10 نقاط لاستنهاض الوضع الفلسطيني
من المفترض أن يعقد المجلس المركزي الفلسطيني دورة اجتماعات له، لكن هذه الاجتماعات ستكون شكلية، أو مجرد لزوم ما لا يلزم، لأن الرئيس محمود عباس اختزل بشخصه القيادة الفلسطينية، والإطارات التشريعية كلها، فهو رئيس المنظمة والسلطة وقائد “فتح”، وهو الذي يقرر الخيارات السياسية، ويتحكم بالموارد، وبالعلاقات الخارجية. أيضاً، هذا الاجتماع لا ضرورة له لأن معظم الفصائل، بغضّ النظر عن تقييم مكانتها وأدوارها، أعلنت عدم المشاركة فيه، لعدم جدواه، هذا يشمل “حماس”، و”الجبهة الشعبية”. إضافة إلى ما تقدم، فقد أثبتت التجربة أن الرئيس الفلسطيني اعتاد تقويض قرارات المجلس المركزي، والتي يشارك هو في إقرارها في ظروف معينة، هذا ينطبق على قرار وقف التنسيق الأمني، ومراجعة الاعتراف بإسرائيل، وفقاً لقرارات المجلس المركزي في دوراته المنعقدة منذ عام 2015، وقرارات المجلس الوطني (الدورة 23 لعام 2018). وكنا شهدنا ذلك بطريقة فاضحة وصارخة، في حالتين، أولاهما، القرار الذي كانت قد اتخذته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (أيار/مايو 2020)، والمتضمن قطع العلاقات مع إسرائيل على خلفية رفضها خطة ترامب (“صفقة القرن”)، إذ سرعان ما تم التراجع عن ذلك بعد ستة أشهر (أواخر 2020). وثانيتهما، قرار الرئيس الفلسطيني التراجع عن قراره تنظيم انتخابات تشريعية ثم رئاسية، ضمن محاولة جرت لإنهاء الانقسام، إذ اتخذ القرار في كانون الثاني (يناير) 2021، وتم التراجع عنه في نيسان (أبريل) 2021. وباختصار، ليس للنظام السياسي الفلسطيني، أو للحركة الوطنية الفلسطينية، أي هيئات تشريعية، أو شرعية، لا مجلس وطني ولا تشريعي، فمنذ إقامة السلطة، قبل قرابة ثلاثة عقود اجتمع المجلس الوطني في دورتين عاديتين فقط (1996 و2018)، في حين أن المجلس التشريعي تم تجميده منذ عام 2007، وتم حله قبل ثلاثة أعوام، كما ليس ثمة شيء اسمه قيادة جماعية، ولا مراكز صنع قرار، رغم أن الحديث يدور عن حركة وطنية عريقة، ومجربة، لها من العمر 57، ورغم وجود نسبة عالية من المتعلمين والمثقفين والمسيسين في مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج، أكثر من أي مجتمع آخر. على ذلك، فقد بات من العبث، أو من السذاجة، انتظار أي جديد من أي اجتماع تدعو له القيادة الفلسطينية، لأن تلك الدعوة تصدر، فقط، لأسباب وظيفية محددة، ولأغراض تكرّس إعادة إنتاج، أو إعادة شرعنة الطبقة السياسية السائدة، وإضافة إلى هذا وذاك، فقد ثبت بالتجربة أن هذه القيادة غير مستعدة، ولا مهيأة، لأي إصلاح، مهما كان مستواه. إنطلاقاً من كل ما تقدم، فإن الساحة الفلسطينية تعيش أزمة مستفحلة، وشاملة، وعميقة، لا يمكن التعامل معها جزئياً، أو سطحياً، أو آنياً، ما يعني أن أي حل يتطلب: أولاً، إعادة بناء البيت الفلسطيني، في بناه وخطاباته وعلاقاته وأشكال عمله، وفقاً لرؤية وطنية تتأسس على وحدانية الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية. ثانياً، استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية طابعها كحركة تحرر وطني، بعدما غلب طابعها كسلطة، على رؤيتها ذاتها، ودورها، وعلاقاتها مع شعبها، مع تأكيد أن الصراع مع إسرائيل، في ظروفنا الخاصة، له وجهان: مقاومة السياسات الإسرائيلية، الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية، وبناء المجتمع الفلسطيني، وتنمية كياناته. ثالثاً، حصر دور السلطة في إدارة وضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتعزيز صمودهم، ومقاومتهم، ضد سياسات إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية، وإنهاء علاقات التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية لإسرائيل، والقيام بكل ما من شأنه تنمية اعتمادية شعبنا على ذاته، وعلى موارده، وتطوير كياناته السياسية والمجتمعية. رابعاً: إعادة بناء الكيانات الفلسطينية (المنظمة والسلطة والفصائل والمنظمات الشعبية)، على أسس وطنية وتمثيلية وديموقراطية ومؤسسية وكفاحية، انتخابية حيث أمكن، على أن تكون المنظمة إطاراً لكل الفلسطينيين في فلسطين التاريخية وفي بلدان اللجوء والشتات. خامساً: عقد اجتماع للمجلس الوطني في مكان متفق عليه، بعد تجديد عضويته، بالقطع مع عقلية المحاصصة الفصائلية (“الكوتا”)، لأن الوضع بات يتطلب إعادة تعريف الفصائل، بعدما بات عديد منها لا مكانة له عند شعبه ولا في مواجهة إسرائيل، واعتماد العضوية في المجلس بناءً على الكفاءة والأهلية المهنية والتمثيل، والانتخاب حيث أمكن ذلك. سادساً: التحرر من الانحصار في الخيار السياسي الأحادي، المتمثل بالدولة في الضفة والقطاع، لا سيما بعد إفلاس خيار أوسلو، بالانفتاح على خيارات موازية، وضمنها خيار الدولة الواحدة الديموقراطية، دولة المواطنين الأحرار والمتساوين، بكل أشكالها، في كل فلسطين، باعتبار ذلك الحل الأجدى والأنسب للمسألتين الفلسطينية واليهودية في فلسطين، وعلى أساس تقويض الصهيونية ومختلف تجلياتها الاستعمارية والعنصرية والاستيطانية والأمنية والأيديولوجية، إذ إن إسرائيل تصارع شعب فلسطين على كل شبر في الضفة والقدس، وباعتبار أن أي تسوية لا بد من أن تنبني على عنصري الحقيقة والعدالة، وعلى التطابق بين أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين. سابعاً: التوجه إلى المحافل الدولية والرأي العام العالمي لتعزيز مكانة قضية فلسطين، وفرض العقوبات على إسرائيل، وفضح سياساتها الاستعمارية والعنصرية، وهو اتجاه يؤكد وجود مناخات مواتية له في البلدان الغربية، وحتى في الولايات المتحدة الأميركية. ثامناً: انتهاج أشكال المقاومة الشعبية ضد سياسات إسرائيل، بالاعتماد على الإمكانات الذاتية لشعب فلسطين، ووفقاً لقدراته، وتجربته وخبراته، لأن هذا الشكل أثبت جدواه في الانتفاضة الشعبية الأولى، ولأنه يجنّب الفلسطينيين الارتهان لأي أطراف خارجية، والأهم أنه يفوّت على إسرائيل فرصة استدراج شعب فلسطين الى أي مواجهات تستخدم فيها قوتها العسكرية لاستنزافه وتقويض قدراته وإضعافه، بالنظر الى التجارب السابقة. تاسعاً: استعادة وحدة الكيان الفلسطيني، بين الضفة وغزة، وتعزيز المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتكريس العلاقات الديموقراطية بين فصائل العمل الوطني، وبذل الجهود لإيجاد الأشكال المناسبة لفتح حوار بين تجمعات الفلسطينيين في 48 وفي الضفة وغزة المحتلين (1967)، وفي مناطق اللجوء والشتات، حول الإطارات السياسية المشتركة، والأنسب، للتعبير عن شعبنا في كل أماكن وجوده، وتأكيد وحدته، وقيادة كفاحه. عاشراً: إيجاد وسائل مناسبة للعمل في أوساط المجتمع الإسرائيلي، لتنمية الاتجاهات المعادية للصهيونية، ولإسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية، وإيجاد قواسم مشتركة لحل للصراع يتأسس على الحقيقة والعدالة والحرية والديموقراطية والمواطنة. كما قدمت، هذه مجرد خريطة طريق، أو مقترحات، لاستنهاض الوضع الفلسطيني، وهي مطروحة للرأي العام، من دون أي أوهام تتعلق بالطبقة السياسية الفلسطينية السائدة.
عن النهار العربي