وهل الطريق إلى القدس تمرّ من كييف، أيضاً ؟
ـ لا يهمّ ماذا تقول موديلات التحليل في “العلوم السياسيّة” عن غزو روسيا بوتين لأوكرايينا ـ المهمّ كيف أفكّر أنا نفسي بهذه المحنة. ولا يهمّ إذا كان موقفي يغيّر أو لا يغيّر مسار الدبابات الروسية المتوحّشة ـ مهمّ أن يقف الإنسان الفرد حيثما هو مع شعب أوكرايينا ضد الغزو ـ مهم للضحايا أن يعرفوا أننا نقف معهم ومع حقهم في مقاومة الغزو الروسيّ.
ـ عظمة غورباتشوف في أنه جاء إلى دولة السوفييت وأهلها وقال لهم ـ أنتم المتغطرسون المتبجحون كقوة عُظمى أنظروا إلى حمامتكم فليس فيها ورق تواليت، وانظروا إلى حوانيتكم فهي فارغة. أعاد الروس إلى حجمهم الطبيعيّ على أمل أن يبنوا دولة حقيقيّة غير متضخّمة وغير مزوّرة. وجاء بوتين ليُعيد إنتاج “النزعة السوفيتيية ـ القيصريّة” بجيش له دولة في خدمة الأوليغارخيا.
ـ روسيا بوتين هي دولة في قبضة الأوليغارخيا (الدوما مملوك لهم بنسبة 90% وكل مؤسسات الدولة) مثلما الرأسمال يتحكّم بدول مفتاح في هذا العالم. والأوليغارخيا كما الرأسمال تريد أن تمتلك كل شيء وتُخضع كلّ شيء بما فيه أوكرايينا الواعدة الغنيّة بالموارد والخبرات ـ والانضمام لحلف الناتو حجّة.
ـ مصطلحات مثل “الأمن القومي” و”المناطق الحيوية والاستراتيجية” شكّلت وتُشكّل حجّة للدول القوية أن تغزو وتهتك وتدمّر وتقبض على روح بلاد وشعوب ـ من العراق إلى سورية إلى شبه جزيرة القرم وأوكرايينا الآن وفلسطين أمس، وليبيا واليمن إلى آخر القائمة.
ـ لا يهمّ مَن ينتصر (يقولون لا أحد ينتصر في الحرب) ولا مزايا بوتين أو ميوعة بايدن ـ المهمّ والأهمّ هو الشعب الأوكراييني وسلامته وحقوقه في بلده وإرادته كشعب يرى في هذه المرحلة ما يرى. مَن لا يقف مع الشعب الأوكراييني ومع إرادته ضد غزو روسيّ همجيّ ـ يكون حفر قبر شعبه بيديه وأفكاره.
ـ وأنا أنظر إلى حقوق الشعوب في كيانات ودول وإرادة مستقلّة لا يهمني أبدأ ما يُفكر الغرب أو الشرق أو العرب العاربة أو الشيطان الرجيم. حقوق الشعوب أهمّ ألف مرة، وفي كلّ مكان من العالم، من رغبات وطموحات “قياصرة” ورؤساء عصابات الدول المتنفّذة. سكوت العالم عن الغبن التاريخي بحق فلسطين وعُهر إسرائيل لا يزحزحني قيد شعرة عن هذا الموقف الأساس.
ـ لا يزال أخوة لنا عرب هنا في حيفا وسائر الجليل وباقي فلسطين ممن تسكنهم قضيّة شعبهم الفلسطيني لفظًا على الأقلّ ـ تائهون في هوّة النظريات والعقائد التي بادت فنراهم يرشون الورد والأرزّ على طريق الدبابات الروسيّة وهي ذاهبة إلى دكّ شعب آخر (وفعلت ذلك في الشيشان والقرم وسوريّة من قبل). ربّما هنا أيضا يعتقدون أن تحرير القدس يمرّ من كييف وكان نظام الملالي أكّد لهم أنها تمرّ عبر خطف بيروت وبغداد وصنعاء وتدمير اليرموك والحاضرة السوريّة.