يتعين على جانبي الحدود أن يفهما: لقد انتهى عصر الإحتواء
في بداية المعركة، وربما الحرب، في الشمال يجب أن نعترف بأن حزب الله يهدد إسرائيل على جبهتين . الأولى هو تهديد كامل الجبهة الداخلية والبني التحتية العسكرية والمدنية في إسرائيل، وذلك باستخدام الصواريخ الثقيلة والدقيقة بعيدة المدى التي راكمها حزب الله . والثانية هي الجبهة الحدودية حيث يهدد حزب الله بواسطة قوة الرضوان والاسلحة ثلاثية المسار والمسيرات والصواريخ المضادة للدروع المستوطنات الحدودية وسكانها . وفي حين أن التهديد الموجه للجبهة الداخلية الإسرائيلية لم يتحقق بعد ، فقد نجح حزب الله على الجبهة الحدودية في إنشاء قطاع أرض محروقة داخل الأراضي الإسرائيلية حيث تم إجلاء 60 ألف نسمة من سكانها منذ مايقارب عام ويعيشون خارج منازلهم ، وتتعرض المنطقة للتدمير والاحتراق أكثر فأكثر كل يوم.
في قرار لمجلس الوزراء الاسرائيلي قبل حوالي أسبوعين، حددت الحكومة الإسرائيلية أن الغرض من الحرب ليس إزالة التهديدين اللذين يشكلهما حزب الله على إسرائيل، بل واحد منهما فقط: التهديد على سكان ومستوطنات الشمال، وهذا يصل عمليا حتى خط حيفا. وهذا ليس صدفة. فلكي يتمكن الجيش الإسرائيلي من التعامل مع التهديد الشامل للجبهة الداخلية الإسرائيلية والقضاء عليه، سيتعين على دولة إسرائيل الشروع في حرب شاملة ستكون طويلة الأمد وتدفع فيها ثمنا باهظا من الخسائر والأضرار الاقتصادية على الجبهة الداخلية وعلى الجبهة الحدودية ، ومن المحتمل جدًا أن يجر ذلك أيضًا إيران ووكلائها الآخرين إلى المشاركة المباشرة في الحرب.
أوضحت إدارة بايدن-هاريس لإسرائيل عدة مرات في الأيام الأخيرة أنها لا تريد أن تفتح إسرائيل حربًا شاملة، لأنها ستشعل حربًا إقليمية ستضطر الولايات المتحدة إلى المشاركة فيها ، و سترفع أسعار النفط في السوق العالمية ويمكن أن تؤدي إلى خسارة كامالا هاريس في الانتخابات . كما أن حزب الله ورعاته لا يريدون حرباً شاملة، ويدرك نصر الله أن لبنان وبنيته التحتية سيتعرض لدمار رهيب والشعب اللبناني، بما في ذلك الطائفة الشيعية، سيحملون حزب الله مسؤولية الكارثة التي ستحل بهم.
بالإضافة إلى ذلك، ترى إيران أن الصواريخ الثقيلة التي ستوجه إلى المطارات التابعة للقوات الجوية ومطار تل أبيب مخصصة لردع إسرائيل من مغبة مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية – لذلك فإن إيران مهتمة جدًا في أن لاتؤدي الحرب الحالية بسبب حماس في غزة إلى الإضرار بالمصالح الحيوية للأمن القومي الفارسي . وطالما أن الجانبين والقوى العظمى الراعية لهما لا تريد حرباً شاملة، فمن المرجح أنها لن تحدث، وبالفعل فإنه يتضح من سلوك الطرفين حتى الآن، أن هذا الاعتبار مركزي في بيروت كما هو في القدس .
وفي مقابل ذلك ، قررت إسرائيل إطلاق حملة عسكرية دبلوماسية متكاملة بالتعاون مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق الهدف المعلن للحرب: إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان .”الفكرة” هي مواصلة الضغط العسكري المكثف على حزب الله وفي الوقت نفسه الحفاظ على جهود الوساطة الدبلوماسية – ويفضل أن تكون سرية – من أجل التوصل إلى صيغة تسمح لإسرائيل بالحصول على الأمن لسكان الشمال وتسمح لنصر الله بابعاد قواته وأسلحته الثقيلة عن حدود إسرائيل دون أن يظهر وكأنه خضع ويخسر هيبته بالكامل في العالم العربي.
هذه مهمة ليست سهلة، ولكنها ممكنة، خاصة إذا استمر الجيش الإسرائيلي في الحرص على ثلاثة مبادئ : المبادرة، والاستمرارية، والسيطرة على التصعيد ، وإذا أدار الأميركيون في موازاة ذلك – وربما حتى من خلال وسطاء عرب غير معلنين – مفاوضات دبلوماسية للوصول إلى تسوية تكون مقبولة من الطرفين . أما بالنسبة للضغط العسكري، فإن التجربة تدل على أن حزب الله يكون مستعداً للتحدث فقط عندما يكون هناك خطر حقيقي على سلامة أراضي لبنان وعلى أمن ورفاهية أبناء الطائفة الشيعية الذين يشكلون الأغلبية في لبنان.
لقد تم بالفعل اتخاذ المبادرة لهذه العملية، وبدأ من يوم الثلاثاء الماضي ونحن نرى المزيد والمزيد من العمليات الحربية الاخذة بالتعاظم . وحاليا يجب الحرص على المبدأين الآخرين . أولًا: الاستمرارية: عدم السماح للعدو بالتنفس، ومفاجأته بأي طريقة ممكنة . وهذا سيتيح المجال أيضاً لتحقيق المبدأ الثالث، وهو السيطرة على التصعيد: حيث تثبت التجربة العسكرية من حروب الماضي أن الطرف الذي يستطيع الاستمرار في التصعيد بعد تحول الجانب الآخر إلى القتال السلبي عادة ما يفوز بالمعركة أو الحرب. وقد طرح الجيش الإسرائيلي على المستوى السياسي سلسلة من الخطط التي أعدها سلاح الجو وشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي منذ عدة سنوات، وهي تسمح للمستوى السياسي بالمصادقة على مرحلة أخرى في التصعيد المبادر والمستمر . و إذا استمر هذا دون إهمال القتال في قطاع غزة ودون تخفيف الضغط على الاوساط الإرهابية في الضفة الغربية ، فهناك احتمال أنه خلال عدة أسابيع – نعم، ليس أقل من عدة أسابيع – سيكون نصر الله ورعاته الإيرانيون أكثر إصغاءا للمقترحات التي سيقدمها لهم الوسطاء سرًا للحفاظ عليهم من فقدان كرامتهم المهمة جدًا في العالم الإسلامي .
و في حال لم تكن الضربات الجوية والمدفعية كافية لإقناع نصر الله بالدخول في مفاوضات جادة حول التسوية، فإن بإمكان إسرائيل التصعيد أكثر بواسطة مناورة برية. ومن المعقول افتراض أن يقوم الجيش الإسرائيلي بالمناورة في لبنان باسلوب عمل مشابه جدًا لمناورة دخول غزة في أكتوبر 2023. بحيث يستقر الجيش الإسرائيلي على خط ما، وبعد ذلك ستوضح إسرائيل والولايات المتحدة لنصر الله أن الانسحاب من هذا الخط سيكون فقط بتسوية . وحينها سيكون من الأسهل على نصر الله أن يبتلع الحبة المرة ، لأن الجيش الإسرائيلي سيكون في وضع يسمح له بتفكيك البنية التحتية والقدرات العسكرية لحزب الله في جنوب لبنان.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، سيكون من الممكن إعادة سكان الشمال الأسرائيلي إلى منازلهم والبدء في ترميم الدمار . و إذا لم يوافق نصر الله، فإن الطريق سيكون مفتوحاً أمام إسرائيل للتصعيد إلى حرب شاملة . هناك احتمال جيد لنجاح خطة الهجوم هذه على مراحل، ولكن بعد التوصل إلى تسوية عبر المفاوضات الدبلوماسية، سيأتي الاختبار الحقيقي للحكومة الإسرائيلية: وهو فرض التسوية إذا لم يحترمها حزب الله، والصرامة التي ستعالج بها كل خرق للتسوية. ويجب على الحكومة في القدس أن تفهم أن عصر الاحتواء قد انتهى، حتى لو تم التوصل إلى تسوية مرضية .
المصدر:يديعوت احرونوت