هل خطة ترامب قابلة للتطبيق أم لا؟ ليس هذا هو السؤال

يرى رئيس الحكومة نتنياهو، أن خطة ترامب لمستقبل غزة هي “أول فكرة جيدة يسمعها، هي فكرة استثنائية “. وما تتضمنه هذه الفكرة بالضبط – لم يعد واضحا تماما، إذ سارع البيت الأبيض إلى تمويهها وجعلها فكرة بريئة . ولكن كما عرض نتنياهو الفكرة فإن الأمر يتعلق فقط بمنح سكان غزة الذين يرغبون في المغادرة، المجال للعودة إذا رغبوا في ذلك، وبينما لا يكونون هناك – ببساطة يمكن إعادة إعمار غزة. وحسب أقواله: “وما السيء في ذلك؟ .
هذا التحليل ليس مخادعا فحسب، بل هو أيضاً مضلل عن قصد لأنه يتجاهل ما وضعه ترامب على الطاولة بالفعل ، وفي موازاة ذلك يروج لفكرة ترحيل مليوني شخص. فإذا وضعنا بالاعتبار أن إعادة إعمار غزة ستستغرق ما بين 10 إلى 15 سنة – حتى لو تم ضمان منح سكانها فرصة العودة – فإن ذلك في الواقع يمثل محوًا للحياة الفلسطينية في غزة.
من الصعب تخيل أن يستيقظ اليهود والإسرائيليين على واقع جديد، يختفي فيه ببساطة مجتمع ملتزم بتدميرنا وشعب يقدس ثقافة تهلل لموت اليهود . في الوقت الحالي، تتجاهل وسائل الإعلام الإسرائيلية عبارة “المؤقت” التي أضافتها المتحدثة باسم البيت الأبيض إلى الخطة، المليئة بتحليل المواقع المحتملة التي يمكن أن ينتقل إليها سكان غزة، إلى جانب تقييمات “الخبراء” لجدوى كل بديل . إن العثور على منطقة نائية في أفريقيا أو أوروبا لسكان غزة يذكرني بعمليات البحث اليائسة منذ حوالي مائة عام عن وطن قومي للشعب اليهودي – ربما كانت هذه الأفكار مدروسة ، لكنها تجاهلت حقيقة أن الشعب اليهودي كان لديه وطن بالفعل. سكان غزة أيضا لديهم وطن .
يمكن للمرء أن يتفهم إغراء التشبث بهذه الفكرة، ولكن ما لا يمكن قبوله هو تجاهل أبعادها الأخلاقية . فالسعي لتحقيق الأمن والدفاع عن النفس يشكل واجباً أخلاقياً، ولكن الأخلاق تتطلب إدارة الحروب العادلة، حروب الدفاع عن النفس، بشكل عادل، مع التمييز بين المقاتلين والمدنيين – أثناء القتال وبعده. إن فكرة الترحيل الجماعي للشعب الفلسطيني الذي يعيش في غزة تتعارض مع القانون الدولي وصادمة من الناحية الأخلاقية . إنها تتناقض مع القيم الأساسية لليهودية والصهيونية، ويجب على إسرائيل واليهود في جميع أنحاء العالم أن يرفضوها رفضا قاطعا .
يتفق معظم الناس على أن خطة ترامب البائسة لتحويل غزة إلى “منطقة استجمام ” جديدة في الشرق الأوسط غير قابلة للتنفيذ . فمع عدم وجود قوات أميركية على الأرض، وعدم وجود تمويل أميركي، تُركت التكاليف والعمل القذر لكيان “آخر” وهمي. لكن تناول مسألة التنفيذ يبعد النقاش عن المسألة الأساسية. السؤال هو ليس ما هو الممكن، بل ما هو المناسب – المناسب لإسرائيل، المناسب للشعب اليهودي، المناسب للإنسانية.
كوني يهوديًا وإسرائيليًا، من الغريب بالنسبة لي أن أكون في وضع أقاتل فيه من أجل بقاء الفلسطينيين في غزة، على الرغم من أنهم يشكلون تهديدًا لإسرائيل. إنهم عدونا. ليس لدي أي ذرة رحمة حيال حماس، وليس لدي أدنى شك في أنهم لن يتخلوا عن رغبتهم في قتل يهود في الوقت الذي يكون فيه ممكنا، وفي أي فرصة ممكنة.
نحن ملتزمون بتحرير غزة من سلطة حماس، لأنه لا مستقبل لغزة أو لإسرائيل ما لم يتحقق هذا الهدف. ولكن عندما نواجه عدوا قاسيا، لا أريد أن نتبنى قسوته. فترحيل أعداد كبيرة من الناس من ديارهم وبلدانهم لايشكل الطريقة التي نحارب بها أو نحل النزاعات بها – ويجب أن تكون إدانتنا الأخلاقية واضحة وقاطعة .
صراعنا مع الشعب الفلسطيني مستمر منذ عشرات السنين . ولكن الحرب في غزة، على الرغم من كل التحديات التي فرضتها، خلقت الفرصة لدفع تسوية جديدة في غزة وتوسيع نطاق السلام في الشرق الأوسط. الحكومة تعمل على إسكات الحديث عن ذلك ليس لأنه غير ممكن، بل لأن الائتلاف الحالي لا يطمح إلى تحقيق هذه التسوية .
الأمر يتعلق بتسوية تهدف إلى إستبدال حماس بقوة بوليسية وحكومية مشكلة من دول عربية معتدلة ملتزمة بالسلام مع إسرائيل، جنباً إلى جنب مع فلسطينيين يشتركون في نفس التطلعات. وإن اختيار التخيلات الترامبية بدلا من تركيز جهودنا على هذه التسويةالجادة هو عمل لا يغتفر.
في الواقع، تحمل هذه التسوية العديد من المخاطر والتحديات. ومع ذلك، فهي ليست أكثر واقعية من خطة ترامب العقارية لغزة فحسب، بل إنها تستند أيضًا إلى معيار أخلاقي يجب أن يوجهنا . قد يرى الرئيس ترامب نفسه صديقًا لإسرائيل، لكنه لا يفي بالمعايير الأخلاقية التي يجب على إسرائيل والشعب اليهودي الالتزام بها. إن حقيقة أن رئيس حكومة إسرائيل يسير على خطاه هي أمر مشين .
السلام لا يتحقق بالقضاء المطلق على العدو. إنه يتطلب تحييد قدرة العدو على إلحاق الأذى بنا، ولكن بعد ذلك حشد شجاعة الجانبين للنظر إلى بعضهما البعض، والاعتراف بحقوق كل جانب، والبدء في بناء مستقبل جديد وأفضل.
وإن الإنجاز الكبير الذي حققته إسرائيل في الحرب كان في تحقيق المرحلة الأولى. يجب أن نحتفل بهذا النصر وأن نستغل الفرص التي نشأت في أعقابه . ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل والفلسطينيون ناضجين لاستكشاف الخطوات التالية، ولكن الأمر الواضح هو أننا يجب أن نوجه جهودنا إلى ذلك.
المصدر: يديعوت أحرونوت