هل هناك اقتتال فلسطيني فلسطيني في مخيم جنين؟ هل هناك دولة فلسطينية لتفرض سيادتها؟

بعد بدء مخابرات السلطة الفلسطينية عمليتها الامنية في جنين ومخيمها قبل شهر برز مجددا مصطلح الاقتتال الفلسطيني وبدأ كثيرون باستخدام مصطلح الاقتتال الفلسطيني لوصف هذه الحالة الطارئة على الشعب الفلسطيني، وهو ما يجعل هناك ضرورة للمقارنة بين الاقتتال وغيرها من الحالات بأبسط الطرق والمقاربات الممكنة من تجربة الفلسطينيين أنفسهم.
يصعب تصديق أن ما يجري في مخيم جنين بين مخابرات السلطة وشبان المخيم التابعين لكتيبة جنين وغيرها هو اقتتال فلسطيني فلسطيني، فالتسمية بحد ذاتها خادعة.
ملامح الاقتتال التي كانت تحدث كما كان يحدث مثلا في لبنان او غزة (خلال انقلاب حماس وحسمها العسكري ضد فتح والسلطة نفسها) ورغم وجود تاثير او دعم خارجي له وتغذية بطبيعة الحال من الاحتلال مختلفة كثيرا و لا تكون الاسس التي يبنى عليها اطلاق النار بين الاطراف قائمة على الاستفراد و التخلص من بضع شبان (بذريعة انهم خارجون عن القانون او يتبعون دولة اجنبية) وهو تحويل السلطة لفئة من الشعب من قضية وطنية الى ازمة جنائية امنية، بل تقوم على اساس صراع النفوذ والصراع على السلطة والقيادة وهذه كانت ملامح الاقتتال الفلسطيني منذ الازل حتى حين كان ينشب اقتتال بين فصائل منظمة التحرير وفصائل دمشق التابعة لنظام الاسد في حقبة بيروت ولبنان، او حتى لاحقا في غزة. لسنا مع الاقتتال طبعا لكن ذاك اقتتال وما مايجري الان ليس اقتتالا فقط لتوصيف الامر وتسميته بالمسمى الصحيح له.
هذا ليس اقتتالا فما يجري يشبه ما يجري ضد مخيم جباليا من قبل الاحتلال ويشبه ماجرى ضد مخيم نهر البارد وتل الزعتر واليرموك وعين الحلوة (وإن كان مخففا) رغم ان هذه المخيمات ومانراه فيها شيء من ملامح اقتتال فلسطيني لكن فيه ملامح استفراد وتصفية ضد المكان والشعب.
ما يجري بالفعل هو ضرب لرمزية جنين ومخيماها ولتاريخه النضالي الطويل جدا وضرب للأولويات الوطنية الفلسطينية وذلك يشبه الطعنة في الظهر والخيانة على الأقل للأولويات الوطنية في زمن الإبادة ضد غزة التي يفترض ان يسخر الامر فيها لدعم غزة ان لم يكن عسكريا فعلى الاقل سياسيا دبلوماسيا اعلاميا ، لكن للاسف هناك زمرة لاترى ذلك ولديها اولويات مغايرة تقوم على التصفية لمخيم جنين بوضوح.. حتى انهم لايرغبون بتاجيل تصفية المخيم الى مع انتهاء الابادة بغزة على الاقل لحماية انفسهم من تهمة انهم خونة وعملاء فهم وقحون بالفعل ويعملون في وضح النهار.
إن ما يجري يمثل اقتتالا ولكن بين السكان الاصليين وبين مقاتلين تابعين للسلطة ينوبون عن الاحتلال، الدليل ان مخيم جنين منذ عقود فيه كل المقاومين من مختلف الفصائل والاذرع العسكرية وجميعها تقاوم وكل ابنائها لم يقتتلوا منذ ٥٥ عاما وكل معاركهم كانت ضد الاحتلال وكل بنادقهم موجهة ضده فقط.
وبالتالي فهذه التسمية اي “الاقتتال الفلسطيني” كاذبة وفيها افتراء على المخيم وعلى الفتحاويين فيه وابناء الاجهزة الامنية من شهدائه السابقين في مواجهة الاحتلال قبل غيرهم مثل كتيبة جنين التابعة لحركة الجهاد الاسلامي خاصة انه يتم وضعم جميعا من قبل السلطة في نفس الخانة على انهم اما ميليشيات لايران او خارجون عن القانون، وان عرف السبب بطل العجب فهناك مصدر مماثل لهذه التصريحات المليئة بالخلط غير الدقيق هو المتطرف الصهيوني وزير الاتصالات في دولة الاحتلال سموتريتش الذي يقول: ” الإرهاب في الضفة الغربية وغزة وإيران خو نفسه ويجب هزيمته” وهذه الرواية اقرب ماتكون لرواية الاجهزة الامنية التابعة للسلطة في حملتها ضد مخيم جنين وهة مخطط متناسب ومتساوق مع ضم الضفة وابادة غزة خاصو ان امن السلطة بدا ينصب كمائن لمقاومين اخرين في طولكرم ، كما ان كتائب الاقصى نفسها الفتحاوية وكتائب القسام اصدرا بيانا مصورا مشتركا من داخل مخيم جنين يزضحان ان امن السلطة تجاوز كل الخطوط الحمراء السابقة في استباحة اهالي المخيم والمجتمع الفلسطيني وليس فقط المقاومة، مايشي برغية في احداث تهجير مابحق السكان..
ولاتتم معالجة مشاكل قانونية او داخلية في المخيم بهذه الطريقة وبهذا التوقيت من خلال تجريده من روح المقاومة وضرب رمزيته وبنيته الاجتماعية واحراق بيوت نازحيه والعربدة فيه وحصار سكانه وقتلهم برصاص القناصة وقطع الطعام والدواء والماء والكهرباء عنهم، فهذه افعال الصهاينة وعصابات الاسد وتشبه ماكان يفعله نظام الاسد بحق مخيمات الفلسطينيين في سوريا ولبنان وتشبه مافعله ضد فتح نفسها خلال جرائمه في طرابلس وخلال فترة “انشقاق حركة فتح” من تصفية لروح القضية والروح الوطنية والنضالية وتشبه مايفعله الاحتلال في المخيمات ويتساوق مع تدميره مخيم جباليا وابادة غزة ومشروع ضم القدس والضفة.
هذا ليس اقتتالا إذا وفقا لما تقدمه كل الملامح والمؤشرات، بل هي محاولة لالغاء الوجود الفلسطيني وضربه وضرب المخيم ورمزيته وربما تكون بدايو لتبادل الادوار وملء فراغ التصدي للمقاومين التي يعجز جيش الحتلال ومستوطنوه عن ملئها في الضفة باستخدام عنصر فلسطيني يعرف طبيعى الجغرافيا اكثر منهم هو امن السلطة.
التوقيت هو الآخر مشبوه والطريقة وتبادل الادوار مع الاحتلال والتسريبات الاخبارية عن التمويل المطلوب من قبل السلطة لتمنحه واشنطن مقابل تصفية المقاومة في مخيم جنين فضلا عن التسليح الذي طلبته السلطة من حكومة الاحتلال وكذلك الاولويات المطروحة من سلطة عباس ومخابراتها لاقتحام وقتل شبان المخيم كلها شبهات و ليست اولويات فلسطينية بالمرة ولا تتناسب مع اولويات العمل على وقف ما يحدث من ابادة في غزة او مع التصدي للظروف القاهرة للفلسطينين في الضفة نفسها بالتزامن مع عربدة جيش الاحتلال ومستوطنيه ضد الفلسطينيين وضغط اليمين المتطرف الصهيوني وحكومة النازي نتنياهو لضم الضفة بقرار حكومي رسمي.
ربما جاء وقت التخلص من السلطة التي تستخدم المتاح من حقوق وتمثيل الشعب الفلسطيني وبشكل سيئ ضد الفلسطينيين ووربما هو فخ اسرائيلي اميركي لاجبار شعبها على التخلص منها او سوق الفلسطينيين حقا نحو اقتتال وحرب اهلية في الضفة تسهل ضمها لاحقا دون قوة مواجهة.
من لايعتبر مما حدث لانظمة عربية فغالبا سوف يتهاوى ويتم اسقاطه وخداعه وسيسقط في نهاية المطاف ويتم استبداله من قبل الاميركي والاسرائيلي انفسهم مشغليه ان لم يكن بايد فلسطينية.
لا يكون التخلص من هيمنة ايران المزعومة على المخيمات والفلسطينيين بطريقة سوريا مثلا، فهناك كانت ايران احتلالا يميليشيات اجنبية مجرمة عابرة للحدود وليس مقاتلين فلسطينيني ثابتين في ارضهم اضطروا لاخذ دعم ايراني لقتال اسرائيل عندما جردتهم السلطة وحرمتهم من الحماية وتجردت وجردت نفسها من فكرة المقاومة، ففي الضفة لا يتم التخلص من سطوة ايران المزعومة بالقضاء على السكان الاصليين وقتل فكرة المقاومة المسلحة ضد اسرائيل، الفلسطينيون ليسوا سذجا لتصديق ذلك، هذا الخلط والتحقير المخابراتي والامني الرائج لدى مناصري السلطة وحزبها (فتح تيار عباس) لن تكون نهايته الا نهايتهم ان واصلوا المسيرة هكذا فهم تجاوزوا فكرة التنسيق الامني نحو ضرب النسيج الاهلي بحجج لاترقى للكوارث التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. بل ان بعضهم بات يروج الى ان خصومهم السياسيين اي حماس والجهاد هم من دمروا غزة ومخيم اليرموك بينما يظن القارئ لنظرياتهم ان الاحتلال وبشار الاسد وايران كانوا الفاعل الثانوي وربما متفرجين على التدمير عندما قامت حماس والجهاد بذلك. هذا اسمه خسة وعنصرية سياسية هدفها استخدام الذريعة الضعيفة والخصومة السياسية واخطاء الخصوم السياسيين وهذه الاخطاء ليست حكرا عليهم فقد كانت كل الفصائل والقوى الفلسطينية والقيادات تقع في اخطاء ربما كارثية لكنها ليست مبررا للتقوي بالاحتلال ونظرياته على الاخ كوسيلة لتحقيق الغاية الخبيثة التي تهدف لاقتلاع روح المقاومة وتجريم المقاومة المسلحة وفكرتها كليا في شمال الضفة و لضرب كل القضية الفلسطينية وتحقيق مآرب لزمرة صغيرة لاتمثل الشعب الفلسطيني كله وليست اهلا لقيادته في هكذا ظروف بل هي عالة عليه وباتت منذ زمن بعيد تسرق القيادة وتسطو عليها..
عقلية الدولة الموهومة..
يصعب وفقا بما تقدم تصديق أن السلطة تواجه خارجين عن القانون او اتباعا لايران في الضفة، ثم لماذا الان يتم ذلك فهم اي اتباع حركة الجهاد الاسلامي من ابناء المخيم وهم في المخيم منذ تاسيس الحركة ، ثم ماذا بشان مقاتلي كتائب الاقصى، هل هم ايضا خارجون عن القانون وتابعون لايران؟!، بالعامية: “مجنون يحكي وعاقل يصدق” ان مايجري هو اقتتال فلسطيني هنا.. هذا ليس اقتتالا بل هو تبادل ادوار مع جيش الاحتلال ، وللاسف هناك اناس يروجون انه اقتتال وملاحقة للخارجين عن القانون ويصرون على ذلك.
طيب ان كان المقاومون خارجين عن القانون، يعني هل البديل هو ان السلطة هي من ستشكل خلايا مقاومة وحماية للمواطنين من هجمات الجيش والمستوطنين؟! ان كان كذلك فلماذا قتل قناصة السلطة عائلة فلسطينية وصحافية وطفلين فلسطينيين؟ من يحمون بهذه الحالة ممن ، الشعب من الخارجين عن القانون ؟ لمن يقدمون فروض الطاعة وهذه القرابين؟. يقول احد المقاومين “ما بدك تقاوم ولا بدك تدعمني اقاوم ولابدك ياني اقاوم” !!.. وتقول اغنية لسميح شقير:” احنا الي قلنا الي بيقتل شعبو خاين” وتعيد الى الاذهان قصة سقوط الاسد نحو الهاوية ، أليس المشهد على هذا النحو؟! أليست المقاومة المسلحة خيارا يمنع التخلي عنه من بين خيارات النضال الفلسطيني؟ وهل عدم الاتفاق مع نموذج الجهاد وحماس بطريقة المقاومة المسلحة العنيفة يعني منعها كليا والقضاء على فكرة المقاومة المسلحة وابادة المقاومين؟
هل تعتقد السلطة فعلا أنها دولة؟!
عقلية الدولة لاتطبق بهذه الكيفية عندما يكون الاحتلال يهاجم شعبك كالكلب المسعور ويبيد جزءا منه، وعقلية الدولة تنتقل لتسليح الناس عادة بهذه الحالات ويتحد الجميع امنا وقيادة وعامة والجميع يصبحون جنودا ضد الاحتلال بقرار من القيادة كما كان في زمن ياسر عرفات خلال الانتفاضة وتؤجل النزاعات الاصغر لايام لاحقة ولاتكون تلم النزاعات الاصغر اولويات وطنية على حساب ردع الاحتلال ..
عقلية الدولة لاتسمح لشعبها ان يتعرض لابادة واقتحامات وهي تتفرج او تخوض حروبا عبثية مع فئة من شعبها..
عقلية الدولة يتم العمل بها عندما يكون لدينا ارض حرة فيها سيادة ودولة معترف بها اعترافا كاملا وليس اكبر من يستبيحها هو الاحتلال قبل المواطنين الخارجين عن القانون فهو اي الاحتلال اكبر خارج عن القانون الدولي . ان كنت لاتريد مقاومته فاترك شبان المخيمات والمدن يفعلون او سلحهم لمواجهته وحماية انفسهم وذويهم او يمكنك حل نفسك والغاء فكرة السلطة من اساسها..
عقلية الدولة تعرف الاولويات الوطنية في حالات حرب عدوك عليك
في هذه الحالة لاتكون الاولويات ان قناصة المخابرات تقتل اطفال ونساء وشيوخ مخيم جنين ولا تنوب عن المحتل في اقتحاماته وهو الذي اتخذ قرارا بضم الضفة لاسرائيل وبمسح شمال غزة وتهجير كل سكانه..
الاولويات الوطنية لاتكون ابدا باتخاذ المقاتلين الفلسطينيين الممولين من ايران او الخارجين عن القانون وحاملي السلاح غير المرخص (ان وجدوا فعلا) العدو الرئيسي بينما العدو المباشر “الإسرائيلي” إن افترض حقا انه عدو السلطة ومخابراتها يعربد بسلاحه وعتاده جيشا ومستوطنين فيما تبقى من بقايا ارضك ودولتك المفترضة وهو اكبر خارج عن القانون البشري وسلاحك الذي تقتل به الخارجين عن القانون واتباع ايران المزعومين تتيه بوصلته عن قتال اسرائبل وصد هجماتها وحماية المواطنين الفلسطينيين منها.. خلاصة الكلام؛ هذا ليس اقتتال فلسطينيا فلسطينيا وهذه ليست عقلية دولة،بل هو قتال من نوع طارئ جديد في الساحة الفلسطينية لمن ينزب عن المحتل ضد الشكان الاصليين مرتديا ثوب صاحب الدولة والسلطة ذات الصبغة الشرعية، وهي حالة يندمج فيها الاستبداد والاستعمار في ثوب واحد.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *