هل سيكون 2025 عام الحسم بين “خطة الحسم” ومشروع الدولة الفلسطينية؟

اعلان القيادة الفلسطينية بأن العام 2025 هو عام قيام دولة فلسطين، وهو مسنود بإجماع رسمي عربي واقليمي وتأييد دولي يسعى لأن يكون نقطة انطلاق من الشعار الى المشروع المحدد بجدول زمني، وشبه اجماع دولي. مقابل تصريحات صادرة عن قيادات اسرائيلية بأنه حان وقت اعلان الضم وفرض السيادة الاسرائيلية من النهر الى البحر، هما مؤشر لطبيعة المرحلة الحالية والقادمة، ولكون الصدام سوف يحتدم بين المشروعين النقيضين.

تراهن اسرائيل على التعيينات في ادارة ترامب ذات الصلة في المنطفة، ويعتبرها القنال14 اليمينية بأنها الادارة الاكثر مناصرة لاسرائيل ولفرض السيادة على الضفة الغربية. السفير الامريكي الجديد، ووزير الخارجية، والمندوبة للامم المتحدة ووزير الدفاع الامريكي والمبعوث الى الشرق الاوسط، جميعهم من اقصى اليمين العقائدي الافنجالي ويساندون الضم:

وزير الدفاع الامريكي الجديد هو بيت هاجست، ووفقا له فإن حل الدولتين “قد مات فعليا”، وقد عارض اي تهدئة او صفقة في غزة واعتبرها “ابتزازا من قبل حماس”. كما ويعارض بشدة اي تصريحات للاعلام تدعو لاقامة دولة فلسطينية.

وفقا لموقع واينت الاسرائيلي، “يعتبر هاكبي مؤيدا قويا لضم يهودا والسامرة، قال أيضا في الماضي إنه يفكر في شراء منزل في إفرات[مستوطنة]. وبصرف النظر عن زيارته إلى شيلوه [مستوطنة]، وقد صلى في قبر يوسف في نابلس ورفض حل الدولتين. “ما يتم بناؤه هنا هو جسر إلى السلام”، قال عندما زار إفرات في عام 2018، في اشارة الى  الشراكة الاقتصادية مع العمال الفلسطينيين الذين ادعى أنهم يحصلون على أجور وظروف أفضل مما يحصلون عليه من السلطة الفلسطينية. ودعا هاكبي إلى مواصلة البناء في المنطقة، على عكس التجميد الذي فرض خلال إدارة أوباما.” الرهان الاسرائيلي هو على ان حاشية ترامب وكبار مسؤوليه ذوي الصلة بالمنطقة من انصار اسرائيل والصهيونية والاستيطان ومن انصار الضم. وكذلك الامر بالنسبة الى وزير الدفاع ووزير الخارجية الجديدين.

اما وزير الخارجية ماركو روبيو فهو يساند “حق اسرائيل في الحرب على لبنان وفي تسديد ضربة جوهرية لايران، ويعارض دولة فلسطينية. في حين يؤكد المرشح لرئاسة مجلس الامن القومي مايك وولتس فضل اسرائيل على الولايات المتحدة ويعتبرها :أكبر وأهم حليف للولايات المتحدة على الاطلاق” ويعارض اي مس في المساعدات العسكرية الامريكية لها.

تؤكد تركيبة الادارة الجديدة المزمع اقرارها وجود توافق على ان الصراع الاساسي عالميا هو مع الصين وفي منطقتنا مع ايران، هناك مواقف متباينة بشأن الموقف من روسيا ومن الحرب في اوركرنيا مع التأكيد بأن التيار الاقوى هو لانهاء الحرب بالتفاهم مع روسيا، فلسطينيا وعربيا فإن الموقف بين اعضاء ادارة ترامب هو لصالح الضم وانهاء حل الدولتين. بيد ان مفاتيح القرار هي بيد ترامب وبشكل مطلق حتى وان كانت سياسته غير معلنة لغاية الان.

في المقابل فإن السفير الذي اختاره نتنياهو ليمثل اسرائيل في  واشنطن يحيئيل ليتر من منظّري اليمين الاستيطاني والضم، يسكن في غوش عتسيون، ومُعتمد كأحد اهم منظرين منتدى كوهيليت اليميني العقائدي الذي تعود اليه تسويغات الانقلاب القضائي الاسرائيلي الذي لم يحسم بعد. كما تعود اليه معظم مشاريع القوانين ذات الصلة وكذلك القوانين التي تشرعن سيادة اسرائيل على كل فلسطين. حتى الاعلام الاسرائيلي يصفه بأنه قد يكون “سفير المستوطنين” في واشنطن. وصفت هارتس السفير الموعود بأنه “بصفته مستوطنا وناشطا من اجل المشروع الاستيطاني والضم وذو ماضٍ كهاني [نسبة الى الراب مئير كهانا الاب الروحي للتيار الكهاني القائم على عقيدة “العربي/الفلسطيني الجيد هو العربي الميت” والذي يرثه سياسيا حزب عوتسما يهوديت بقيادة بن غفير] وبأنه يرى دوره تمثيل ارض اسرائيل وليس فقط دولة اسرائيل.

فكرة موت حل الدولتين حين تأتي من اقصى اليمين الصهيوني والافنجالي الامريكي، فهي ترديد لمقولة تسعى للتأثير على السياسات الامريكية. فقد نسبها السفير الامريكي السابق في اسرائيل دافيد فريدمان الى ترامب مؤكدا ان الاخير قد توصل الى هذه القناعة. ثم ان فكرة التعايش السلمي بين الفلسطينيين في الضفة مع المستوطنات، وبكون العمال الفلسطينيين الذين يعملون فيها في البناء، يتقاضون اجرة شهرية تفوق كثيرا معدل المعاشات في السلطة الفلسطينية، هي تندرج في فكرة “السلام الاقتصادي” و”تقليص الصراع”، وقد باتت الطرق الالتفافية على قضية فلسطين ودولة فلسطينية مسألة اجماع قومي صهيوني من الحكومة والمعارضة.

في الميزان الاستراتيجي فإن اسرائيل قد تراجعت عربيا واقليميا ودوليا، كما انه بخلاف دورة ترامب السابقة حيث سارعت الدول وحصريا العربية والاوروبية في ملاءمة سياساتها لطموحات ترامب، فإنها وبعد انتخاب ترامب للرئاسة الثانية تتخذ الاجراءات وتقوم بالاصطفافات الهادفة الى حماية مصالحها القومية اولا على غرار امريكا اولا. كما ان اعتبار اقطاب ادارة ترامب بأن اسرائيل هي التي تُضاعف قدرات النفوذ الامريكي في المنطقة وليس العكس، فإن هذه الدولة تتراجع بنيويا واستراتيجيا وليس مجرد وضع آني ثم تعود الامور الى ما كانت عليه في مرحلة الاتفاقات الابراهامية. كما من المستبعد ان تقبل أيّ من دول المنطقة برهن علاقاتها مع روسيا او الصين او ايران بناء على نوايا ترامب وادارته.

تتأتى خطورة ادارة ترامب من نموذج الخطوات الجزئية المؤقتة والتي تصبح ثابتة ومؤسسة لخطوات اخرى، كما هو حال نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس قبل ستة اعوام، فقد اعتمد ترامب في حينه قرارات الكونغرس المجمدة، الا ان ادارة بايدن لم تتراجع عن نقل السفارة والتزمت بالامر الواقع القانوني امريكيا. حاليا من المحتمل ان يحصل تآكل في فكرة الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، ولا يبدو ان الحزب الدمقراطي في حال عاد الى الحكم بعد سنوات سيقوم بخطوات تصحيحية في هذا الصدد. رغم معارضة ادارة بايدن المعلنة لتوسيع الاستيطان ولجرائم ميليشيات المستوطنين الا ان كل ما اتت به هو فرض عقوبات على افراد معدودين بينما فعليا اعتبر ذلك شرعنة للاخرين وللاستيطان. ثم انه مقابل مسؤولية الولايات المتحدة عن حرب الابادة على غزة ستبدو اية خطوة من قبل ترامب مخفَّفّة، او قد تخلق الاوهام الخطيرة بأن الأشد خطورة بات من الماضي.

فكرة حل الدولتين لم تكن يوما مقبولة اسرائيليا، سوى ما ينسب الى حكومة رابين الثانية ومواقف لم تتجسد مثل اولمرت، في حين ان الوثائق التاريخية التي يتم الكشف عنها مؤخرا عن رابين من العام 1974 والتي كانت سرية في ارشيف الدولة لخمسين عاما، فإنها تركد تحذيره من خطورة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 67.

الا ان حل الدولتين ليس منوطا بموافقة اسرائيل بل بقدرة الفلسطينيين والعرب على تحقيقها مستندين الى القرارات الدولية التي قامت عليها اسرائيل مشروطة بقيام فلسطين. وهذا يتبلور حاليا كوعي دولي اخذ بالاتساع. من هنا تأتي اهمية مؤتمر الرياض للدول العربية والاسلامية والمنظمات الدولية نحو اقامة دولة فلسطين وفقا لجدول زمني وللدفع نحو تحرك دولي بفرض الحل. كما من اللافت بداية مناقشة الاتحاد الاوروبي مقترح مفوض العلاقات الخارجية جوسيب بوريل بصدد تعليق الحوار الاوروبي الاسرائيلي، والذي يشكل لجنة متابعة لاتفاقات الشراكة، ويشمل مناحي تعاون وتمويل اقتصادية وسياسية وبحثية واكاديمية واسعة للغاية وملموسة في حال وقفها. قد لا يتوافق الاتحاد الاوروبي الا ان التحول في جدول الاعمال من المستوى التصريحي والدبلوماسية الناعمة، الى التوجه القائمة على العقوبات والمسائلة وفرض الحل هو منحى تراكمي ضروري للحل مستقبلا.

قد يكون لموقف ادارة ترامب من الحرب في اوكرانيا اسقاطات على فلسطين. فالموقف هو وقف الحرب والتوقف عن تمويلها امريكيا الا اذا كان طرف اوروبي معني بتمويلها، وهو ما اراده ترامب في دورته السابقة في المنطقة العربية من فكرة مقايضة الحماية الامريكية وجزء منها الاسرائيلية بالتمويل العربي وحصريا الخليجي، باعتبار الصراع الرئيسي في المنطقة هو مع ايران وبناء عليه كانت فكرة التحالف الابراهيمي والحلف العسكري الاقليمي وفي محوره اسرائيل، كما وتماشى مع ذلك نقل اسرائيل من اوروبا الى القيادة المركزية في القوات الامريكية – سنتكوم. الاتجاه في الادارة للقبول بإنهاء الحرب وفقا للواقع على الارض اي ضم المناطق التي اخضعتها القوات الروسية الى روسيا، يفتح المجال وفقا لمعايير ترامب الى المطالبة الاسرائيلية رسميا بضم الضفة الغربية وحصريا المناطق ج الواقعة تحت الاحتلال المباشر والتي تشكل مساحتها نحو ثلثي مساحة الضفة. بناء عليه لن يكون مفاجئا ان تدعم حكومة نتنياهو الموقف الروسي في هذا الصدد، سعيا لتعزيز مطلبها بضم الضفة الغربية وانهاء فكرة دولة فلسطين.

تختلف الاراء وبحق في النظرة الى النظام العربي بما فيه السلطة الوطنية الفلسطينية، كما وتختلف وبحق في مسألة الحلول وكيفية تطبيق شعب فلسطين لحقه في التحرر الوطني والعودة وتقرير مصيره، الا انه لا يوجد مشروع سياسي دولي حقيقي غير حل الدولتين. كمل لا يوجد حراك دولي غير المطروح حاليا، كما وفيه تأكيد ان دولة فلسطين تأتي في اطار حل عربي باعتبارها قضية عربية، وفي اطار الحل الدولي، رغما عن المعارضة الاسرائيلية التي تصبو الى الاجماع. كما انه مشروع لا يعتمد لا خارطة طريق امريكية ولا خطة المراحل، بل مسعى لاقامة قطب دولي متنوع ومتماسك معني بالحل ويسعى اليه فعليا. حتى هذا لا يعني ضمان النجاح لكن منع التراجغ والتقدم خطوات.

للخلاصة:

  • من الخطأ المصيري التعامل مع مسألة الضم كما لو كانت واقعة لا محالة او التقليل من جديتها ومخاطرها، بل ان افق منعها لا يزال قلئما. كما من المتوقع ان يعترف ترامب بدوره بأن المنطقة قد تغيرت في السنوات الاربع الماضية منذ انهاء ولايته السابقة، كما تغيرت ارتباطاتها بالنظام العالمي الاخذ بالتبلور. كما ان الموقف العربي والاقليمي اي العربي والايراني والتركي قد يكون حاسما الى جانب الموقف الفلسطيني.
  • لا يزال افق قيام دولة فلسطينية قائما ويزداد الحاحية فلسطينيا وعربيا ودوليا. بل عالميا بات الوعي واسعا وليس فقط من باب الحقوق والعدالة، بل الاعتراف بأنها ضرورة للاستقرار العالمي واقليميا.
  • من المفروغ منه ان الموقف الامريكي من اسرائيل هو اقوى من اي رئيس امريكي واي رئيس حكومة اسرائيلي، الا ان الحراك الفلسطيني والعربي والدولي المناصر لقيام دولة فلسطينية قد يكون اللاعب الحاسم الذي لا تستطيع ادارة ترامب تجاوزه.
  • لا مكان للتسليم بأن خطة الضم وخطة الحسم واقعتين لا محالة بل ان الارادة الفلسطينية هي شأن حاسم وهي ما حمت حقوق شعب فلسطين على مدار ثمانية عقود ومنعت طمسها، وهذا هو الدور المتوخى من م ت ف وبأن تستنهض ذاتها وشعبها. على ان تكون الاولويات المباشرة هي وقف حرب الابادة وضمان سيادة فلسطينية واحدة والا يكون اي فصل بين مصير غزة والضفة والقدس.
  • ليس مجرد شعار، بل حقيقة هي انه ما دام شعب فلسطين لا يمكن تجاوز قضية فلسطين

عن الاتحاد

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *