قراءة في كتاب”وايزمن و سموتس، دراسة حول التعاون الصهيوني الجنوب أفريقي”
إن ما تشهده الساحة السياسية في العالم من جهة، ومنطقتنا العربية على وجه الخصوص من تماهي إسرائيل في المضي نحو تحقيق وإتمام مشروعها الاستيطاني الغاشم يدعونا لدراسة العوامل الرئيسية التي استند عليها زعماء الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافهم القريبة والبعيدة أمام صمت عالمي عربي مطبق تتطلب دراسة العوامل التي ساعدت اسرائيل على تحقيق ذلك .
حقق الزعيم الصهيوني الشهير حاييم وايزمن الروسي الأصل، النواة الأولى للمشروع الصهيوني وقيام دولة اسرائيل فيما بعد، عندما أقيمت باسمه مستعمرة في فلسطين تحت الانتداب البريطاني والتي عرفت بمستعمرة داوود تقديرا منها لاكتشافه طريقة صناعة الأسيتون الذي كانت له أهمية في دفع الانتاج الحربي المتصل بصناعة المتفجرات، كما كان لعمله في خدمة البحرية البريطانية أثره في تطوير الحركة الصهيونية.
تولى وايزمن مابين 1917_1935 رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية، والمفاوضات التي تمخضت عن وعد بلفور 1917 والذي رأى بفلسطين نقطة استراتيجية هامة في الامبراطورية البريطانية وبأن الشعب الوحيد الذي يمتلك المال لتطويرها هو اليهود.
قبل نهاية الحرب العالمية الأولى كانت الجالية اليهودية الجنوب افريقية أغنى جالية في العالم على أساس الفرد الواحد، إلا أنها رغم المكاسب الاقتصادية كانت تفتقر إلى الازدهار الثقافي.
إن احتلال بريطانيا لمصر عام 1883 دفع بها إلى الاهتمام المباشر بفلسطين كدفاع لاحق لقناة السويس، وقد أبدت الحكومات البريطانية المتوالية اهتماما متزايدا بالصهيونية السياسية بعد عام 1900 وبرزت للوجود امكانية الاستيلاء البريطاني القسري على فلسطين بصفتها استجابة للمطامح الصهيونية وبدأ لتأسيس مستوطنات يهودية في فلسطين على أساس فردي في عهد هيرزل الذي عارض الهجرة الفردية المتكتمة بغية منحها سيادة أكيدة تكون آمنة في ظل القانون ، ولقد منحت البراءات للشركات التجارية والاستعمارية التي شكلت الفكرة الرئيسية لنشاطاته من عام 1895إلى وفاته عام 1904.
أكد هيرزل العلاقة بين الصهيونية والمصالح الامبريالية الصهيونية في وقت عم فيه الذعر في بريطانيا من تدفق اللاجئيين اليهود الروس وما رافقهم من تهديد لمستوى الحياة في عهد جيمس بلفور حين أصبح عدد اليهود في بريطانيا 10 ملايين.
اقترح هيرزل أن تكون سيناء مركزا لتجمع الشعب اليهودي في جوار فلسطين، لكن وزير المستعمرات البريطاني رفض مغادرة مصر وعرض على هرزل مشاركة اليهود ثروات تلك الممتلكات البريطانية، لكن هرتزل أكد وجوب الاستيطان في فلسطين أو بالقرب منها وموافقته الاستيطان في أوغندا أو قبرص أو سيناء، لوجود جماهير ضخمة مستعدة للهجرة، من أجل الوصول النهائي نحو فلسطين.
في المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903 قبل هرزل إنشاء مستعمرات يهودية في أوغندا ضمن مساحة كبيرة من الأرض بحكم حاكم ذاتي يهودي، هذا ما أدى إلى انقسام المؤتمر وانشقاق الحركة الصهيونية بذريعة افتقاد هذا المشروع للاغراء التاريخي، مما أدى إلى ابطال المشروع ومن ثم توفي هيرزل.
تزعم وايزمن الزعامة الصهيونية بعد هيرزل 1904 ، والذي رأى أن فلسطين يجب أن تقع ضمن مجال النفوذ البريطاني وبأن بريطانيا لو شجعت استيطانا يهوديا في فلسطين لكان بالإمكان هجرة مليون يهودي نحوها خلال 20-30 عام ويكونو دفاعا فعالا لانكلترا عن قناة السويس المهمة بالنسبة لها، ويكون لهم وطن.
ساعد وايزمن على تحقيق حلمه قبوله وظيفة رسمية حكومية في لندن استطاع عبرها توسيع علاقاته برجال الدولة ووزراء المستعمرات والخارجية كبلفور ووينتسون تشرشل، فغدا حلم وايزمن عام 1917 وعد بلفور بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين على ألا يلحق الضرر بالحقوق الدينية والمدنية والسياسية للجماعات غير اليهودية في فلسطين، ولا بحقوق اليهود في أي بلد آخر
يقول وايزمن إن وصوله لهذا الوعد استغرق ثلاثون عاما من استقطاب الشخصيات البارزة /بلفور/ تشرشل وغيرهم من موظفي الحكومة، وكذلك في أميركا وجنوب أفريقيا وأبرزهم سموتس.
عرف سموتس بأنه عسكري وسياسي بويري، لعب دورا هاما في الحربين العالميتين ، ولد في جنوب أفريقيا 1870 درس المحاماة بجامعة كمبردج واشترك في حرب البوير ضد البريطانيينفيما بعد عمل على التقريب بين المشروع الصهيوني وبريطانيا فمنحته بريطانيا رتبة ماريشال واشترك في وضع ميثاق الامم المتحدة عام 1941 ومن ثم أصبح رئيسا للجمعية البريطانية وتوفي عام 1950.
يعتبر سموتس من الشخصيات الاستعمارية التي آمنت بالحركة الصهيونية وولاءه لها الذي فاق من الاخلاص الصهاينة اليهود، هذا ما أسس علاقة حميمة ووطيدة مع الزعيم الصهيوني وايزمن سموتس، والتي كان لها أثرا كبيرا في تحقيق أهداف الصهيونية.
استخدم سموتس منصبه ونفوذه القوي في لندن لصالحها وتبنى رعاية القضية الصهيونية ووعد بلفور على وجه الخصوص، مما أثمر تحلفا ثنائيا بينهما ضد لندن.
عاد سموتس إلى جنوب أفريقيا وعين رئيسا للوزراء ووزيرا للشؤون المحلية التي كانت تعاني من الكساد الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية مما أدى إلى تدهور أوضاع الأفارقة في جنوب أفريقيا. وظهور بعض الثورات وأهمها الهوتنيوت بزعامة الجنرال هيرتزوك.
تمكن سموتس من إخماد تلك الثورات وتمادى في بطشه وتمييزه العنصري مما أدى إلى إدانته من الاشتراكيون الدوليون مما تحولت معه المنظمات العمالية للجنرال هيرتزوك الذي تمكن ومناصريه من تحقيق الهزيمة النكراء بسموتس مما اضطره لتسليم السلطة بعد سبع عشرة سنة من سياسة التمييز العنصري التي لم يتوقف أثناءها تدعيم دعمه وروابطه مع الجالية اليهودية الجنوب أفريقية فأعلن بأن “العهد القديم ” هو أروع الآداب التي تفتق عنها الذهن البشري على الاطلاق ويخصص بالقول السكان الهولنديون البيض القدامى في جنوب أفريقيا، وناشدهم تقديم المساعدة لاخوانهم المحزونيين تشجيعا لبناء وطنهم في فلسطين.
في مؤتمر سان ريمو 1920 قرر حدود فلسطين تحت الانتداب البريطاني وفقا لمؤتمر السلام ودمج وعد بلفور بالتسوية .
أبرق سموتس للكولونيل المختص بالمستعمرات وأوصى بتأمين حدود شمالية لفلسطين تضم نهر الليطاني والحدود الشرقية حتى سكة الحجاز وبأن صياغة الانتداب يجب أن تتفسح المجال للتطورات الصناعية والزاعية لهجرة ذات مدى واسع ، وعمل سموتس على احتمال توسيع منطقة الاستيطان في لبنان والاردن.
صدق تشرشل قول سموتس بأهمية الصهيونية بالنسبة للمصالح الامبريالية البريطانية والعمل على تأمين موطنا ومركزا في فلسطين للعرق اليهودي في جميع أنحاء العالم رغم تباين رغبة اليهود البريطانيين بالهجرة وقرر بأن ما قرر يتسع 4 ملايين يهودي .
لم يخفي وايزمن من مخاوفه من نقض تشرشل لسياسة بريطانيا فوجه له رسالة نصحه فيها بتطابق المصلحة اليهودية الانكليزية في فلسطين بل وأضاف أن بريطانيا استخدمت الصهيونية لتثبيت المركز الذي فازت به في فلسطين هذا مايترتب عليه الاعتراف بأن سياسة بريطانيا في فلسطين كانت مخيبة للآمال .
بعد عودة سموتس إلى جنوب أفريقيا قدم تقريرا للصهاينة هناك عن مباحثاته مع وزير المستعمرات عن اضرابات في يافا وما نتج عنها من توقيف الهجرة الصهيونية من بريطانيا وبأنه قابل تشرشل وبحث معه الموضوع وحصل على وعود مرضية بشأن المستقبل بسياسة لوطن قومي باستيعاب مزيدا من المهاجرين وباجراء تغييرات تحقق ذلك وأنه قد بلغ وايزمن بذاك اللقاء .
استدرج وايزمن سموتس نحو مزيد من الدعم ليهود جنوب افريقيا بطلبه بطلبه الترحيب بلجان ستتوجه نحو جنوب افريقيا في جولة لجمع الأموال من أجل دعم الصندوق الصهيوني المركزي وأكد سموتس لوايزمن مساعدته للقضية اليهودية في حال ساءت الأمور في فلسطين.
في 1922 واستجابة للبيان الأبيض بإعطاء المصالح اليهودية الأولوية التامة في فلسطين أعلن سموتس جهارا : أنه سيكون من الشؤم على بريطانية التخلي عن الهدف الذي تحقق بشأن وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وبأنه لا شيء سيحرف وجهة نظرنا عن تحقيق ذلك.
في المؤتمر الامبراطوري 1923 كان سموتس على اتصال وثيق مع وايزمن والمكتب المركزي للمنظمة الصهيونية مشيرا إلى ما يبذله من جهد في اقناع رؤساء الوزراء البريطانيين الآخرين، مما أنتج تأكيد الحكومة البريطانية من جديد المحافظة على مبدأ الوطن القومي لليهود، وأعلن سموتس من لندن للمؤتمر الصهيوني الجنوب افريقي بأن رئيس الوزراء أعلن أن القضية استعجلت بنجاح كبير وأن كل ما تبقى على الصهاينة في جميع أنحاء العالم الاستفادة من فرصهم بتعزيز فرصهم بكل وسيلة شرعية لتحقيق هدفهم.
عام 1924 عفي سموتس من رئاسة الوزراء هذا ما جعله يوجه جام جهوده لدعم القضية الصهيونية وأكد بأن صيغة الوطن القومي ستبرز بقوة بعد أن تاهت في الصحراء سنوات عديدة.
على جانب آخر طرحت الثورة العربية عام 1929 في فلسطين تهديدا جديدا وخطيرا على الأهداف الصهيونية في القدس والخليل وصفد ضد المستوطنات اليهودية وعرقلت تأسيس الوكالة اليهودية لفلسطين في المؤتمر الصهيوني السادس
سيطرت تلك الأحداث على موظفي الانتداب في فلسطين، وسببت تلك الأحداث فتورا ملحوظا في علاقة وايزمن ببريطانيا وهذا بدوره أضعف دور القوة الذي كان يلعبه وايزمن، الذي حذر من تبعات ضعف على الامبراطورية بكاملها، وأشار إلى أهمية الصهيونية بالنسبة للمصالح البريطانية .
دعم سموتس وايزمن وصرح بأن على بريطانيا الالتزام بتعهداتها السابقة كسبا لود اليهود في العالم، وحذر من مضاعفات عكسية على بريطانيا في كل من آسيا وافريقيا، لما تشكله فلسطين من حلقة وصل حيوية لمواصلات الامبراطورية لموقعها الهام من قناة السويس، وأشار وايزمن في حال عدم تجاوب الامبراطورية إلى التخلي عن الانتداب مؤكدا من جديد ولاءه لها.
تابعت بريطانيا مشروعها الرافض عام 1930 فقامت بنشر وثيقة توقف الهجرة اليهودية وشراء الأراضي هذا ما أدى إلى التهديد برفض وعد بلفور، مما استدعى تدخل سموتس من جديد باعتباره أحد المسؤولين عنه، والذي ذكر بريطانيا ما يلقاه الوعد من تأييد من أميركا ويهود العالم، ودعا إلى تنفيذ بنوده فورا.
عاد وايزمن لترأس الوكالة الصهيونية بعد اعتزاله السياسة ما يقارب الأربع سنوات توجه فيها إلى جنوب افريقيا داعما الجالية اليهودية فيها والتي تضخمت عن طريق اللاجئيين من ألمانيا الهتلرية التي سببت بدورها تمايزا ملحوظا مابين ثقافتي يهود أوربا وافريقيا ومزيدا من التمييز العنصري هناك.
إن اندلاع الثورة العربية في فلسطين عام 1936، أثارت فترة غنية من المراسلات والتشاور مع سموتس الذي اقترح اختصار عدد المهاجرين مؤكدا ضرورة الثقة بالحكومة البريطانية محرضا وايزمن على متابعة الأهداف الأولى، مؤكدا ضرورة بقاء الحركة الصهيونية تحت الانتداب حفاظا على منجزات وعد بلفور.
في بداية عام 1938 راح يتجلى الموقف الأميركي كعامل توازن للسياسة البريطانية مع تأييد ودعم الشعب اليهودي ا لأميركي لأقرانه في فلسطين، بإشارة سموتس إلى احتمال مقر المؤسسة اليهودية من لندن إلى نيويورك .
جاء دخول بريطانيا الحرب العالمية الثانية عام 1939 بنوع من الهدنة على الصعيد السياسي ، فرض في فلسطين أبعادا جديدة، مع اتخاذ حكومة فلسطين قيود واسعة على بيع الأراضي إلى اليهود وهذا ما عارضه سوتس وكرس له وايزمن في زيارة ليهود أميركا الذين أكدوا للحكومة البريطانية بأنهم لن يسمحوا لها بمزيد من الانجراف في سياستها طالبين موقفا واضحا.
من عام 1939 إلى عام 1941 كان يؤسس لجيش يهودي تصاعد معه الارهاب اليهودي ضد الانكليز في فلسطين، أثبت سموتس مقدرته على حبك نصوص لاهوتية على شكل قواعد سياسية تنص على أن وعد إبراهيم عليه السلام أصبح جزءا من القانون الدولي للعالم متمثلا بوعد بلفور، مستعرضا آلام اليهود من ألمانية النازية، مشيرا إلى دعوة العالم للخالق الذي مازال يقود تقدم العرق اليهودي بتردد نحو هدفه.
بدأت عام 1944 نهاية الحرب تلوح في الأفق والتي كان أثناءها يعد سموتس لما بعد الحرب بمزيد من الاهتمام بالولايات المتحدة وببتحقيق شكل أقوى لعصبة الامم التي ارتبط اسمه بها ارتباطا وثيقا لضمان اجبار الحكومة البريطانية على التخلي عن قيود الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
توجه سموتس إلى لندن معلنا أن أفضل الحلول في ظل مايشهده العالم العربي من اضطراب هو تقسيم فلسطين بشكل ينصف اليهود ويؤسس لدولة يهودية قابلة للنمو.
في تلك الأثناء استخدم وايزمن ورقة ضغط جديدة حذر فيها من هجرة شديدة لليهود نحو بريطانيا وأميركا محذرا من وابل يهودي يغرق الغرب مسيجا تلك التهديدات بصيغة ديبلوماسية مشيرا إلى ضرورة إقامة دولة يهودية في القدس بهجرة ثلاثة ملايين يهودي في السنتين القادمتين، مبديا عدم رغبته بمفاوضة العرب باعتبار امساك بريطانيا مقاليد الأمور، حيث كانت في جانب آخر محادثات بين روزفلت والعاهل السعودي حاول فيها روزفلت الحصول على موافقة بني سعود على تأسيس دولة يهودية في فلسطين مؤكدا أن رفض بني سعود أو أي طرف عربي آخر سيهدم أمله بتحقيق ذلك.
قدم سموتس إلى وايزمن النصح بالتخلي عن فكرة التقسيم والبقاء تحت مظلة الانتداب البريطاني طمعا بفلسطين كاملة غير مقسمة خوفا من حالة اللا استقرار والذي سيضمن بدوره فرصة لمزيد من الهجرة اليهودية في ظل تخفيف الشروط الجائرة عليها الآن، ووعد بالموافقة على حراسة المصالح الصهيونية في فرانسيسكو عبر عصبة الأمم.
تبنى مؤتمر عصبة الأمم مقدمة الميثاق التي أعدها سموتس بسلطة للقوى العظمى وهي سلطة الفيتو إقرارا بواقع القوة، مشترطا تحويل الأراضي تحت الانتداب إلى أراضي تحت الوصاية والتي استثنت بموجبه بريطانيا فلسطين وشرق الاردن من هذا الترتيب
في ايلول 1946 اقترحت اللجنة الخاصة بفلسطين التابعة للأمم المتحدة التقسيم وأوصت الجمعية العمومية بدولة يهودية، وكان التأييد العام للتقسيم يمثل حينئذ السياسة الصهيونية الرسمية والذي لعب وايزمن دورا فاعلا لتأمين ثلثي الأعضاء مؤكدا معجزة توافق الموقف الايجابي لأميركا وروسيا بعد تردد ملحوظ وموقف محايد من بريطانيا، وتمكن سموتس من تأمين موقف وفد جنوب افريقيا .
هكذا لاقى تقرير اللجنة الخاصة بفلسطين والتابعة للأمم المتحدة قدرا كبيرا من التأييد كبنية رئيسية للمناقشة، وقفت منه بريطانيا موقفا محايدا.
لعب المال اليهودي الجنوب افريقي دورا بارزا في إقامة المستعمرات عبر جالية يهودية جنوب افريقية في العديد من المناطق الفلسطينية ممن يديرون مزارع خاصة ، مما ساهم في التأسيس لمشاريع انتاجية لتطوير فلسطين اقتصاديا بهدف توسيع مجال الاستيطان والوطن القومي اليهودي، هذا ما كرس الصداقة المعودة مابين سموتس ووايزمن، اللذان انصبت جهودهما من جديد لضم بريطانيا من المعسكر البريطاني العربي لصالح اليهود كون هذا الموقف سيقلل من هيبة بريطانيا التي شكل موقفها خطرا واضحا على القضية اليهودية برمتها.
في عام 1947 أصبح تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية هو السياسة المعلنة للأمم المتحدة بعد ما يقارب إحدى وثلاثين عاما من التكريس للقضية الصهيونية.
عام 1948 انتج التقسيم عنفا متزايدا في فلسطين من جهة ومضاعفات اقتصادية وعسكرية وسياسية للولايات المتحدة ، مما تسبب منها تراجعا عن فرض التقسيم وحثت من جديد على قرار الوصاية في مجلس الأمن وهذا ما أثار استياء وايزمن الذي عاد لطلب العون والمشورة من سموتس عبر الوفد الجنوب افريقي في الامم المتحدة ، في هذه اللحظة الحرجة التي تسبق الانسحاب البريطاني من فلسطين.
في 15أيار 1948 انسحبت بريطانيا حسب وعدها من فلسطين وأعلنت دولة اسرائيل رسميا التي قدم الاعتراف بها من دول مختلفة عدا بريطانيا التي كانت تقدم العون للجيوش العربية في فلسطين ، بقادة وأسلحة تابعت الصمت، وموقف أميركي يطالب بوقف اطلاق النار.
أرسل وايزمن إلى سموتس رسالة طلب فيها ضرورة تقديم اعتراف جنوب افريقيا بذاك القرار كونه من أهم متبني المشروع الصهيوني، لكن سموتس تحفظ حيال الاعتراف مراعاة للحساسيات البريطانية في جنوب افريقيا والذين كان الكثير منهم يكن كرها لليهود من جهة وللمسلمين الذين يواجهون الانكليز من جهة أخرى.وبالمقارنة تم الإعتراف بالصداقة الصهيونية.
في 26 أيار سقطت حكومة سموتس نتيجة المواجهات بين جماعات الارهاب اليهود والجنود البريطانيين في فلسطين، مما نسف الشعور المؤيد للبريطانيين، وقدمت حكومة الحزب القومي الجديدة في جنوب افريقيا اعترافا رسميا بإسرائيل، بل وانضم كثيرون إلى صفوف مقرري مصير اسرائيل.
قدم وايزمن واجباته الرسمية كرئيس لإسرائيل..
رأى سموتس انتخاب وايزمن بمثابة تحقيق للقضية التي عمل عليها منذ عام 1918، وبأن وايزمن استطاع بنفوذه إحداث أساس الدولة لا بالقوة ولا بالجيش،وراى في موقف بريطانيا من اسرائيل كان الخوف من العرب بينما لم يرى سموتس بأن العرب يشكلوا مسألة عسكرية خطيرة..
يتفاخر سموتس بكونه ساهم في دفع أعظم حدث في التاريخ نحو الامام وهو تاسيس الدولة اليهودية، واجرى مقارنة بين احداث الثلاثة آلاف سنة الماضية والاحداث المعاصرة فقال : لقد جاء اليهود من الصحراء وتدفقوا نحو البلاد التي وعدوا بها لأن الناموس كان فيهم قويا فاستولوا على البلاد من العمونيين، والفيريسيين، ومن شعوب أخرى مذكورة في العهد القديم..
يقول سموتس: كنت اؤمن من كل قلبي بالعدالة التاريخية..
بوفاة سموتس في 11 ايلول 1950، انتهى فصل هام في العلاقات الصهيونية الاسرائيلية والجنوب افريقية على ثوابت آمنة.