حضور الآخر في المنتدى السنوي لفلسطين 2023


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

بمناسبة دعوة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية إلى تقديم مساهمات بحثية للمشاركة في “المنتدى_السنوي_لفلسطين 2024” الذي يُعقد في الفترة 27-29 من كانون الثاني/ يناير 2024. يحضرني ذلك الانطباع أو الاستنتاج أو الملاحظة  التي استوقفتني من خلال حضور المنتدى السنوي الأول حيث إنه وبالرغم من أهمية الأبحاث التي قدمت من الباحثين الفلسطينيين والعرب وتميزها حول فلسطين وقضيتها في منتدى فلسطين 2023 إلا أن ما وجدته مهماً ومتميزاً هو تلك الأبحاث المقدمة من باحثين أجانب؛ وأهميتها وتميزها يكمن في أنها تطرقت لموضوعات بعيدة عن الإرث المحكي والمكتوب الذي لازمنا منذ النكبة وما قبلها وحفر في وجداننا الأسئلة التي تدور في فلك الخلاص اليومي من القهر والإذلال والاستعمار الاستيطاني والعنصرية المنفلتة من كل عقال، والأجوبة على تلك الأسئلة مهما تميزت كانت غالباً تحمل في ثناياها الإجابة التي تدور في فلك الإرث النضالي والسياسي والاجتماعي والنفسي المجبول بالهم الوطني عبر تاريخ طويل من الصراع على مستوى  الفرد أو الجماعة، إن كان ذلك في سياق الوعي أو اللاوعي من قبل الكتاب والباحثين.

لقد كانت الأبحاث المقدمة من قبل الباحثين الأجانب تنحو خارج المألوف وتدخل في زوايا لم تلفت نظرنا، ربما لأننا نعتبر أنه لا وقت لمثل هذه الطروحات ولا وقت لدينا لموضوعات نعتبرها جانبية مع أنها عند التدقيق في تفاصيلها لا تكون من صلب الموضوعات الفلسطينية المهمة فقط، بل تجاهلها يعني تجاهل معطيات ومعلومات وأفكار ربما تؤثر في صلب اتخاذ قرارات استراتيجية حول الأسئلة الكبرى وخاصة أن من كتبوها كانوا يبحثون خارج ثنائية “نحن” و”هم” وخارج ثنائية المألوف والغريب.

وفي هذا السياق كتبت إليزابيت ماتين الباحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، ألمانيا. تحت عنوان “بين الأنقاض والبقايا: التجديد الديني بين المسيحيين في الضفة الغربية في فلسطين”  وغاصت بتفاصيل علاقة المسيحيين الفلسطينيين مع الأرض والوطن ولم تمنعها الحساسية الطائفية المختزنة في ثنايا أي طرح يقارب المسألة الطائفية في وطننا العربي الكبير من الخوض مباشرة والغوص في روح أهالي قرية الطيبة واندماج روحانياتها مع الانتماء الكلي لفلسطين، وتفصيل علاقة  أهلها  بقديسيهم،  ليس كتفصيل هامشي، بل كرؤية حول شرعية انتمائهم وصلابة هويتهم من خلال الربط بين تبجيل القديس وتعبيرات الوعي الوطني؛ وتلتقط نقطة في غاية الحساسية عن الانتماء ومفرداته اليومية حيث تقول:  “ففي حين واصلت معاني القديسين التقليدية وجودها، تحولت الممارسات في الأماكن المقدسة إلى طقوس هوية وانتماء، وتأكيد على الأصلّانية الفلسطينية والارتباط بالأرض” وكتبت ذلك وشرحته بتفاصيله الحساسة من دون أي تخوف من تأويل طائفي مازال يقض مضاجع الكتاب والباحثين العرب.

ولم يكن إيلان بابه وهو العارف بسياسات إسرائيل وتوجهاتها غريباً عن هذا المؤتمر وأجوائه من حيث أكاديمته وهو مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية ومن حيث محتواه وهو ما تشير له عنوان ورقته المعنونة بـ “الدراسات الفلسطينية: إنجازات وتوجهات مستقبلية” وربما كانت الإشارة من قبله إلى الدراسات الغربية الحديثة وتزايد كثافتها في الدراسات الأكاديمية للشأن الفلسطيني  في المرحلة الأخيرة من أهم المؤشرات على نشوء تطور لرؤية الحق الفلسطيني في الأبحاث الغربية بتشابكه مع الدراسات الفلسطينية ذات “اللغة الآمنة”، بحسب تعبيره، وهذا من الأهمية بمكان لأن “الدراسات الفلسطينية تتعرض لهجوم اللوبي الإسرائيلي الذي يحاول نزع الشرعية عنها. لكن مصير هذه المحاولات كان الفشل إلى الآن، لتبقى الدراسات الفلسطينية، باعتبارها بحثًا ملتزًما ومهنًيا، جزًءا مهًّما من النضال من أجل التحرير والعدالة في فلسطين” وكان تطرقه (للغة الآمنة) نقطه في غاية الأهمية لمخاطبة الآخر ونقاشه وخاصة في النقاط ذات الاختلاف الجذري في بعض الأحيان.

أما بيترو ستيفانينيف وهو طالب دكتوراه في العلوم السياسية في جامعة إدنبرة فيضعنا أمام عنوان صادم للوهلة الأولى “وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق “COGAT” والنمط الإنساني من الاستعمار الاستيطاني” في الظاهر يبدو عنواناً متناقضاً في بنيته فلا لقاء بين أي استعمار والإنسانية من حيث المبدأ، لكن الباحث ينظر إلى المسألة من زاوية أخرى حيث يرى أن السيطرة  السياسية الحيوية التي تمارسها وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق على الفلسطينيين، بوصفهم مجرد مشكلة إنسانية، تعكس استراتيجية الدولة الاستيطانية الخاصة بالأرض والرامية إلى إبقاء السكان الأصليين الذين جُردوا من أرضهم داخل جيوب مبعثرة. ولقد بات إنتاج السكان الفلسطينيين بوصفهم مشكلة إنسانية شكلا بارزا من أشكال سلطة الضبط في عمليات مكافحة التمرد الإسرائيلية. وهنا نلاحظ الفرق بالرؤية واختلاف زاوية النظر مع الباحثين الفلسطينيين والعرب لأن أي ذكر للمؤسسة الإسرائيلية المسماة (وحدة تنسيق اعمال الحكومة في المناطق) أمامهم فإن أول ما يقفز للذهن ويغطي على المشهد ويستدعي القول والشرح هو الحواجز والتصاريح والموافقات الأمنية ومرارة الانتظار والتفتيش؛ أما أن يكون هناك بعد إنساني أو غطاء إنساني لتصرفات غير إنسانية فهذه ميزة زاوية النظر المختلفة التي ناقشها الباحث.

ولا ينسى ساول ج. تاكاهاشي أن يطرق موضوعاً وتفصيلاً في صميم الهوية الفلسطينية والعربية وهو موضوع اللغة وذلك  تحت عنوان “الحقوق اللغوية لفلسطينّيي الـ 48” حيث تبحث الورقة قضايا الحقوق اللغوية لفلسطينيي 48، لاسيما ما يتعلق بالنفاد إلى الإجراءات القضائية، وقضية الإشارات الطرقية. وهو نادراً ما يكون ضمن نطاق الهموم التي اعتاد الباحثون والسياسيون الفلسطينيون والعرب مناقشتها والتصدي لانعكاساتها على الحالة الفلسطينية بشكل عام أما أن تكون أساساً لبحث أكاديمي مليء بالتفاصيل والأفكار والاستنتاجات فهو الجديد الذي يقدمه الكاتب.

أما كارولين لاند طالبة الدكتوراه في كلية الدين واللّاهوت ودراسات السلّام، كلية ترينيتي في دبلن. فكانت متناغمة مع مصطلحاتنا الأكثر استخداماً عندما نعالج قضية فلسطين فجاء عنوان بحثها “الاستعمار الاستيطاني ومحو الآخر: بناء سرديات الهيمنة” ليضفي بعداً تضامنياً مع همومنا الكبرى وسرديتنا حيث تقول “لقد قام النظام السياسي الاستيطاني، عبر مراحل مختلفة من التوسع ونزع الملكية، ببناء رواية “إرهابية” كاذبة حول المجتمع المدني الفلسطيني ونشرها، استنادا إلى منظور الاستثنائية والإنكار. وعلى هذا النحو، كان بناء السردية بمنزلة تقدم في محو النظام السياسي الاستيطاني المستمر لروايات السكان الأصليين، وفي الوقت نفسه إضفاء الشرعية على المشروع الاستيطاني نفسه واستراتيجياته المستخدمة وأهميته تكمن في المنظور الذي اتخذته الكاتبة لمعالجة موضوعها.

وخارج إطار خطاب استجداء الرحمة والمساعدة للجرحى والمصابين تفاجئنا لينا أومبرماير طالبة دكتوراه في معهد الدراسات العربية والإسلّامية في جامعة إكستر. بعنوان ورقتها البحثية  “الإقعاد والإيهان خلال مسيرة العودة الكبرى في غزة (2018-2019)” حيث تطرح موضوع الإصابات في صفوف الفلسطينيين ومدى خطورته ليس على المصاب كشخص فقد جزءاً من حياته ولا على المجتمع بتعداد أرقام الإصابات وحجمها فقط بل خطورته من حيث إنه طريقة لشطب السكان الأصليين شطباً منهجياً من الأرض؛ متخذة من مسيرات العودة التي جرت في قطاع غزة مثالاً يبين إلى أي مدى يجب التعامل مع هذا الموضوع كأولوية لأنه “لاينبغي أن تُعتبر الإصابات مجرد نتائج ثانوية للحرب، وأن تُصنف على أنها أضرار جانبية، أو حتى بديل “إنساني” للقتل…..ولابّد من النظر إلى إقعاد الفلسطينيين وإيهان منظومتهم الصحية والبنى التحتية اللّازمة لإعادة تأهيلهم على أنها جزء من “منطق التصفية” الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي” وتدقق الكاتبة في التفاصيل التي أدت لاستنتاجاتها بعيداً عن الهم اليومي والبعد العاطفي الذي يسكن الباحث الفلسطيني والعربي في مثل هذه الحالات.

وفي مشوارنا الطويل في مصارعة الاحتلال دائماً ما كنا نردد “نجوع نموت ما نهتم” ولم يكن الغذاء والأمن الغذائي جزءا من الأولويات التي نناضل من أجلها وكانت دائماً قضية ثانوية على درب التحرير والنصر الموعود، أما مارتا باريجي باحثة مشاركة في جامعة هوهنهايم (ألمانيا).  ترى أن الأمن الغذائي قضية مهمة وناقشتها بورقة تحت عنوان “تأثير العنف البنيوي المتعّلق بالمستوطنات الإسرائيلية في الأمن الغذائي الفلسطيني” ومن خلال الخوض في تفاصيل التفاصيل تحدد تأثير العنف البنيوي في الأمن الغذائي،  وتستدّل على العنف البنيوي من خلال ثلاثة مؤشرات، هي عدد نقاط التفتيش وعدد المنازل المهدومة ومساحة مناطق إطلاق النار، محسوبة جميعاً ضمن دائرة نصف قطرها 5 كيلومترات من مناطق إقامة الأهالي…. تظهر النتائج أن للعنف البنيوي الذي تمارسه إسرائيل تأثيًرا سلبًيا ذا دلالة إحصائية في الأمن الغذائي يؤثر بشكل كبير على حياة الفلسطينيين.

دائماً ما كان البحث عن التضامن الدولي من أولويات العمل الوطني الفلسطيني ودائماً ما كان البحث عن اللغة الأكثر قبولاً عند الآخر هو محور البحث في أشكال التواصل المجدية والتي تعود بالفائدة على القضية الفلسطينية وهذا كان محور دراسة  مايكل ر. فيشباخ أستاذ التاريخ في كلية راندولف ماكون في فيرجينيا، الولايات المتحدة الأميركية، المعنونة “كفاح السّكان المحلانيين ضد الاستعمار الاستيطاني: التضامن مع فلسطين بين الشعوب الأصلانية واللاتينية في الولايات المتحدة من الستينيات حتى اليوم” والذي ركز من خلالها على موضوع التضامن من أولئك الذين عانوا نفس المظالم الاستعمارية من التهجير والقمع والتمييز العنصري، وكان تركيزه تركيز الخبير المطلع والذي يشير إلى تفاصيل دعم الناشطين الهنود واللاتينيين في الولايات المتحدة لفلسطين في ستينات القرن العشرين وسبعينياته حيث ” رأى بعض الناشطين المحليين في الولايات المتحدة أنفسهم والفلسطينيين شعوبًا شقيقة ُحرمت  بالقوة من استقلالها وأرضها ومحا وجودها المستوطنون الأجانب وكان هذا البحث إضافة حقيقية ومهمة من مطلع خارج الجغرافيا المسكونة بالهم السياسي اليومي.

وبعين أفريقية مدركة لذلك التحول الأفريقي نحو تمتين العلاقة مع إسرائيل حاول نوغ نيوي أسانغا فون وهو طالب دكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة شرق البحر الأبيض المتوسط EMU، بورقة تحت عنوان “شراكة معقدة: المسار المتنامي للعلاقات الإسرائيلية – الأفريقية” تحسس مدى انتشار ذلك التوجه وأسبابه ومدى خطورته على القضية الفلسطينية حيث تبحث الورقة العلاقة المتنامية بين إسرائيل وأفريقيا من 1950 إلى 2022 ورّد الفعل الفلسطيني على هذه العلّاقة. وتكشف النتائج أن علّاقات إسرائيل الثنائية مع الدول الأفريقية كانت ودية في الغالب بينما كانت علاقاتها متعددة الأطراف مع الهيئات القارية الأفريقية عدائية في الغالب. بالتأكيد هناك الكثير من الباحثين العرب والفلسطينيين يعرفون حول هذا التقارب وأهمية معالجته وعالجوه في الكثير من الدراسات ولكن كان من المفيد جداً أن نسمع حول هذا الموضوع من أفريقي يعيش القصة ولا يرويها فقط.

وفي ظل الهجمة الاستعمارية الاستيطانية والموت المتكرر في كل زوايا فلسطين ربما يعتبر التطرق لموضوع اللعب ونقاشه كجزء من الهم الفلسطيني، وبالأخص سباق السيارات، ليس رفاهية زائدة عن الحد بل لا مبالاة بحق شعب يموت كل دقيقة تحت وطأة الاحتلال. ولا يكون الاهتمام بهكذا موضوعات إلا من باب تعبئة الوقت وقتل الملل، أما أن تأتي باحثة مثل هاو باو نجان دونغ وهي طالبة ماجستير في معهد ماكغيل للدراسات الإسلامية وتحاول رصد موضوع اللعب وسباق السيارات من خلال ورقة بحثية تحت عنوان “ممنوع اللعب في ظل الاستعمار الصهيوني: “الأخوات السريعات”. فهو ما كان غائباً عن مجال التفكير ويفاجئك وكأنك تبحث عن الرابط العجيب لهكذا موضوع مع القضية الفلسطينية ولكن الباحثة تقنعك بأهميته من خلال رصدها جوانب كانت غائبة، أو ليست محل اهتمام، لتؤكد على أهمية الاستماع للقول المختلف والتمعن في زوايا النظر الأخرى حيث ” ترى أّن الرياضة والسرعة والحركة تولّد فضاءات عاطفية متعددة  الطبقات وقاعدية للمقاومة وبناء الجماعة وسط التفتيت الاستعماري للنسيج الاجتماعي والجغرافيا والسياسة الفلسطينية. يتيح سباق السيارات للمتسابقين مراوغة الإبطاء المتعمد والمتعدد الطبقات الذي يمارسه المشروع الاستيطاني الصهيوني على حياة الفلسطينيين وحركتهم. وعلاوة على كون سباق السيارات رمًزا للحرية، فهو أيًضا رياضة توّحد الفلسطينيين. وهو يعيد بناء طبقات عاطفية مختلفة للمجتمع الفلسطيني، من الأسرة والشعور بالأخوة، إلى الجمع الفلسطيني الأكبر، يرعى بها رفاه الفلسطينيين الروحي ويعزز وحدتهم. وتكمن أهمية هذا القول في نبش الزوايا العمياء في التفكير التقليدي والإرث النضالي ووضعها تحت الضوء كجزء من تفاصيل معركة الخلاص.

 هناك الكثير من الباحثين العرب الذين كتبوا عن فلسطين بطريقة تستحق الاحترام  لكن مقاربة الأكاديميين الغربيين لموضوع فلسطين هو رؤية مختلفة باختلاف الآخر وزاوية نظره، لذلك كان وجودهم في المنتدى السنوي الفلسطيني ذا أهمية خاصة لأنها فتحت الباب لأن نسمع وجهات نظر مختلفة وجديدة في القضية الفلسطينية، وهو ما كان إضافة حقيقية في المنتدى.

عن تلفزيون سوريا

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: محمد إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *