هل نحن مع الإحتلال … احتلال روسيا لأوكروانيا؟

في رسالة شهيرة سنة 1919 برر جيمس بلفور التصريح الذي اعطته الحكومة البريطانية الاستعمارية للحركة الصهيونية وحمل اسمه، وقال إن القوى الكبرى الاربع آنذاك، بريطانيا، فرنسا، المانيا، روسيا، متوافقة وملتزمة بدعم الصهيونية، وسواء أكانت تلك الحركة سيئة ام جيدة، فإنها اجدر بفلسطين واعظم بكثير من تخلف ورغبات 700 الف عربي يقطنون الارض القديمة. بكلمات قصيرة داس بلفور على ناس فلسطين وارضها ومهد احتلالها الذي استمر حتى الآن. تذكرت بلفور وتوحشه دولته والدول الكبرى وانا اقرأ الكثير من التحليلات العربية والفلسطينية لصراع النفوذ المُحتدم حاليا بين روسيا والغرب والذي يدور على ساحة اوكرانيا. لا يتحدث احد عن مصير اكثر من 40 مليون اكراني قد يقعون تحت الاحتلال الروسي، وكل التحليلات تتشاطر في فهم واحيانا تبرير ما قد يحدث من “وجهة نظر استراتيجية” وديناميات الصراع بين القوى الكبرى. كفلسطينيين عانوا من الاحتلال والبطش الصهيوني والاستعماري اكثر من قرن، علينا ان نتمسك بالمعايير الاخلاقية حتى في قمة الوسخ السياسي الذي تفاقمه “استراتيجيات” القوى الكبرى. علينا ان نقول لا لإحتلال اي شعب وعلينا ان نتمسك بوعي انساني وقيمي يقود بوصلتنا السياسية. لن يؤثر رأينا او تأييدنا او عدمه على اي طرف من الاطراف، فنحن، بل وكل العرب، خارج المعادلة اصلا. لكن علينا ان نعبر في هذه الواقعة عن ضمير عميق وليس رعونة اللحاق بمقولة عدو عدوي هو صديقي وكأنها تنطبق في كل حدث وسياق، والتمترس بها اليوم في معركة الناقة فيها والجمل يرعون بعيدا عنا.
في التحليلات العربية والفلسطينية التي تملأ الاعلام اليوم هناك محاولات فهم حقيقية لما يحدث وتأثيراته تستحق الاحترام، وهناك في المقابل محاولات تسطيحية واخرى رغبوية تحمل في طياتها رغبة خفية بأن تقوم روسيا بخطوتها الكبرى وتحتل اوكرانيا – حتى تلقن امريكا والغرب درسا! تتمادى الرغبوية هذه في إظهار اعجابها بعظمة بوتين ووقوفه في وجه الغرب وتلاحق كل تصريح يقوله وحتى لغة جسده، وتبرزه بالقائد العظيم الذي سيغير وجه التاريخ … بوتين السلطوي والدكتاتوري مهووس ب “مجد روسيا الماضي” ويريد إعادة بعثه، ويديه ملطختان بدماء الشعوب المجاورة التي بطش بها من الشيشان الى جورجيا والقرم، وصولا الى سورية. ينتمي الى نفس مدرسة القادة المجرمين المعاصرين له: من جورج بوش وكلينتون واوباما الى ترامب وبايدن، وليس انتهاءً بتوني بلير وجونسون وساركوزي وماكرون. بوتين يعيد بعث بلفور في دوسه على رغبات اربعين مليون اوكراني بمسوغ حسابات الدول الكبرى والاستراتيجيات وسوى ذلك من هوس بالقوة لا يُلقي بالاً بعشرات الملايين من الناس الابرياء الذي قد تدوسهم الدبابات الروسية قريبا. كفلسطينيين نحن مع حرية الشعوب واستقلالها وضد الاحتلال العسكري مبدأ وممارسة، ومن هذا المنظور، منظور الاصطفاف مع الشعوب، نقارب السياسة ونفهمها.