وداعاً سميح شبيب.. ابن الخوف والحياة


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

حسام أبو حامد “العربي الجديد”، 24 يونيو 2019

وداعاً سميح شبيب.. ابن الخوف والحياة

شارك هذا المقال 

كان 15 مايو/ أيار 1948 تاريخ النكبة الفلسطينية الذي أعلن فيه قيام “دولة إسرائيل” بعد طرد الفلسطينيين من السياسة والجغرافيا، تمهيدا لطردهم من التاريخ، وبدأت حرب عربية – إسرائيلية لم يفلح العرب في نهايتها في تحرير ما احتلّ من أرض فلسطين التاريخية. بعدها بيوم واحد، وفي أحد بيوت يافا، وتحديدا في حي العجمي جنوبا، ولد سميح شبيب، ليرافق لحظة ولادته قصف عنيف على أحياء يافا بقذائف الهاون، من قبل عصابة “إيتسل” بقيادة مناحيم بيغن. قتلت القذائف أعداداً كبيرة من أهل المدينة، وهجّر معظم من تبقى.
عائلته رأت في يوم ولادته يوم نحس، أما هو فسمّى نفسه “ابن الخوف”. وفي أحد حواراته (عام 2015) تنقل عنه ميرفت صادق قوله: “عندما انهمرت القذائف على يافا، ولدتني أمي من الخوف، مثل أطفال كثر ولدوا هكذا في ذلك اليوم”. ويضيف أنه بسبب هذه الحالة من الهلع ضاع أطفال كثيرون اختلطوا خلال هروب الناس ببعض متاع الهاربين، لكن “تعليقة ذهب” صغيرة وضعتها عمته على صدره كانت الوسيلة الوحيدة التي عرّفت عنه قبل ركوب عائلته صدفة السفينة المتجهة إلى بيروت.
من بيروت انتقلت عائلته إلى سورية، وحصل شبيب على شهادة أهلية التعليم من دار المعلمين 

بحلب عام 1968، وعمل مدرساً في عدة مدارس بضواحي دمشق، ما بين 1968-1973. وتخرج من قسم التاريخ في جامعة دمشق عام 1972، ومنها سافر إلى بيروت لإكمال دراسته وهناك انخرط في صفوف المقاومة الفلسطينية، وحاز على درجة الماجستير من الجامعة اليسوعية 1979. بدأ الكتابة الصحافية منذ عام 1968، وعمل في الصحافة الفلسطينية في سورية ولبنان خلال الفترة 1972-1982، والتحق بمركز الأبحاث الفلسطيني في 1981 كباحث متفرغ في الشؤون الفلسطينية. تسلل إلى دمشق، ومنها إلى تونس وأقام فيها عامين، ثم انتقل إلى قبرص حيث انتقل مركز الأبحاث الفلسطيني بعد التفجير الذي تعرض له في بيروت عام 1983، وبقي فيها حتى العودة إلى غزة عام 1994 قبل أن ينتقل إلى رام الله. وتمكّن شبيب حينها من الدخول إلى يافا لأول مرة تهريبا باحثا عن بيت عائلته فيها.
في عام 1996 نال درجة الدكتوراه في التاريخ، من جامعة سانت بطرسبورغ. وكان عضوا مؤسسا في الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، ومسؤولاً عن قسم الوثائق في مركز الأبحاث الفلسطيني ما بين 1982-1993 ومحررا للشؤون الفلسطينية في مجلة “شؤون فلسطينية” 1984-1993، كما ترأس تحريرها، وكان مسؤولاً عن دائرة الأحزاب السياسية العربية في دائرة العلاقات القومية والدولية ما بين 1998-1994.
له العديد من المؤلفات، منها “حزب الاستقلال العربي في فلسطين 1932-1933” تناول فيه السمات الأساسية للنضال الفلسطيني قبل تأسيس حزب الاستقلال العربي عام 1932، وكذلك تأسيس حزب الاستقلال العربي مستعرضا أبرز نشاطاته. وفي كرّاس “التوثيق والتوثيق الفلسطيني، واقعه وإشكالاته” تناول الوثائق التاريخية بوصفها الأساس في قيام علم التاريخ، وأهمية الوثائق التاريخية الفلسطينية نحو مركز توثيق فلسطيني. وفي كتابه “حكومة عموم فسطين: مقدمات ونتائج” بحث مشروع التقسيم والحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948، وتأسيس حكومة عموم فلسطين في غزة، ومن ثم زوالها، وضم الضفة الغربية للأردن، مستخلصا الاستنتاجات الأساسية في تجربة حكومة عموم فلسطين. وفي “محمد علي الطاهر، تجربته الصحافية في مصر من خلال صحفه: الشورى، الشباب، العلم، 1924 – 1936” يتناول نشأة محمد علي الطاهر وتطور حياته والحياة القومية العربية من خلال صحفه الثلاث. ثم طرق معالجة هذه الصحف لثورة عام 1936-1939، مستخلصا الأساليب المهنية التي اتبعها الطاهر في حياته الصحافية. أما في مؤلفه “الذاكرة الضائعة” فيعرض للمصير المأساوي لمركز الأبحاث الفلسطيني، فبعد أن قامت السلطات الجزائرية بنقل المعسكر الفلسطيني من تبسة إلى معسكر البيض الواقع في جنوب الجزائر، بدأ الكلام عن تلف الصناديق التي تحوي مكتبة المركز في الصحراء يتصاعد في الأوساط الفلسطينية في تونس ودمشق، فطلب ياسر عرفات من شبيب ومن صبري جريس مدير المركز السفر إلى الجزائر لمعاينة الصناديق. وبالفعل سافر الاثنان إلى الجزائر في آذار/مارس 1986. وانتقل سميح شبيب وحيداً من الجزائر العاصمة إلى مدينة تبسة الصحراوية ليتفاجأ بأن لا أحد من الفلسطينيين يعرف شيئاً عن تلك الصناديق. واكتشف أن الكتب ما برحت لدى الجيش الجزائري في تبسة. وتمكن شبيب من معاينة 20 صندوقاً كعينة عشوائية من بين 113 صندوقاً، فوجدها صالحة لتخزين الكتب، فهي لا تتأثر بعوامل المناخ، ومانعة لتسرب الماء إلى داخلها جراء وجود مادة الزفت على الجدران الداخلية، فضلاً عن الفلّين ورقائق القصدير، فاطمأن، واقترح شحن الصناديق إلى 

ميناء لارنكا القبرصي لتصبح في عهدة مركز الأبحاث، ليكتشف لاحقاً أن الشحن من ميناء عنابة إلى قبرص غير ممكن، وأن الشحن الدولي محصور بميناء الجزائر العاصمة. وكان لا بد من الاستحصال على ترخيص بشحن الكتب من ميناء الجزائر إلى لارنكا عبر محطات بحرية أوروبية، أي ليس مباشرة، واحتاج الترخيص إلى موافقات من جهات عديدة. توقف المسعى موقتاً. لاحقا، روّج البعض لفكرة نقل مكتبة مركز الأبحاث إلى القاهرة، إلا أن هذه الفكرة تعثرت، حتى أن البعض اقترح تقديم المكتبة إلى الأهرام هدية، لكن مؤسسة الأهرام اعتذرت عن قبول ذلك. العوائق البيروقراطية، والإهمال، والانشغال بالحرب العراقية الكويتية، والانتفاضة الأولى، ومفاوضات أوسلو سرا، وتوقيعها علنا، كل ذلك جعل من مكتبة مركز الأبحاث في آخر قائمة اهتمامات القيادة الفلسطينية، لتتناثر محتويات الصناديق فوق رمال الصحراء.
هناك مؤلفات أخرى نذكر منها: “الأصول الاقتصادية والاجتماعية للحركة السياسية في فلسطين 1920-1948″، و”الصحافة الفلسطينية في الشتات (مدخل أولي) 1965-1994″، و”اللاجئون ومستقبل عملية السلام”.  كما نشر ما يزيد عن 30 دراسة محكّمة معظمها في دورية “شؤون فلسطينية”، وله عمود في جريدة “الأيام”– رام االله، وعمل أستاذا مساعدا في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية بجامعة بير زيت.
في مقابلة له عام 2016 رأى شبيب أن القضية الفلسطينية على “ضخامتها وتاريخها؛ تحتاج إلى أدوات قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني، المتقدم على قيادتيه”، معتبرا أنه من المهم أن 

“يعمل الشعب الفلسطيني على تجديد قيادته وأدواته؛ ليتمكن من نيل حقوقه على نحو كامل”.
وأضاف: “لا يمكن لأي شعب في العالم أن يحقق حلمه بإقامة دولته، وقيادته منشقة على ذاتها”، محذرا من أنه “بدون نيل الحقوق الوطنية الفلسطينية، سيتبدد ويذوب شيء اسمه الكيانية السياسية الفلسطينية”.
توفي “ابن الخوف” سميح شبيب بعد 71 عاماً تضج بالإنجاز والنضال والعطاء الفكري والسياسي يوم أمس في مشفى يافا في العاصمة السورية دمشق، على أن تجري اليوم ترتيبات فتح بيت عزاء للراحل بعد دفنه في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك.
حتى لحظة كتابة هذه السطور نعاه عديد من الفصائل الفلسطينية، ووكالات الأنباء، والصحف، والفضائيات، والمواقع الإلكترونية، ورثاه العديد من الأصدقاء والمحبين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، منهم صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عبر الموقع الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وعلى فيسبوك كتب الباحث والكاتب السياسي الفلسطيني ماجد كيالي مودعا: “العزيز سميح شبيب.. وداعا ( … ) كان كاتبا وباحثا ومؤرخا وأكاديميا، ورصد في كتاباته التجربة الفلسطينية المعاصرة، وتلك التي كانت قبل النكبة، بما لها وما عليها، وكان وطنيا فلسطينيا بامتياز، ومن المتمسكين بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد، وبالقرار الوطني المستقل. ذهب إلى رام الله علّها تكون طريقا إلى يافا. تعازي لزوجته وأولاده وللأصدقاء المشتركين ولكل معارفه”.
أما الباحث الفلسطيني عزيز المصري فكتب: “الكاتب والأديب الوطني، رئيس تحرير مجلة شؤون فلسطينية سابقا، سميح شبيب في ذمة الله. أول وآخر لقاء جمعنا به في غزة كان في مؤسسة بيت القدس للدراسات، عندما تمت استضافته في المؤسسة لندوة عن دور النخب الفلسطينية. الله يرحمه ويحسن إليه، والعزاء لأهله ومحبيه ولنا جميعا”.
وكتبت ناديا العبوني “الأكاديمي والمؤرخ والباحث الفلسطيني والصديق د. سميح شبيب وداعاً! أحرّ التعازي لجميع أفراد عائلته، زوجته سعاد شهابي، وأولاده وسام وآرام، وابنته بيان. السلام لروح فقيدكم العزيز على قلوبنا جميعا! لا أفجعكم الله بعزيز”.
واقتبست الإعلامية ليلى عودة، مغردة، قول سميح شبيب: ” لي بيت في يافا لا يحق لأحد أخذه مني”. وأضافت: ” الكاتب الفلسطيني ابن يافا اللاجئ سميح شبيب في ذمة الله”.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: فريق التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *