هل تكون مظاهرة المتابعة غدا “إحياء لذكرى الانتفاضة”؟


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

جسّدت الانتفاضة الثانية – انتفاضة القدس والأقصى، وما تزال، الحدث الفلسطيني الأبرز بعد أوسلو الرافض والمتمرد على التصورات الإسرائيلية للصراع وحله، وليس صدفة أنها شكلت أيضا المراجعة الإسرائيلية الأكبر – منذ نشأة إسرائيل – في ما يتعلق بالتعامل معه (مع الصراع)، ولا يعدو مفهوم “تقليص الصراع” الذي يشار إليه اليوم كونه تفصيلا إسرائيليا صغيرًا، بل وغير جديد تماما، ضمن تلك المراجعة الكبرى.

لكن بينما شكلت انتفاضة القدس والأقصى رفضا وتحديا للواقع الذي تريد إسرائيل فرضه، تحديًا من قبل النخب السياسية والشارع معا، نرى اليوم مساهمة النخب السياسية في الانخراط فيه كواقع تشكّله إسرائيل وفق مصالحها ومخططاتها وسرديتها، ليس فقط بأن تقبله كواقع سياسي، بل بأن تستخدم فيه كطرف فاعل. فالسلطة الفلسطينية التي دعم رئيسها حينها وشاركت قطاعاتٌ منها في الانتفاضة الثانية؛ تعمل اليوم في خدمة الأمن الإسرائيلي، وترتبط عضويا بإسرائيل، إذ تعتمد عليها في أمنها الشخصي والمالي، وأخطر قياداتها 4 أشخاص هم من يمنعون الآن الرواتب لعائلات أسرى غزة.

أمّا في الداخل، فالحركة الإسلامية الجنوبية التي اتهم تقرير إسرائيلي رسمي قياداتها عام 2004 بـ”التحريض” على الانتفاضة الثانية، يقوم رئيسها اليوم بتتويج رئيس الحكومة الإسرائيليّة، نفتالي بينيت، بطلا “قوميا”، ويحول الصهيونية برمتها إلى سردية وإلى خيار سياسي مقبول، بينما ننسحب نحن في الأحزاب عن صناعة السياسة فيما نعاني من حالة شلل واضحة بين واعٍ لها، وبين منكر يتصرف خارجها مستمرا في أداء طقوسه “السياسية” وكأنه منوّم مغناطيسيا.

وفي الوقت الذي لم تطرح فيه الانتفاضة الثانية مشروعا إستراتيجيا واضحا، لا للداخل ولا لباقي شعبنا – وقد لا تكون هذه وظيفة الانتفاضات والتمردات أو معيار نجاحها الوحيد – لكنها خلفت أمرين، أولهما: مزاج شعبي معادٍ لإسرائيل وحالة عامة من الاغتراب عن الدولة هي شرط لأي عمل فلسطيني نضالي في الداخل؛ وثانيهما: تهميش التيارات التي حملت الأسرلة كخيار سياسي.

حالة الاغتراب ووضوح الصراع مع إسرائيل وإخراج الأسرلة والاندماج في الصهيونية كإمكانية سياسية كانت الفعل السياسي الأقوى للخطاب الوطني في الداخل، ومثّلت بنية نفسية ووجدانية وفكرا ضروريين لحمل أي مشروع سياسي مناقض للصهيونية من قبل شعبنا، وهذا تحديدا ما عمل نهج أيمن عودة ومن ثم الصهيونية العربية لمنصور عباس على هدمه.

حملت هبة الكرامة، بعد حوالي 20 سنة من الانتفاضة الثانية، تذكيرا بأن لا حتميات في التاريخ ولا في السياسة، لكنها لم تستطع أن تحمل أكثر من ذلك، لسببين: أولا بسبب الانقسام في الداخل الفلسطيني من جهة، بين فئات “حزبية” تريد الحفاظ على إرث الخطاب والدور الوطني للأحزاب، بل وتطويره إستراتيجيا، وعلى نفس نضالي مدرك لأبجديات الصراع خارج تلك الأحزاب؛ وفي الجهة الأخرى تقع صفوف حزبية إمّا أنها ما زالت أسيرة بقائها الشخصي أو التنظيمي الفاقد لأي مشروع سياسي، وإما أنها تحمل مشروعا سياسيا مدعوما من الشاباك الإسرائيلي، وهو ما يقود إلى السبب الثاني وهو أن الانقسام السياسي في الداخل ليس انقساما داخليا بحتا، بل أن التيار السياسي الذي “يصنع التاريخ” حاليا في الداخل، هو تيار مدعوم ليس فقط “معنويا” من قبل المؤسسة الإسرائيلية، بل عمليا من داخل الشاباك الإسرائيلي.

يذكر الصحافي الإسرائيلي عميت سيغال، اليوم الجمعة، أن الشاباك سيساعد الحركة الإسلامية الجنوبية (الموحدة) على الخروج من مأزقها السياسي، إثر تنصّل زعيم المستوطنين من وعوده لقياداتها. الشاباك يعمل على أن ينقذ منصور عباس من ورطته القاتلة. “مساعدة غير متوقعة للقائمة العربية الموحدة تصل من أحد أجهزة الأمن الإسرائيلي، لقد أعلم من عليه أن يعلمه أن من الأفضل أن تبني – وكثيرا – (وحدات سكنية) في المدن العربية. إذا لم تتوفر أماكن سكن للشباب، سينتقل هؤلاء للسكن في المدن المختلطة، التي تشخصها الأجهزة الأمنية كقنبلة موقوتة، وليس كإمكانية للتعايش”. (عميت سيغال، ملحق “يديعوت أحرونوت”، 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2021).

لقد شاركت، دائمًا، جميع القوى السياسية في إحياء ذكرى الانتفاضة الثانية، حتى تلك التي كثيرا ما رأى بعض سياسييها أنها “سبّبت ضررا”، رافضين ليس “تسلحها” فقط، وإنّما منطقها السياسي الذي تمرد على أوسلو، وثانيا غافلين عن القراءة التي تقول إنّ الضرر لا يسببه “الحدث” فقط، بل كيفية استثماره والقوى التي تحمله مقابل تلك التي تنقلب عليه، وإنّ تمردات الشعوب بحد ذاتها لا تحمل إلا طاقة البناء والتحرر، لكن ذلك لا يتحقق بغياب القوى الاجتماعية والفاعل السياسي المستعدين لذلك.

لكن سؤال مشاركة منصور عباس في مظاهر المتابعة في الغد هو سؤال مختلف تماما، فهي ليست مشاركة نقيضة لضرورة إخراجه عن الشرعية الوطنية فحسب، بل هي أيضا تطبيع يساهم في إنتاج نموذج “عربي صهيوني”، ومنصور عباس لا يتحمل مسؤولية هذا التطبيع بل نتحمله نحن.

عن عرب48

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *