لم يكن شاعراً مرهف الإحساس، خلّف لنا 12 ديواناً شعرياً، وكاتباً ترك لنا سيرة روائية جميلة “رأيت رام الله” صدرت في طبعات وترجمات عدة، وحازت جائزة نجيب محفوظ للآداب، فحسب، وإنما كان، في الأساس، مثقفاً نقدياً حذر من انشغال الفلسطينيين عن صراعهم المصيري ضد الصهيونية ومشروعها بقضايا ثانوية، ورفض تجزئة الشعب الفلسطيني الواحد، واعتبر أن رواية الفلسطيني التاريخية لصراع على الأرض اندلع قبل أكثر من قرن من الزمن هي أحد أهم مكونات هويته الوطنية، فكتب: “لكن انزلاقات كامب ديفيد وأوسلو وحدها لا يمكن أن تبرر انزلاق المثقفين إلى اعتناق “معنى” عكسيّ للقضية برمتها وإلى غيبوبة واعية تبدد الجوهريّ وتموت فيها مفاهيم بأكملها. كيف يفسر لنا مثقفونا السعداء سكوتهم عن موت المعنى الفلسطيني وإسقاطه من عقولهم وكتاباتهم؟ هل يغتفر لمثقف أن يقبل إعادة تعريف نقطة البداية في صراعنا التاريخي الطويل فلا يبدأ تحليله السياسي إلا من نقطة الرابع من حزيران أو الخلاف بين فتح وحماس، أو حصار غزة، فيشتري من السياسي العابث مفردات مثل «هم بدأوا لا نحن» «لا بد أن ينصاعوا وإلاّ» ثم ينقسم المثقفون على مقياس انقسام سياسييهم وبنفس درجة العمى عن مسارات تاريخية بأكملها، لأن الثقافة الراضية السعيدة كانت تمارس نعاسها الأبدي وتحصر الصراع في ربع ساعته الأخيرة؟ هل يعقل أن تصبح «المصالحة» التي يهندسها أمنيون في دول الجوار هي القضية الفلسطينية! وهل يغتفر للمثقف السعيد أن يقبل إعادة تعريف الشعب الفلسطيني بصفته سكان مناطق السلطة الفلسطينية فقط، فلا يقترب من قضايا شعبنا الباقي في أرضه منذ انفجار الصراع على الساحل الأول أو قضايا أبناء الشتات واللجوء والنزوح والمخيمات والمنابذ والمنافي؟ وهل يعقل أن يشتري المثقف تلويث المصطلح ويتبناه فيصدق أن عملية السلام سلام وأن البرلمان برلمان وأن الانتخابات انتخابات وأن الشرعية شرعية وأن المعارضة معارضة وأن الواقعية واقعية بينما الواقع يقول لنا إن الأسماء زاغت عن مسمياتها ونأى عن اسمه كل مسمّى؟” (“الثقافة الفلسطينية: إني اتهم”، “فلسطين” ملحق صحيفة السفير، حزيران 2010).

مريد البرغوثي وداعاً….ستفتقدك الثقافة الفلسطينية النقدية أيها الأديب المبدع.

من صفحة ماهر الشريف على الفيس بوك

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *