هندسة الفصل العنصري
لم تدخر إسرائيل جهدا، عبر تاريخها، إلا وكان قائما على فكرة التفوق على الآخر، ولم يكن وجودها في المنطقة إلا في سياق لعب دور وظيفي عدواني ضد أصحاب الأرض الأصلانيين (الفلسطينيين)، دور تدحرج من محاولة نفي وجودهم المادي مرورا بالحضاري وصولا إلى السياسي، كما يحصل راهنا في قطاع غزة من حرب إبادية بشعة.
كتاب تا نيحسي كوتس يقع في ثلاثة أفكار رئيسية : الأول عن زيارته إلى السنغال، والثانية عن زيارته إلى مدينة كولومبيا في ولاية كارولاينا الجنوبية حيث هناك ارث التمييز العنصري وقتل السود ( العبيد)، لا زالت آثاره قائمة لغاية الآن، أما الجزء الأخير عن زيارته لفلسطين فهو ما سأوحاول تلخيص أهم ما كتبه الكاتب.
بداية يقتبس من الناشطة والأكاديمية نورا عريقات التالي: We have all been lied to about too much. والفكرة هنا من فحوى الكتاب هو في ثلاثة قصص التي يسردها المؤلف هو كيف تم إشاعة الخرافات،(myth) ، وكيف نجح هذا النهج في تضليل العالم وبخاصة ما يتعلق بفلسطين، وحكاية قيام إسرائيل، والسردية الخيالية التي نجح مؤسسو الحركة الصهيونية من ترويجها للعالم ولليهود خاصة لجلبهم إلى فلسطين.
كوتس في كتابه هذا أراد ان يكتشف ويكشف بنفس الوقت الخرافات الاستعمارية وكيف هي مرتبطة ببعض ومتشابهة إلى حد كبير ومثال ذلك التشابه العضوي بين الاستعمار الأمريكي الأبيض للولايات المتحدة وإسرائيل، واعطى أمثلة عن تشابه السرديات والأحداث الدامية التي حدثت جراء ذالك من مذابح للسكان الأصليين في امريكا ومن ثم السود الذين احضروا من أفريقيا كعبيد إلى الدولة الاستعمارية الحديثة في امريكا، ومع ما حدث في فلسطين من قتل وتهجير واقتلاع.
الكاتب يقدم شهادات قوية عن عنف المستعمر سواء كان في امريكا أو في فلسطين وينسج للقارئ تشابه الفكر العنصري الناظم لهذه العلاقة العضوية وايضاً العنف الجسدي الذي اكتوى به أهل البلاد الاصلانيين. عند زيارته لفلسطين واسرائيل اكتشف بشكل صارخ عنصرية الصهاينة بشكل لم يكن تصوره قبل زيارته وذلك بسبب قوة الدعاية والسردية الصهيونية الكاذبة عن ما جرى.
المؤلف قدم إلى فلسطين في زيارة ١٠ أيام كضيف على Palestine Festival of Literature مع مجموعة كتاب من جنوب أفريقيا وكشمير وبريطانيا وأمريكا، حيث تم ترتيب زيارات للجانب الفلسطيني وللاسرائيلي ايضاً.
كانت زيارته لفلسطين قد كشفت له كذب الدعاية الصهيونية وخرافاتها التي تم نشرها في امريكا حيث رأى التشابه العضوي بين عنصرية الرجل الأبيض في امريكا مع اليهودي الأبيض في فلسطين، وبذلك تبين له انه وهو بفلسطين شعر بانه فلسطيني ويعامل إلى حد كبير مثل أهل البلاد . هذه نقطة جداً مهمة وناظمة للكتاب حيث ترى الارتباط الأخلاقي بين شعب فلسطين وبين ما تعرض له شعبه الأسود من عبودية وقتل وlynching على يد اللص في امريكا تماما كما يحدث للفلسطينيين الأن وسابقاً.
اعتقد انه لأول مرة نجد هذا الرابط بيننا وسود امريكا وتشابه التجربة وعذاباتها لكلا الشعبين وهذا ما اخاف الصهاينة وداعميهم في الولايات المتحدة.
ولأنه كاتب شاب اسود وله مولفات مهمة وحصل على الكثير من الجوائز في الكتابة والقصة وهو مدرس أدب في Howard University في العاصمة واشنطن
يوضح المؤلف التشابه التام بين القوانين العنصرية تاريخيا في امريكا مع مثيلتها الاسرائيلية ، فقانون أو مرحلة ما كانت تعرف في امريكا بJim Crow
تجد مثيلاتها في فلسطين عامة لليوم ان لم تكن اكثر.هذه نقطة مهمة للغاية في اولاً فضح الرواية الاسرائيلية كون اسرائيل، كما يشاع في سرديتها بأنها واحة الديموقراطية في المنطقة وكيف ان قوانينها العنصرية هي مرآة لعنصرية البيض في امريكا ضد السود لغاية يومنا هذا.
يتحدث عن زيارته لمتحف المحرقة Yad Vashemوفظاعة ما قامت به ألمانيا النازية ضد اليهود وكيف ان هذا المتحف بُني على مقربة صغيرة من قرية دير ياسين التي جرت فيها مذبحة للفلسطينيين، وكيف ان هناك تجاهل صارخ للفلسطينيين وعذاباتهم، مقابل الشعور بأن الصهاينة هم في درجة أعلى بكثير من السكان الأصليين تماما كما يتعامل الأبيض مع السود والأقليات الأخرى، وبهذه الحالة يرى الترابط العضوي بين الأمريكي الأبيض واليهودي الأبيض مقابل الأمريكي الأسود مع الفلسطيني ذو اللون البني أو القمحي.
في تقديري هذه نقطة في غاية الأهمية لأنها ستقوي الرابط العضوي بيننا كفلسطينين وسود امريكا وأقلياتها الأخرى بخاصة الهنود أصحاب البلاد .
كذلك يتطرق الكتاب للأهمية التي يوليها الصهاينة للتنقيب عن الآثار وكيف يتم استخدامها في تقوية الرواية الصهيونية من ناحية، ومن ناحية ثانية في جلب المزيد من الهجرة اليهودية ولكي تفعل فعل المطمئن للمهاجر ان هناك آثار لأجداده هنا وان هذه ارضه.
هذه نقطة مهمة جداً فعلى سبيل المثال يتطرق لما يسمى في City of David والتي هي كلية على خرافة تاريخيّة لا وجود لها ولكنها تمثل مركزا سياحيا تاريخيا وثقافيا، حيث يتم التعبئة الإعلامية لمن يزور المكان مع انه لا يوجد أي شىء حقيقي يمكن برهانه هناك لكنه يتحدث عن أيام التوراة ، وأكثر من ذلك في محاولة تثبيت ما سماه المؤلف بال. Title and Deed بمعنى آخر تثبيت الملكية اليهودية للمكان. وايضاً بناء علاقة قوية ما بين هذا التراث والملكية أي corelation betwteen heritage and culture وهذا هام جداً.
يقارن علم اسرائيل والعلم الكونفدرالي Confederate Flag والذي يمثل العنصرية الأمريكية الاسرائيلية كذلك يتحدث عن العلاقة العضوية بين اسرائيل وامريكا بما يسمى Unbreakable bond between Israel and America
يعطي اهتمام كبير لما تقوم به اسرائيل من التنقيب عن الآثار وكذلك تحطيم الآثار الفلسطينية التي لا تتساوق مع روايتهم ، وايضاً كيف يتم طرد أهل البلاد من بيوتهم واراضيهم. يأخذ في اكثر من موقع في الكتاب مقولات لجابوتنسكي حيث يقول “ان الحق لمن له قبضة يد قوية”.
يتطرق الكتاب عن علاقة اسرائيل التاريخية مع جنوب أفريقيا العنصرية وكذلك عن العلاقة العضوية ما بين عبودية السود في امريكا وبين التمييز العنصري في جنوب أفريقيا سابقا وفلسطين حالياً.
زار برفقة أدباء وكتاب فلسطينيين مدن الضفة وخاصة القدس وراى هندسة الفصل العنصري هناك وهدم البيوت الفلسطينية وزار الخليل وراء عنف الاحتلال والاستيطان هناك ولاحظ بناء صرح كبير على قبر المجرم باروخ صاحب مجزرة الحرم الإبراهيمي حيث دخل ضحيتها ٢٩ فلسطينيا.