التطبيع مع الدول الإسلامية – هل ستكون البداية من باكستان؟


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

في سؤال وجهته لوزير الخارجية الباكستاني بلاول بوتو زرداري، أثناء زيارته لمقر الأمم المتحدة يوم 19 مايو، حول إمكانية قيام بلاده بالتطبيع مع الكيان الصهيوني قبل أن يحقق الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لاحظت أن الوزير راح يتغزل في حب بلاده وشعبها للشعب الفلسطيني، كما أطنب في سرد العلاقات المميزة بين والدته المرحومة بنظير بوتو وجده القائد التاريخي علي بوتو والمرحوم ياسر عرفات، لكنه تجنب الإجابة عن السؤال المباشر حول التطبيع، ما أدى إلى «دخول الفار في عـِبّي» كما يقول المثل الفلسطيني، أي تسرب الشكوك إلى تفكيري حول مدى التزام حكومة شهباز شريف بموقف حكومة عمران خان الصلب والمبدئي، حول استحالة التطبيع مع إسرائيل، أو الاعتراف بها إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والمترابطة وذات السيادة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف.

التطبيع من نافذة الصحافة

الغريب في الأمر أن أقرأ خبرا بعد أيام قليلة من هذا اللقاء حول وصول وفد صحافي باكستاني إلى إسرائيل، فأعدت تفسير كلام الوزير وتجنبه الكلام عن التطبيع، لأتأكد أن هناك نوايا للتطبيع وقد يكون هذا هو الثمن الذي ستدفعه حكومة شريف مقابل المؤامرة الدولية لإسقاط عمران خان، أول رئيس وزراء باكستاني يأتي من عامة الشعب، ولا ينتمي إلى عائلات باكستان الكبرى التي استحوذت على السلطة والجيش والوظائف الرفيعة والعلم والصحة والاستثمارات. بحساب بسيط، مقابلتي مع الوزير كانت يوم الخميس 19 مايو وصور الوفد الزائر يوم 14 مايو. إذن كان يعلم الوزير أننا ونحن نتكلم عن التطبيع كان هناك وفد تطبيعي استكشافي في زيارة للكيان، بعد يوم أو يومين من اغتيال الشهيدة الأيقونة شيرين أبو عاقلة، التي أثنى عليها الوزير وأرسل تعازيه الحارة لأهلها والشعب الفلسطيني عبر «القدس العربي».

لقد نشرت الصحف الإسرائيلية صورة للوفد الصحافي الباكستاني الذي زار الكيان يوم 14 مايو 2022 والتقى بالمسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم الرئيس الإسرائيلي. ومن نافل القول إن وفدا صحافيا كبيرا كهذا لا يمكن أن يزور الكيان الصهيوني إلا بضوء أخضر من حكومة الشريف، وبعلم وموافقة وزير الخارجية الشاب، خاصة أن من بين الوفد مقدم البرامج الشهير على التلفزيون الرسمي أحمد قرشي، الذي تبنى رواية حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن اغتيال شيرين أبو عاقلة. وقد أثارت هذه الزيارة ردود فعل واسعة لدى المجتمع الصحافي الفلسطيني، تستنكر الزيارة وتحذر من الاستمرار على هذا النهج، خاصة أن زيارة الوفد الصحافي تمت بالتزامن مع جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة، وهو نوع من «المشاركة في اغتيالها وسلوك خارج العلاقة التاريخية بين فلسطين والشعب الباكستاني» كما جاء في بيان رسمي لكتلة الصحافيين الفلسطينيين. ولأنني عملت في باكستان وأعرف الشعب الباكستاني عن قرب ومدى تمسكه بفلسطين وكشمير، فأنا واثق من أن هذه الخطوة لا يمكن أن تتم إلا في السر ويتم نفيها رسميا عند افتضاحها، كما جاء في بيان الخارجية يوم 30 مايو، رغم أن الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، أثنى عليها في منتدى دافوس.

إسقاط حكومة عمران

لقد شكل تيار عمران تحت عنوان «إنصاف» طريقا ثالثا استطاع الباكستانيون أن يختاروا بديلا نظيفا لحزب «الرابطة الإسلامية» المحافظ بزعامة البنجابيين، وعلى رأسهم نواز شريف الذي دخل السجن أكثر من مرة بتهم الفساد، و»حزب الشعب الباكستاني» يساري الهوى لأصحابه آل علي بوتو وابنته بنظير والآن ابنها بلاول. وكلا الحزبين له تحالفات مع العسكر، الذي كان تاريخيا يطيح بأي حكومة منتخبة ويتسلم زمام السلطة، كما فعل ضياء الحق مع علي بوتو عام 1977 وبرويز مشرّف مع نواز الشريف عام 1999. وقد تعاون مشرّف مع الولايات المتحدة بشكل مطلق فيما سمي بالحرب على الإرهاب، وكذلك الحرب على أفغانستان. وبقي هذا التعاون مستمرا بين الحكومات المتعاقبة والمتداولة بين الحزبين الأساسيين، إلى أن خاض عمران الانتخابات عام 2018، حيث حصل على 110 مقاعد من أصل 269 وبالتالي انتخب رئيسا للوزراء ليكون أول من يحتل هذا المنصب من خارج الأحزاب التقليدية، ثم يعمل في السنوات اللاحقة على إعادة صياغة العلاقات الخارجية، خاصة مع الولايات المتحدة. كانت سنوات عمران مختلفة، فهو إنسان نقي أنشأ عدة مرافق صحية على حسابه الخاص، نظيف اليد بليغ اللسان يتمتع بشخصية تضع كرامة البلاد فوق كل شيء. لم يكن ليقبل أن تظل بلاده رهنا للسياسات الأمريكية وأرضا مستباحة قابلة للانتهاك تحت حجة محاربة الإرهاب. كانت خطاباته بين عامي 2019 و2021 في الجمعية العامة من أفضل الخطابات، في رأيي، بلاغة وقوة حجة في الدفاع عن كشمير وفلسطين ومناهضة الإسلاموفوبيا وانتقاد سياسات الهند العنصرية ضد المسلمين، وانتقاد الدول الغربية وكيلها بأكثر من مكيال عندما يقتل المسلمون في كشمير وفلسطين وميانمار واليمن وسوريا. كما أنه أخذ موقفا معتدلا من طالبان خلال حربها وبعد انتصارها، وفتح المطارات والحدود للمساعدات الإنسانية واقترب أكثر من سياسات الصين والاتحاد الروسي، ما أغضب الولايات المتحدة وعملاءها في المنطقة. لقد بدأ وضع العراقيل أمام عمران خان منذ انتخابه، وساهم في ذلك بعض دول النفط. فقد تم إفشال القمة الإسلامية المصغرة التي دعت إليها ماليزيا في ديسمبر 2019 والتي تضم تركيا وقطر وباكستان وإيران وباكستان وإندونيسيا. ووصلت تهديدات قاسية لكل من أندونيسيا وباكستان بدفع ثمن باهظ إذا حضرتا القمة المصغرة، ما اضطر عمران خان وجوكو ودودو أن يتراجعا عن الحضور في اللحظات الأخيرة. والأدهى من هذا أن الإمارات استثمرت في المنشآت النفطية الهندية ما يزيد عن 17 مليار دولار مباشرة بعد إعلان الهند إلغاء الوضع الخاص لكشمير وضمه للهند بتاريخ 5 أغسطس 2019.

الولايات المتحدة، لا شك، لعبت دورا أساسيا في إسقاط عمران، فقد حاولت ثنيه عن زيارة موسكو يوم 24 فبراير الماضي، يوم غزو روسيا لجارتها أوكرانيا، من دون نجاح وقام بالزيارة. كما تحفظ عمران في إدانة الغزو الروسي، ولذلك بدأت إجراءات العزل من خلال البرلمان عبر التصويت على طرح الثقة في حكومته. لقد شعر عمران بأن هناك مؤامرة أمريكية للإطاحة به، فتحدث مع الشعب الباكستاني عبر التلفزيون الرسمي قائلا: «إنني تلقيت رسالة تهديد من أمريكا، لقد هددت أمريكا بإسقاط حكومتي لأنني رفضت إقامة قواعد عسكرية لها على أرضنا، وقد طلبت من وزير خارجيتنا أنه ومع ازدياد التوتر فإن عليه تعزيز العلاقات مع الدول الصديقة. إن الشعب المسلم لا يمكن أن يصبح عبداً للأجانب، وإذا ما صوت البرلمان على عزلي، فإنني لست فقط لن أستقيل، بل وسأرجع بقوة أكبر فإننا نتعرض لمؤامرة دول أجنبية، لكننا سنقاوم ولن نستسلم لها وسنقوم بإسقاطها بإذن الله». لكن عمران تقبل التصويت يوم 10 أبريل داخل البرلمان وتنازل عن السلطة، لكنه لجأ إلى أنصاره الذين يعدون بالملايين والذين أطلقوا مظاهرات عارمة ومتواصلة في كل أنحاء باكستان وبدأت الحكومة الجديدة تشعر بأنها محاصرة في العاصمة التي سدت الشرطة المنافذ إليها من كل الجهات. كل ما يطالب به عمران خان هو إجراء الانتخابات مبكرا و»ليفز من يستطيع الفوز فيها». إلا أن حكومة شريف الهشة تخشى الانتخابات لعلمهم الأكيد أن عمران عائد وبقوة دفع أكبر ليثبت لأمريكا وغيرها أن «باكستان ليست السرطان لأمريكا» كما أطلق عليها باراك أوباما عام 2009 لتعليل هزيمة الولايات المتحدة، وهو ما تأكد فعلا لا قولا عام 2021 عندما هرب جنود اليانكي وعملاؤهم متعلقين بأجنحة الطائرات بينما كان عمران يتأمل الموقف كما فعل سيف الدولة في معركة الحدث الحمراء «ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ».

تناسى الحزبان الكبيران خلافاتهما العميقة تاريخيا وتوحدا بناء على الضغوط الخارجية الأمريكية والعربية وأسقطا حكومة عمران التي تميزت بنظافة اليد والتمسك بكرامة الوطن. وهذا ما لا يعجب شيوخ الفساد في باكستان وخارجها.

نعود إلى موضوع الوفد الصحافي الذي زار الكيان الصهيوني ولا نجد له تفسيرا إلا أنه ثمن للجهود التي قادتها الولايات المتحدة وعملاؤها العرب لإسقاط حكومة عمران خان، الذي جعلت من كشمير وفلسطين والإسلاموفوبيا هاجسه الأول.. فدفع الثمن. نخشى على عمران من الاغتيال أو تلفيق تهمة الفساد على طريقة تهمة محمد مرسي بالتخابر مع حماس للتخلص منه، لكن إذا ظل التنافس شريفا فسوف نراه عائدا إلى سدة الحكم محمولا على أكتاف الملايين من أبناء وبنات شعبه العظيم.

عن القدس العربي

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: عبد الحميد صيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *