الكلام الفارغ عن الانتخابات لا يغطى الانهيار الفلسطيني


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

تعد حركة حماس، عبر رسالة رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية إلى الفصائل الفلسطينية، بقبولها انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وانتخابات رئاسة السلطة الوطنية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وبحيث تتم الانتخابات بالتوالي والترابط خلال ستة أشهر من تاريخ إصدار المرسوم الرئاسي الذي يحدد تواريخ إجراء الانتخابات. وتقول حماس أنها تلقت جواباً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤيد مضمون الرسالة.

وفي الحديث عن الانتخابات، يحضر سؤال: هل تشكل الانتخابات حلاً للانقسام الفلسطيني، وتصحح مسار فلسطيني خاطئ نقل الوضع الفلسطيني إلى حالة مزرية؟

لننظر في التجربة الفلسطينية حتى لا يكون الكلام نظرياً.

بعد وفاة عرفات سادت الساحة الفلسطينية تكهنات وقناعات متطرفة، تتناسب مع مرحلة انتقالية مرتبكة، بعد استقرار طويل على قاعدة بنية سياسية محددة حكمها الرئيس ياسر عرفات واختصرها بذاته طوال العقود الماضية. ولأن الرئيس عرفات بدا طيلة عقود محتجزاً لأي تطور على الساحة السياسية الفلسطينية وبأي اتجاه كان، فإن غيابه فتح الباب واسعاً أمام تكهنات متطرفة، في ظل سيولة لم يشهدها الوضع الفلسطيني من قبل. ومن هذه التكهنات، أن غياب الرئيس الفلسطيني الذي احتجز عمل المؤسسات الفلسطينية وتلاعب بها، فتح الباب أمام بناء هذه المؤسسات وتعزيزها على نطاق واسع، راسمة صورة مختلفة وجديدة للفلسطينيين، وكأن عرفات هو الذي كان يحتجز هذه الصورة الوردية للفلسطينيين، وراء صورة الفوضى!. ومن هذه التكهنات المتطرفة أيضاً، أن محمود عباس (أبو مازن) مرشح فتح القوي لرئاسة السلطة، هو تعبير عن اتجاه محدد داخل الساحة الفلسطينية يرذل الانتفاضة ويرذل العمل المسلح تاريخياً ويعمل على دفنهما. وهو اتجاه سيقدم كل التنازلات الممكنة إلى إسرائيل، لأنه مرشح الخارج أكثر مما هو مرشح الداخل. فالرجل (أبو مازن) لم يكن يوماً شخصاً فاعلاً داخل تنظيم حركة فتح، وطالما ترفع عن العمل الميداني داخل التنظيم، ما يعني أنه رجل لمهمة واحدة، وهي تنفيذ السياسات الأميركية والإسرائيلية في الساحة الفلسطينية.

اتسمت التكهنات بكونها تكهنات تبسيطية، تعزل ما تتكهن به عن وضعه الطبيعي وشروطه الموضوعية لتضعه في شروط تُناسب التكهن ذاته. لا تصلح هذه التكهنات عادة للبلدان ذات الأوضاع المستقرة استقراراً عالياً، فكيف يكون وضع هذه التكهنات المتطرفة في الوضع الفلسطيني المتداخل والمتشابك وعالي التعقيد!؟ فلا المؤسسات بُنيت على قدم وساق بعد غياب عرفات، ولا أبو مازن استطاع تقديم ما يريده الإسرائيليون، ولا كثرة المرشحين عنت أن لدى الفلسطينيين مشروع دولة اسكندنافية، ولا الانتخابات المراقبة من مراقبين دوليين عنت أن الديمقراطية الفلسطينية في أحسن حالاتها…

نهدف مما سبق القول، أن الانتخابات الفلسطينية التي جرت في العام 2006 على الرغم من النزاهة المشهودة لها، فقد جاءت بنتائج كسرت الصيغة الفلسطينية السابقة للتوازن، بسيطرة حماس على المجلس التشريعي عبر الانتخابات. ولأن التجربة الفلسطينية معقدة، ولم تقبل الأطراف سواء الفائز أو الخاسر في الانتخابات بالنتائج التي أسفرت عنها، ما عنى أن الانتخابات ذاتها، لم تكن حسماً مؤقتاً للصراع، مع احتفاظ كل طرف بمواقفه والعمل على تعديل نتاج الانتخابات التالية ديمقراطياً. لقد نظر الطرفان، حماس وفتح، إلى الانتخابات بوصفها حدث جزئي، لذلك حاول الطرفان تغيير نتائجها على الأرض بعد عدة أشهر، ولكن هذه المرة ليس عبر صناديق الاقتراع، بل عبر السلاح، بالاقتتال الذي حصل في العام 2007، الذي أسفر عن طرد حماس لحركة فتح من قطاع عزة، وتحول السلطة الفلسطينية إلى سلطتين، وهذا ما دل بالدم أن الفلسطينيين ليسوا محصنين ضد الاقتتال الداخلي.

لم يعرف الفلسطينيون في تاريخهم الحديث لا الديمقراطية ولا المؤسسات، لأنهم أصلاً لم يعرفوا الدولة بعد، والانتخابات التي عرفها الفلسطينيون، هي انتخابات محدودة، لا تصنع تقاليد الديمقراطية، وكأننا ديمقراطية عريقة، كما تصور دعوات الفصائل حالنا في دعواتها لإجراء انتخابات فلسطينية. كما لم يعرف الفلسطينيون المؤسسات في تجربة منظمة التحرير، وطن المنفى، فكل الحديث عن «ديمقراطية غابة البنادق» كان صياغات دعائية، وما عرفته الديمقراطية الفلسطينية هو «ديمقراطية الكلام» وكانت هذه «ديمقراطية» بحكم الشتات، فلم تكن القيادة الفلسطينية في تلك الأيام قادرة على احتكار وسائل العنف، وممارسته على الفلسطينيين في المنافي أو الوطن. لقد كانت التجربة الفلسطينية المعاصرة باهرة في وطنيتها وبمقدرة الشعب الفلسطيني على التضحية والتمسك بحقوقه، ولكنها لم تكن باهرة بأدائها المؤسساتي، ولم تعرف الديمقراطية التي طالما تباهى الفلسطينيون بها.

لا أقصد مما سبق أن الفلسطينيين لا يصلحون للديمقراطية، ولكن لا يمكن التعامل معها في الواقع الفلسطيني الخرب بوصفها واقعاً منجزاً، فهي تحتاج إلى بناء، وعندما تبنى تحتاج دوماً إلى حماية، فالمتصارعون في الساحة الفلسطينية، لم يروا أنهم هدموا بذور الديمقراطية، باقتتالهم الداخلي 2007 لتغيير نتائج الانتخابات الديمقراطية. وليس هناك أي مؤشرات لبنى ديمقراطية في السلطتين في غزة أو في الضفة الغربية، لم نرَ هذه الديمقراطية في الحياة الداخلية لحركتي حماس أو فتح، ولم نرَ أي ممارسات ديمقراطية للسلطتين خلال ثلاثة عشر عاماً من قبض كل منهما على السلطة في جزء من السلطة المحكومة بالاحتلال. يبدو أن الطرفين يعتقدان أن الديمقراطية «صندوق اقتراع» فقط، ليس هناك قبله أو بعده ما له علاقة بالعملية الديمقراطية، من بنى مؤسسات وثقافة وحريات إعلام، وحرية إبداء الرأي والتجمع… الخ من متطلبات البنية التحتية للديمقراطية. ولا يدركون أن الديمقراطية والمؤسسات تبنى على وطن ناجز ومستقل، وبحاجة إلى حماية بشكل مستمر. وطالما أن القوى السياسية الفلسطينية لم تتوافق على الآلية الديمقراطية التي تحل الخلافات وتمنح المشروعية، فإن هذه الآلية لا يمكن القول أنها منجز فلسطيني، ولا يمكن القول أن الانتخابات القادمة، هذا إذا تمت، ستكون حلاً للمعضلات والانقسامات الفلسطينية القائمة. هذا عداك عن أن الانتخابات الفلسطينية، ليست قراراً فلسطينياً داخلياً، ولا يمكن لهذه الانتخابات أن تكون دون موافقة إسرائيلية ورعاية دولية. واليوم، لا احد مشغول من الخارج بالوضع الفلسطيني. ولأن الطرفين يعرفان ذلك فهما يتحدثان عن إجراء انتخابات غير قابلة للانجاز. إنما كلام تحاول الفصائل من خلاله ملء الفراغ التاريخي الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، وهي لا تملك سوى الكلام، والكلام لا يقدم ولا يؤخر، إنما يعمق المأزق الفلسطيني ليس إلا.

 

 

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: سمير الزبن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *