى منظمة التحرير، والقوى الفلسطينية الفاعلة، إسهاماً منه فى بلورة المشروع الوطنى الفلسطينى الشامل والمتكامل والجامع الذى يمكن تبنيِّه والالتفاف حوله والنُّهوض، شعبيَّاً وجماعيَّاً، بجعله واقعاً قائماً فى واقعٍ مُستقبليٍّ جديد. وفى هذا السياق، يمكننى الإشارة إلى أن أعضاء الملتقى قد توافقوا على أبرز ملامح الرؤية التى يعملون، بدأبٍ ومثابرة، على بلورتها. ولعلى أحيل إلى ما تضمنه الإعلانان فى هذا الشأن، لأوجز، هنا، بالقول: إنَّ الرؤية المستقبلية التى يعمل الملتقى على بلورتها إنما تتأسس، ضمن أمور أخرى، على مبدأ رئيسى يقوم على المطابقة التامة بين فلسطين الأرض، وفلسطين الشعب، وفلسطين القضية، وعلى التَّمسك بالرواية التاريخية الفلسطينية بجميع مستوياتها وأبعادها، وذلك دون التقيُّد بخيار وحيد لحل الصِّراع الفلسطينى – الإسرائيلي.
المصدر: http://arabi.ahram.org.eg/News/145244.aspx