هل ستكون وحدة القوى في مخيم جنين مقدمة للوحدة الوطنية الشاملة؟

رداً على المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي وذهب ضحيتها تسعة شهداء، تمّ الإعلان في مخيم جنين أخيراً عن وحدة الأجنحة العسكرية في الميدان، فهل ستكون الخطوة مقدمة لوحدة وطنية شاملة واسعة تشمل بشكل جلي كافة القوى والفصائل تمليها المصلحة الوطنية، في وقت تشتد فيه وطأة الهجمة الإسرائيلية الفاشية على كافة مناحي حياة الفلسطينيين على امتداد فلسطين التاريخية، وسيكون العنوان المشترك بكل تأكيد شعبا واحدا ووطنا وحيدا وقضية واحدة وجامعة.
الوقت من دم
يلحظ المتابع لمشهد الصراع مع الدولة المارقة إسرائيل أن الوقت من دم بالنسبة للشعب الفلسطيني والتاريخ لا يرحم، والكل الفلسطيني مستهدف ولا يمكن أن تكون المواجهة مع الاحتلال عشوائية بل يجب أن تكون مدروسة بدراية كاملة بعد تحقيق مصالحة سريعة، ولا يمكن أن تكتمل دائرة المصالحة الحقيقية وترسيخها بين القوى والفصائل لتشمل فلسطينيي الداخل، دون تفعيل دور حقيقي لمنظمة التحرير ومؤسساتها المتعددة التشريعية والتنفيذية والمجتمعية والثقافية والدبلوماسية في وقت قياسي وصولاً إلى ضخ دماء جديدة فيها، ومشاركة واسعة من الأغلبية الصامتة من الفلسطينيين في داخل فلسطين التاريخية والشتات؛ ونقصد بالقوة الصامتة الفعاليات السياسية والاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين ؛ فهناك طاقات كامنة كبيرة في صفوف الشعب الفلسطيني يمكن الاستفادة منها عبر تجميع الجهود وتوجيهها لمصلحة القضية الوطنية الفلسطينية.
وبذلك، يمكن الحديث عن إمكان القيام بدور فعّال لمنظمة التحرير وأطرها المختلفة، لجهة حماية الشعب الفلسطيني ورسم مستقبله لنيل كافة حقوقه الثابتة والمشروعة؛ وقد يكون ذلك بمثابة جدار متين وطوق نجاة في مواجهة الرؤى والتصورات الأمريكية والإسرائيلية التي تسعى إلى تهويد الزمان والمكان بالقوة، لترسيخ فكرة يهودية إسرائيل.
التحديات الجمة
تتطلب التحديات الجمة التي تواجه الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها عملية التقتيل الإسرائيلي على مدار الساعة، تتطلب الإسراع إلى عقد مصالحة فلسطينية حقيقيةٍ وسريعة، تتعدى ضغوط المال السياسي والاحتفالات الشكلية المتكررة، بحيث يشارك فيها الكل الفلسطيني، لإنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية دون رجعة، ثم الاتفاق على رسم استراتيجية كفاحية مشتركة، ترقى إلى حجم التحديات.
بعد ذلك يمكن أن تكون الطريق ممهدة لتشكيل مجلس وطني فلسطيني جامع وانتخاب لجنة تنفيذية فاعلة تقدم تقارير دورية للمجلس الوطني الفلسطيني حول عمل المؤسسات المختلفة بغرض تقييمها والانطلاق إلى الأمام لتحقيق أهداف مخطط لها مسبقاً على الصعيد السياسي والدبلوماسي والثقافي والكفاحي اليومي لكافة الوسائل المشروعة لحماية الشعب الفلسطيني وتحقيق أهدافه العليا والمتمثلة أساساً في طرد الاحتلال من جنبات الوطن وتفكيك معالمه الاحتلالية والعودة إليه.
سياسات ممنهجة
إضافة إلى عمليات التقتيل التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون الصهاينة على مدار الساعة والتي لم تكن أولها وآخرها مجزرة مخيم جنين قبل عدة أيام وذهب ضحيتها تسعة شهداء بينهم امرأة، استصدرت إسرائيل خلال العقد الأخير، حزمةً من القرارات العنصرية الفاشية التي من شأنها الإطباق على مدينة القدس وتهويد الزمان والمكان في الداخل الفلسطيني وفي الضفة الغربية .
وفي هذا السياق، تفيد تقارير أن إسرائيل استطاعت السيطرة على 93 في المائة من مساحة الجزء الشرقي من مدينة القدس المحتل عام 1967، ناهيك عن بناء طوقين من المستوطنات يحيطان بالمدينة من كافة الجهات ويقيم فيها نحو (200) ألف مستوطن إسرائيلي غالبيتهم من المتدينين، وقد تم طرد آلاف المقدسيين، بعد قرار تهويد التعليم في المدينة قبل عدة سنوات، واستغلت إسرائيل حالة الانقسام الفلسطيني المرير، لتجعل من النشاط الاستيطاني العنوان الأبرز في سياساتها اليومية، الأمر الذي أدى إلى سيطرة كبيرة على أراضي الضفة الغربية لصالح المستوطنات والنشاط الاستيطاني، وكنتيجة مباشرة لحالة الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، أصبحت مؤشرات البؤس هي السائدة بين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، فقد وصلت معدلات البطالة إلى نحو (60) في المائة من قوة العمل في قطاع غزة، وارتفعت، بعد العدوان الإسرائيلي المستمر بأشكال مختلفة على الشعب الفلسطيني .
ونتيجة ذلك، باتت الخيارات التعليمية والصحية ضعيفة، فمن أصل أكثر من مليوني ومائتي الف فلسطيني في قطاع غزة يعيش (60) في المائة تحت خط الفقر، كما ترتفع معدلات البطالة في الضفة الغربية ولو بمعدلات أقل ، وثمة تمييز عنصري إسرائيلي واضح إزاء فلسطينيي الداخل في مجالات التعليم والصحة والموازنات والعمل في قطاعات استراتيجية بغرض تهميشهم في نهاية المطاف، فضلاً عن التهويد المتدرج لما تبقى من ملكية أراضي في حوزة فلسطينيي الداخل. تلك السياسات الإسرائيلية المتوحشة تتطلب تحقيق مصالحة سريعة ووحدة وطنية بالمعنى الحقيقي للكلمة تتجاوز الشكليات، بحيث يكون الشعار الجامع “شعبا واحدا، أرضا واحدة ، قضية واحدة “.
عن القدس العربي