
رافقت اليوم معلمات ومعلمي المدرسة الايطالية (الكرمليت سابقا) في حيفا في جولة في قرية طيرة حيفا أو كما يحلو لكثيرين تسميتها بـ “طيرة اللوز”، والتي تُعرف أيضًا بـ “طيرة الكرمل”… طوبى لهذه البلدة التي تحمل عدة مسميات ما يدلل على دورها ومكانتها التاريخية عبر الازمنة البشرية. لم أشأ أن اشرح عن القرية إلا بمرافقة أحد أبنائها الملتزمين بالتعريف عنها يوميا لكل من يسأله أو يتوجه إليه من وسائل الاعلام وباحثين ومخرجي افلام وثائقية وغيرهم، إنه الصديق العريق حسن قصيني – أبو نزار. قدم ابو نزار شرحا وافيا عن المواقع التي بقيت في القرية بعد ان تم إبادتها في العام 1948 إثر عملية طرد سكانها الذين تجاوز عددهم الثمانية آلاف نسمة. شاهدنا بيت مختار القرية الذي تستعمله شرطة اسرائيل مقرا لها. والبيت مبني من الحجر النظيف مؤلف من طابقين واسعين يشرفان على مساحة من الأرض قبالة البحر الابيض المتوسط. ثم شاهدنا مبنى المدرسة في القرية وهو تابع لوقف واملاك الكنيسة البروتسانتية، وتعرف بمدرسة مستر سمبل التي تمّ نقلها من صفد إلى هنا إثر انطلاق الثورة الفلسطينية الكبرى في 1937. لم يسمح لنا أمن المدرسة بدخولها بذريعة احتياجنا الى تصديق وموافقة من الجهة المسؤولة. على كل حال قدم ابو نزار ما فيه الكفاية من المعلومات. بعدها انتلقنا الى جامع البلدة الذي تحول الى كنيس يهودي. وتم إحداث تعديلات على المبنى واضافات من حواليه لدرجة أنني لم اميزه مطلقا. وتم تثبيت يافطة بالقرب من مدخل المبنى من المجلس الأعلى للحفاظ على المباني التاريخية. ومما جاء في نص اليافطة أن المينى تاريخي ويحتوي على آثار من الفترات الصليبية والعثمانية. واستعمل في فترة معينة كنيسة ثم مسجدا للقرية في 1576 م ويصلي فيه المستوطنين اليهود بعد تحويله الى كنيس باسم “أم الأبناء”. وتم ذلك بعد أن “تفرّغت” البلدة من السكان. لننتبه الى استعمال كلمة “تفرغت” دون الاشارة بأي كلمة أخرى إلى عملية الترحيل والطرد والاستيلاء على أراضي القرية التي بلغت مساحتها قرابة 45 ألف دونم وأكثر. ثم زرنا مقبرة القرية الكبيرة، وهي واحدة من خمس مقابر كان الاهالي يدفنون موتاهم فيها. وحتى هذه المقبرة لم تسلم من الايدي الآثمة، إذ كان هناك مخطط لشق شارع الى الحي الجديد الذي تم تشييده في فترة سابقة. ولولا نضال اهالي الطيرة الباقين في الوطن، ومن بينهم الغالي ابو نزار لضاعت هذه المقبرة في مشاريع حيتان الاستيطان والتوسع. وكانت محطتنا الأخيرة في بيت عائلة الباش الذين بقوا لوحدهم في القرية، في طرف الوادي حيث التلال والجبال والمناظر الخلابة التي تسلب العقل.
كانت الطيرة قرية بل بلدة كلها نشاط وعمل، وعطاء. وأهاليها معروفين ببأسهم واستعدادهم للمساعدة، وأصحاب نخوة وشهامة. وشكلوا قوة ضاربة للدفاع عن حيفا ومناطقها لولا فوضى التخطيط وعدم التنسيق بين الجيوش العربية التي سرعان من انسحبت من المنطقة مخلفة ورائها حالة من اليأس، كذلك القوة العنيفة التي استعملها الجيش الاسرائيلي من البر والبحر والجو كانت عاملا قويا في تعجيل الرحيل والترحيل. حتى الذين نزحوا الى الجبال والى قرية عسفيا وحاولوا الرجوع إلى بيوتهم واملاكهم تم منعهم مجددا، إلا بعضهم بشروط مقيدة. وعاشت عائلات كثيرة من الطيراوية في البيوت التي كانت منتشرة عند سفوح الوادي إلى أن تم ترحيلهم بطرق مختلفة سواء بالتوافق او عدمه. وهكذا، لم يبق في هذه البلدة العامرة إلا عدد محدود من المباني. وتم تغيير شكلها وطرقها ولم تعد الطيرة كما كانت سابقا إلا في ذاكرة أهلها الباقين هنا والمهجرين قسريا عنها.
ولا بد لي من التنويه هنا إلى أنني في 2013 قمت بزيارة المرحوم الاستاذ عبد الصمد ابو راشد في إربد بمعية الاستاذ حسين منصور والمرحومين الاستاذين نمر وموسى حجاب(من الياجور أصلا). وكانت ذاكرة الاستاذ عبد الصمد متقدة وتفاصيل قريته حاضرة في ذهنه. واهداني كتابه عن الطيرة المليء بالمعلومات عن الاراضي والمواقع والمعالم والعائلات وحياة القرية.
الشكر كل الشكر لمن يهتم بتوثيق تاريخ قرانا وبلداتنا ومدننا، لأن في ذلك خدمة للحق والعدالة لوطننا وارضنا وشعبنا.
وهذه بعض الصور التي التقطتها عدسة كاميرتي، واقترح على محبي الطبيعة ومعالم بلادنا والقرى المهجرة تنظيم زيارات وجولات فيها، ومن بينها قرية طيرة اللوز أو طيرة الكرمل.