يا إلهي، ما أغرب الحب! ما أغرب الثورة!
كانت فكرة الثورة من أكثر الأفكار الجذّابة التي سحرت علقي، أنا الشاب المفعم بالطاقة وكل أسباب التمرد. من الريف الفلسطيني حيث ينمو الإنسان مثل الفطر بين الصخور خرجت إلى العالم. بدت الثورة قصيدة غنائية، كلماتها يافطات في مسيرة عظيمة تشق التاريخ صوب محطتها الأخيرة: محطة الخير والحق والعدالة.
والثورة كالحب، غامضة وملتبسة، مرغوبة عبر الأزمنة، تشحن مريديها بالحماسة الزائدة، يغيّب العقلُ المنطقَ، وترفرف الأحلام بأجنحتها الملونة فوق مسيرتنا في الحياة. كم هائل من السذاجة والغباء العقلي وعدم النضج يسوس العشاق والثوّار. هذا ما أفكر به الآن!
ربما حظوظي قليلة في الحب والثورة. فما كنت قيس بن الملوّح أشكو تباريح الهوى، ولا شخصية هاربة من إحدى روايات ماركيز، وفشلت في أن أكون تشي غيفارا أجوب الغابات في الكاريبي أغني للحرية والإنسان، أنا ما أنا عليه، لم أتخلص من حالة اللايقين، وما زالت الأسئلة كلابي الضالة التي تطاردني: ما الحب؟ ما الثورة؟ ما الوحدة؟ ما الإنسان؟
مع الوقت تخففت من رومانسيات الثورة، بالعكس لم يعد عندي رغبة في تغيير العالم، بوسعكم أن تخبروا كل فروع المخابرات لينام المخبرون ويرتاح العسكر!
ولم أعد أبحث عن الحب، فالصياد داخلي رمى أسلحته وسط المعركة، وانسحب ليقرأ كتاب “كيف تصبح طاهيًا؟”، فلتذهب البنات الساهرات المنتظرات تحت ضوء القمر إلى أسرتهن الوثيرة، ما عدت أحضّر القصائد والورود والهدايا الجميلة ككمائن حب!
ما عدت أنا والحب والثورة أصدقاء، تفرقت بنا السبل، مع ذلك أفكر جديًّا بتأسيس جمعية مناهضة الحب والثورة، نقاتل لتعريتهما من الهراء والأكاذيب: الوعود وكلمات الحب الكبيرة، الكبيرة لدرجة أن أصحابها لا يصدقونها.
هكذا، يرجع الحب بريئًا يغطي وجهه خجلًا، ويداري ضحكاته إن مر به عابر قرب النهر، وترجع الثورة إلى نقائها الأول، طفولية الأسئلة: لماذا تسقط التفاحة، فنسقط معها؟
يا إلهي، ما أغرب الحب! ما أغرب الثورة!