هل ستنطلق حملة احتجاج اسرائيلية لوقف الحرب؟
تتراكم أثمان الحرب بشكل متسارع، تتقدم اسرائيل عسكريا وفقا لتصريحاتها، في حين يتعاظم الثمن البشري، وبينما يؤكد وزير الامن غالنت وقادة الجيش وجود مؤشرات لانكسار حماس ولحسم المعركة وليس لنهايتها. تظهر ولأول مرة وبشكل صادم للمجتمع الاسرائيلي حقيقة الافصاح عن حجم الخسائر البشرية المتمثلة بعدد الجرحى من الجنود ودرجات الاصابات. تتصدر هذه المسألة جدول الاعمال الاسرائيلي بالتزامن مع ما رشح عن مصادر امريكية رفيعة أكدتها وكالة أكسيوس عن توجيه امريكي لإسرائيل بوقف الحرب بنهاية العام الجاري وبأن نتنياهو (9/12) سيجمع الحكومة للبحث في احتمالية وقف إطلاق النار.
نشر موقع واينت وصحيفة يديعوت احرونوت 9/12 ارقاما صادمة بشأن عدد الاصابات بين الجنود وقوات الامن الاسرائيلية والذي بلغ خمسة الاف، ووفقا لرئيسة قسم تأهيل المصابين في وزارة الامن فإنه “58% من الجنود الجرحى الذين يتم تحويلهم للعلاج في هذا القسم يعانون من اصابات بالغة في الايدي والارجل، بمن فيهم من سيتم بتر اطرافهم. مقابل 12% من الاصابات الداخلية في الطحال والكليتين وتمزق اوعية داخلية في حين 7% من الاصابات نفسية. وفقا لذات المصدر فإن 2000 جندي وشرطي ومن قوات الامن تم الاعتراف بهم رسميا كمعاقي قوات الامن، وقد بلغ المعدل اليومي لعدد المصابين الذين يتم استيعابهم 60 مجندا.
تظاهر مساء السبت 9/12 عشرات الالاف من أنصار الحملة لإعادة الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين في غزة، داعين الى اطلاق سراحهم ضمن صفقة تبادل فورية، معتبرين ان الحكومة قد فضلت تعميق الحرب البرية في غزة وعلى حساب المخاطرة المباشرة بحياة المحتجزين الاسرائيليين، والذين نشرت صحف نهاية الاسبوع اعترافات وشهادات ممن تحرروا في صفقات التبادل الاخيرة، أكدوا فيها ان حياتهم كانت في خطر داهم تحت وابل القصف الاسرائيلي.
بموازاة العائلات والحراك الشعبي المساند فقد صرّح عدد من كبار القادة العسكريين والامنيين السابقين عن تقديراتهم امام القنال 12 الاسرائيلية (9/12/23) بأن الحكومة الاسرائيلية قد حسمت امرها لصالح الاتجاه الذي يدفع به وزير الامن غالنت والذي قرر اعطاء الاولوية لتعميق الحرب وتوسيعها في غزة وعلى حساب تراجع اولوية اعادة الاسرى والمحتجزين من غزة. فقد حذر الجنرال عاموس غلعاد رئيس الدائرة الامنية في وزارة الامن سابقا، من مساعي تحرير الاسرى بالقوة العسكرية العملياتية ويؤكد “لسنا في عنتيبي” (في اشارة الى مطار العاصمة الاوغندية حيث تمت عملية تحرير رهائن من طائرة مخطوفة في العام 1976) وقد تتعقد الامور في هكذا عمليات. في حين قال دان هارئيل قائد المنطقة الجنوبية سابقا أن قضية الرهائن والاسرى تراجعت الى مستوى متدن في الاولويات، واضاف الى ان كل التصريحات الاسرائيلية قائمة على اللاءات لما لا تريده اسرائيل، ولا توجد استراتيجية “ماذا نريد”، في حين يضغط البيت الابيض لاستشراف الوضع لليوم التالي للحرب. بينما اعتبر رئيس الموساد السابق تمير باردو بأن من واجب الحكومة ان تحسم بأن اولويتها هي تحرير الاسرى والرهائن ولا يمكن الا بصفقة تبادل. واعتبر باردو انه لا يمكن الجمع بين هدفين متنافرين وهما استمرار الحرب وتعميقها من اجل تقويض حماس وتحرير الاسرى، واقترح ان تقر الحكومة ان مسؤوليتها هي التوجه الى حماس ومن خلال الاطراف العربية والدولية وتعرض صفقة شاملة لتبادل الاسرى وحتى ولو كان الثمن وقف الحرب. فالهدف وفقا الى باردو هو اعادة المحتجزين ال 138 احياء واعادة سكان البلدات الحدودية جنوبا وشمالا والذين نزحوا بأمر حكومي، وبالإمكان لاحقا تصفية الحساب مع حماس. وحذر من تراجع قدرة الولايات المتحدة على المناورة مطولا بحيث باتت هي الدولة الوحيدة مع اسرائيل والمدانة في جلسة مجلس الامن (8/12) حتى ولو غير رسميا، بينما غيرت معظم الدول الغربية من سياساتها.
بدأت الحكومة في مساعيها لإعادة استيعاب العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية والبالغ عددهم نحو 130 ألفا في المرافق التشغيلية في مجالي البناء والزراعة اللذين كانا من اكثر الموافق تضررا خلال الحرب.
قراءة:
رغم ان التوافق الاسرائيلي على الحرب على غزة لم يكن يوما متماسكا، فإنه يواجه تراجعا وتصدعات تجعل الموقف من الحكومة قائم على نزع الثقة الشعبية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وادارة الحرب، والغضب الشعبي الهائل بشأن الاسرى المحتجزين في غزة، والذين باتت قضيتهم مهمشة على جدول اعمال الحكومة باستثناء موقف حزب المعسكر الرسمي.
دخلت اسرائيل في مرحلة تشكيك ذاتي في القدرة على حسم الحرب وفي عدم توافق بشأن اهدافها وبشان اليوم التالي للحرب. ويمكن القول ان الاحتجاج الشعبي بشأن الاسرى المحتجزين قد خرج عن سيطرة الحكومة والشرطة واجراءات الطوارئ، نظرا لحالة اليأس الشعبي من تقدم الحكومة في هذه المسألة.
كما الحال بالنسبة الى رفض السكان العودة الى البلدات الحدودية في الجبهتين الجنوبية والشمالية، فإن قضية الاسرى المحتجزين هي ابعد من مسألة تبادل أسرى عادية، بل ونتيجة لإخفاق 7 اكتوبر فقد باتت عاملا في التفتيت المجتمعي وتفكك “العقد الاجتماعي”، اي تفكك في اركان المشروع والقيم الصهيونية القائمة في هذا السياق على ان الاستيطان على المناطق الحدودية هو الضمانة للحدود الامنية لإسرائيل وبأن اسرائيل لم تعد البيت الامن لليهود اينما تواجدوا.
لم تظهر لحد الان اية حركة احتجاج شعبي اسرائيلي على استمرار الحرب، الا ان الثمن الباهظ بشريا واقتصاديا واجتماعيا بدأ يلقي بظلاله، ومن شأنه ان يجد في الجدل الامريكي بشأن تقلص المهلة الزمنية امام حكومة نتنياهو الى الانطلاق الشعبي من حالة غضب الى حالة احتجاج شعبي سياسي ومن دون اكتراث حاليا بمصير قضية فلسطين.
عن مركز تقدم للسياسات