‫اجتماع الأمناء العامون: قصة قديمة جديدة

يسعى أطراف المعادلة الفلسطينية الظهور بصورة الحريص والمتفائل بقرب الوحدة، والاجواء الاحتفالية، ويحاول كل طرف من أطراف المعادلة تحويل هزيمته من خلال الكلمات الافتتاحية التصالحية من المنتظر الى منتصر، مع أن المتتصر منهم ومنا مهزوم، وهم يدركون ان الاجتماع هو اجتماع الضرورة تحت ضغط احتياجاتهم ومصالهحم، وان تصفية القضية الفلسطينية وسحقهم مطروح على طاولة أطراف دولية واقليمية، في ظل تبلور ووضوح الصراع الاقليمي وأجنداته.

لم يحاول اطراف المعادلة خاصة الطرفان الرئيسيان الإقرار بالهزيمة ويأسهم وعدم قدرتهما على تحقيق اي من أهدافهما، وإفرازات الانقسام الكارثية وأنهما وصلا لطريق مسدود ولا سبيل الا الشراكة السياسية الحقيقية، والاعتراف علنا ان الهزيمة طالت الكل الفلسطيني وقضيتهم.

ولم يعد يعنيهم الاعتذار للشعب الفلسطيني وإجراء مراجعات نقدية للتجربة الفاشلة والمأساوية والتأسيس لمرحلة حديدة واعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وبناء منظمة التحرير ومؤسساتها.

يبدو أن الجميع لم يدرك قدراته وإمكاناته ونقاط ضعفه، وان هناك متغيرات متسارعة تجري، أطراف عديدة لديها القدرة على التأثير في مجريات الأمور، ويعيش الناس أجواء من الحيرة والبلبلة السائدة على مصير المصالحة والخوف من الفشل، ويتراجع يقينهم وثقتهم بأطراف الانقسام، خاصة وأنه لا خطوات عملية على الأرض تعيد للناس ثقتهم بطرفي الانقسام.

مع تمسك كل طرف برؤيته السياسية ولا يوجد مؤشر حقيقي على إتمام المصالحة على أساس الوحدة الوطنية، وفتح ورشة عمل كبيرة و حقيقية لإعادة بناء المشروع الوطني وترميم الشروخ الكبيرة الذي صدعته، والاتفاق على إستراتيجية وطنية على أساس كفاحي مقاوم للاحتلال، وإعادة الاعتبار للمجتمع الفلسطيني الذي تمزق نسيجه على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وفقد الثقة بالنظام السياسي الفلسطيني والقائمين عليه.

قد يكون حظر التجول المفروض لمواجهة كورونا قد اجبر الناس لقضاء وقت مستقطع من الملل الوطني العام، ومتابعة المهرجان الخطابي، وهم يوجهون الأسئلة الكبيرة، ولم يتفاعلوا بشكل جدي مع نتائج المؤتمر، عند يتعلق الامر عن تشكيل اللجان، ويتساءلون عن مدى جدية الطرفين، وهل ستعالج كل القضايا الوطنية واعادة الاعتبار للحركة الوطنية وان للفلسطيين حركة تحرر وطني وليس سلطة لم تميز نفسها عن اي نظام عربي مستبد!

وما هو مصير السلطة الوطنية؟ والقدرة على الفصل بين مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، وكيف ستجرى الانتخابات وأي انتخابات؟ وهل الانتخابات للسلطة أم في جميع مؤسسات الشعب الفلسطيني التمثيلية؟ وأي برنامج سياسي، واي مقاومة؟

وهل سيمنح الفلسطينيون فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ما دمره الاحتلال، والتفكير بصوت عال ومراجعة حقبة من الزمن أرهقتهم، وأثخنتهم قتلاً وجراحاً لم تلتئم؟ وهل ستبقى غزة الجبهة الوحيدة لمقاومة الاحتلال؟ وبألياتها النضالية والقذائف الصاروخية وهل ستبقى غزة حقل تجارب لكل شيء؟ و لماذا لم يتم حتى الآن اتخاذ خطوات عملية لإنهاء الانقسام والإفراج عن المعتقلين السياسيين؟ ولماذا الاستمرار في تقييد الحريات العامة و حرية الرأي والتعبير، واحترام حقوق الإنسان الفلسطيني؟

الإجابة على الأسئلة وعدم الهروب منها وتأجيلها، هي خطوة أولى على طريق إتمام المصالحة والوحدة الوطنية، ومواجهة الاحتلال وإقامة دولتهم من أجل الحرية والاستقلال، ووهم القرار المستقل الذي عانى الفلسطينيون كثيرا، ولم يستطيعوا التمسك به جراء تحالفاتهم وثقتهم بوعود دولية وإقليمية مزيفة، ورهنوا أنفسهم بأنظمة باعت شعوبها من أجل مصلحة حكامها وأجنداتهم الشخصية، وارتباطهم بالمشروع الأمريكي الإسرائيلي.

مواجهة التحديات الداخلية التي ستجابه الفلسطينيين، قبل الخارجية المتمثلة بصفقة القرن وتصفية القضية، والتهديد والابتزاز الامركي والإسرائيلي، والانقسام العربي، وتخاذل وجبن الموقف الأوروبي.

الاسئلة كثيرة ولم يملك اي منا تقديم حلول جامعة، في ظل مرحلة طويلة من الترهل وحالة التهميش والاقصاء وغياب القيادة الجماعية وتراجع العلاقات الوطنية وتشكيل الاسطفافات والولاءات والتفكير الجماعي الناقد، وتقديم رؤية سياسية وطنية تعمل على تفكيك العلاقات الانقسامية وتحديد رؤية توازن بين الممكن وغير الممكن في ظل الواقع العربي والفلسطيني المأزوم والعلاقات الدولية والاقليمية ومواجهة التحديات داخليا وخارجيا.

اجتماع الامناء العامين قصة قديمه وجديده لم تتغير، ولم يغير شيئ، ولم يطرح القضايا المركزية للنقاش الجدي، والخوف قائم من بقاء طرفي المعادلة وانهما هم من يحددا مسار المصالحة، إن تمت! الاهم هو البدء فورا اتخاذ خطوات حقيقية لبدء المصالحة الحقيقية المبنية على الحقيقة والمصالحة والمكاشفة، والأهم حفظ كرامة الناس وصيانتها واحترام حقوق الإنسان الفلسطيني وإعادة الاعتبار له.

معيار نجاح المؤتمر ومخرجاته هو البدء فوراً في العمل، فمن غير المعقول الانتظار كل هذه الفترة من الزمن، والعودة مرة أخرى لتشكيل لجان كانت شكلت في السابق، وتم الاتفاق على وضع الأسس لها، فالأصل البدء فورا التخلص من تركة الانقسام ونتائجه.

الانتظار لبدء عمل اللجان، فهذا لا يبشر بخير، يجب إقناع الناس بجدية الفصائل والقيادة من والاعتداء على الحريات واستمرار الاعتقالات وعدم الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، وعدم قمع الناس من التعبير عن أرائهم بحرية من خلال التجمع السلمي والاعتصام والتظاهر. امتلاك اللحظة والحس الوطني والبدء بالتطبيق الفوري للاتفاق، لتوفير طاقات الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ودحره، وصولا للحرية وعودة اللاجئين والاستقلال واقامة الدولة بمشاركة الكل الفلسطيني.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *