رئيس الولايات المتحدة جو بايدن لم يمتشق من تحت الابط، ولم يتلعثم كرجل عجوز فقد حدته: فقد صوب جيدا نحو الهدف وأوضح لنتنياهو بان ايام العز بين الرجلين، الصديقين منذ أربعين سنة، انتهت.

حتى في عهد اوباما، عندما وصل التوتر بين القدس وواشنطن احيانا الى نقطة الغليان، لم يتجرأ الرئيس الامريكي على ان يقول علنا ان رئيس وزراء اسرائيل غير مرغوب فيه في البيت الابيض. اقوال من هذا القبيل كانت محفوظة دوما لزعماء منبوذين، كياسر عرفات. في كل سنوات وجود دولة اسرائيل لم ينل رئيس وزرائها اهانة صاخبة بهذا القدر ومذلة من المواطن رقم 1 في الولايات المتحدة. وحتى في اوساط اليهود الامريكيين من التيار المركزي، وليس من الجناح اليساري، بدأوا منذ الان يتحدثون عن حجوم الكارثة وعن الضرر الشامل الذي يوقعه نتنياهو: في مركز الخطاب التمني في أن ينقذ بايدن اسرائيل من عربدة زعيمها الهدامة.

في اللحظة التي فهم فيها بايدن بان البلل على خديه ليست نتاج رذاذ الربيع بل بصقة في الوجه تلقاها من نتنياهو، فعل ما لم يحصل منذ عقود كثيرة: نزع جناحي نتنياهو وسمح للعالم كله ان يفهم بانه لم يعد يصدقه. نفد السحر.

عندما يكون رئيس امريكي فقد الثقة برئيس وزراء اسرائيلي، فهذا لا يكون فقط الغاء لدعوة الى البيت الابيض، هذا يعني ان في اللحظة التي يعلن فيها نتنياهو، مثلا، ان إيران تندفع نحو القنبلة وان هذا هو الوقت لضربها أو لتشديد العقوبات عليها، فان بايدن لن يتعاطى مع اقواله بعناية بل بتهكم محفوظ لمن كذب المرة تلو الاخرى.

نتنياهو عمليا، عاقب اسرائيل ليس فقط في تدهور الديمقراطية واقرار قوانين مناسبة لنظام آيات الله، ليس فقط بإقامة حرس ثوري (وقريبا ربما نوع من سجن أفين لمعارضين سياسيين) بل تسبب لها بخسارة الصديق الاقوى والاكثر ولاءً، الولايات المتحدة. المرسى.

في الغرفة البيضوية نتنياهو هو ليس فقط “كذاب ابن كذاب”: فقد باتوا يتحدثون عنه بتعابير مأخوذة من مطارح المرض النفسي: منقطع، منعزل، لا يعرف كيف يقرأ الواقع لأنه ابتعد عنه. ناهيك عن التعاطي الامريكي مع اقوال ابنه الذي يبربر قرب أُذنه والذي تجرأ على ان يتهم بتغريداته السامة الادارة الامريكية بإشعال إوار المظاهرات في اسرائيل وتمويلها. لقد ادارت الولايات المتحدة الظهر ليس لإسرائيل بل لمن يقف على رأسها إذ فهمت بانه أصبح زعيما وخطورته باتت فورية. واساسا بعد أن أطاح بغالنت.

ان العنصر المركزي في أمن اسرائيل هو العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة. فهذه ليست فقط اموال المساعدة والدعم في المؤسسات الدولية. هذا ايضا قدرة رئيس وزراء اسرائيل على أن يرفع الهاتف للرئيس الامريكي في لحظة الحقيقة، حين يكون موضوع حساس على جدول الاعمال او خطر فوري ويتلقى منه ما هو حيوي لدولة اسرائيل في تلك اللحظة: سواء كان هذا ضوء اخضر، غض نظر، شراكة صامتة لتلاعب ما وكل ما هو دارج في التحالف بين الاصدقاء.

لقد حاول نتنياهو أن يهدئ المخاوف في القوة العظمى من المسيحانية المهدورة: فقد اقسم ووعد بانه مع اليدين على الدفة.

في غضون ثلاثة أشهر فهموا بانه قد تكون يداه على الدفة لكنه يقود بسرعة 200 كيلو متر في الساعة تحت تأثير ما، لا يتوقف في الاحمر ويفكك البنية التحتية الحساسة التي تربط بين الولايات المتحدة واسرائيل: التزام غير قابل للتشكيك في الحفاظ على قيم الديمقراطية. اسرائيل هي بالطبع ليست دولة مرعية للولايات المتحدة، لكن حصانتها تستمد منها. وعندما يتحدثون في البيت الابيض عن رئيس وزراء اسرائيل كمن أصبح ليس فقط منبوذا في العالم المتنوع بل وايضا الخطر الاكبر على الديمقراطية الاسرائيلية، ما يمكن أن يدهور الشرق الاوسط ويمس بالمصالح الامريكية – فهذا لم يعد “خلافات رأي” بين اصدقاء بل انهيار ثلجي.

عندما بدأ بايدن ورجاله يحصون الاكاذيب التي باعها لهم نتنياهو كان واضحا لهم ان زمن الحديث الرقيق نفد وحان وقت النبوت.

بعد سنة ونصف ستجرى الانتخابات للرئاسة في الولايات المتحدة: نتنياهو يعول على ان يعود توأمه السيامي، دونالد ترامب وعندها سيكون بوسعه مرة اخرى ان يسرق الجياد معه. ليس مؤكدا على الاطلاق ان هذا سيحصل، وحتى لو حصل، فحتى ذلك الحين ستأكل اسرائيل العلقم: إذا لم يصحو نتنياهو، ويلقي الى القمامة بالإصلاح ويصل الى توافقات واسعة ترأب الصدع الرهيب، فهذا بالتأكيد يمكن أن ينتهي بالبكاء والدموع ستكون دموعنا. 

عن أطلس للدراسات والبحوث (المصدر: يديعوت)

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *