نصف العمر عشته في لبنان .. ولي من حمولة الذاكرة اللبنانية ما يفيض عن قدرة الحكايا في ثرثرة السرد المصاب بعلة الاسهاب .

ولي في بيروت صباح الشرفات المزركشة بفضول النباتات المنزلية ، حين تتواجه البنايات البيروتية في الشوارع الضيقة لتشرب قهوتك الصباحية مع شرفات كل جيران الحي .

تقريبا نصف قرن من الزمان و زميلة عمل لبنانية ” تتعنتر ” عليّ بمنقوشة زعتر صباحية يصنعها فخامة الفران أبو فؤاد في مخبز تكاد ان لا تراه بالعين المجردة في شارع المكحول في رأس بيروت .. ..

وكان لا يحلو لها النقاش الصباحي ونحن نقضمها على شاطئ المنارة الا بالتغزل بإبداع مناقيش أبو فؤاد ، وتختتم حفلة الغزل بالعبارة اللبنانية الشهيرة ” واو ” ” بتعئد ” بتعقد !

ومن يومها وأنا مصاب ” بعقدة ” أبو فؤاد ومناقيشه يوم كانت مقاهي بيروت لا تكف عن النقاش المحتدم حول مستقبل لبنان بين ” سويسرا الشرق ” ، و ” هانوي العرب .. ” ..

وحده كان أبو فؤاد ” نقاش ” بيروت المفيد بمنقوشة زعتر ينقش بها صباح بيروت كل يوم ، ويتركني بين يدي زميلتي اللبنانية على شاطئ المنارة تتعنتر علي بمنقوشة زعتر لا تأبه لكل هذا الجدل في مقاهي بيروت ..

وجاء شارون بعد سنوات من المنقوشة ، وحاصر بيروت وركبنا السفن اليونانية وتركت زميلتي اللبنانية تقضم منقوشتها وحيدة ، وبيروت ماتزال لم تحسم أمرها بين سويسرا الشرق وهانوي العرب .

في مثل هذه الأيام كانت بيروت تودعنا في الملعب البلدي وتنثر فوق رؤوسنا رزا ورصاصا .. وتأخذنا الى مرفأ بيروت وتسلمنا للبحر .

كان شارون في برج المر المقابل للمرفأ يراقب خروجنا بالمنظار العسكري .. وكان البحر يأخذنا الى منافٍ جديدة وحدها شمس آب اللهاب كانت تتصبب فوق رؤوسنا ورأس بيروت في الوداع الأخير لجمهورية الفكهاني .

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *