هل تتحول هبة القدس الرمضانية الى انتفاضة؟

منذ اليوم الاول من شهر رمضان المبارك ، يقوم  غلاة المستوطنين بدعم مباشر من الشرطة الإسرائيلية  باقتحام باحات الأقصى المبارك ، وبخاصة مئذنتي باب  المغاربة وباب السلسلة ،وقطع أسلاك مكبرات الصوت فيهما، وإزداد الوضع صعوبة على المقدسيين بعد نصب الشرطة والجيش الاسرائيلي سواتر حديدية ؛أغلقت من خلالها مدرج باب العامود ؛أحد أبواب البلدة القديمة، بغرض منع التجمع في هذه المنطقة، التي تعد المكان الأهم لتجمع الفلسطينيين، فضلاً عن منع الفلسطينيين من الضفة الغربية الوصول الى الاقصى لإقامة شعائرهم الدينية في هذا الشهر الفضيل ؛ وتندرج هذه السياسة الإسرائيلية في إطار عملية التقسيم الزماني والمكاني لتهويده في نهاية المطاف .

وكرد طبيعي على إجراءات الشرطة الاسرائيلية في الاقصى المبارك ؛تشهد المدينة منذ بداية شهر رمضان هبة حقيقية  ضد الاحتلال ومستوطنيه الذين يحاولون فرض امر واقع بمحيط باب العامود لصالح مخططات الاستيطان الاسرائيلي ، وقد تم اعتقال العشرات واصابة اكثر من (150) مقدسي وصفت جراحهم بين متوسطة وخطيرة. ثمة  عوامل أساسية لقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة لا تقتصر على ما يجري في مدينة القدس من محاولات متسارعة لفرض الأمر الواقع التهويدي، أو قضية الأسرى على أهميتها البالغة، بل تتعدى تلك الملفات إلى كل ما يتصل بسياسات الاحتلال، بدءاً من الاستيطان الذي جعل حياة كل فلسطيني في الضفة بما فيها القدس على كف عفريت. ومن العوامل التي قد تؤسس لانتفاضة ثالثة، الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الفلسطينيون نتيجة إجراءات الاحتلال العدوانية، ومن بينها الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تمارس عليهم، مثل حجز إيرادات السلطة المستحقة لدى إسرائيل.

لكن في مقابل العوامل التي تؤسس لانتفاضة فلسطينية ثالثة تنطلق من القدس ، هناك شكوك في وجود حواضن شعبية واقتصادية وسياسية ؛كمرتكزات أساسية للانتفاضة واستمرارها بغية تحقيق أهداف وطنية فلسطينية معينة. في الجانب الاقتصادي على سبيل المثال لا الحصر، يؤكد محللون اقتصاديون أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية خلال العقود الماضية من الاحتلال، أدت إلى سيطرة إسرائيلية شبه كاملة على عناصر الإنتاج في الاقتصاد الفلسطيني. وتبعاً لذلك سيطرت إسرائيل على أهم مفاتيح هذا الاقتصاد ومقدراته والمتمثلة أساساً في حركة العمال والتجارة الخارجية، فضلاً عن المصادر المائية المتاحة، وأبقت اتفاقات أوسلو وما تلاها من اتفاقات اقتصادية السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الاقتصاد الفلسطيني، الأمر الذي أوقع السلطة الفلسطينية التي قامت في ربيع 1994 في شرك المساعدات الدولية المشروطة، ما جعل أداءها واستمرارها مرهونين بتلك المساعدات التي لم يتحسسها المواطن الفلسطيني في الضفة والقطاع ، لأنها كانت مشروطة من قبل الممولين.

في الجانب السياسي، أدى التعنت الإسرائيلي خلال مفاوضات مديدة بائسة وغير متوازنة أصلاً مع منظمة التحرير الفلسطينية  إلى عدم حصول الفلسطينيين على اي حق من حقوقهم الوطنية . بل  توجت بما يسمى صفقة القرن من قبل ادارة ترامب  عام 2018، وأكدت عليها ادارة بايدن من جديد ؛ رغم حديثها عن إمكانية إجراء مفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل .

 وقد مـرّ على إنشاء السلطة الفلسطينية 27 عاماً، وباتت مؤشرات انهيارها واضحةً، ولا سيما مع ارتهانها لأموال المانحين، وبقائها تحت السيطرة الإسرائيلية، وفقا لاتفاقية إعلان أوسلو في الثالث عشر من ايلول /سبتمبر من  العام 1993، فضلاً عن استمرار إسرائيل بتنفيذ مخططاتها التهويدية والتي كان أخطرها ارتفاع وتيرة النشاط الاستيطاني منذ صيف العام الماضي 2020 في منطقة غور الأردن،التي تشكل (30) في المائة من مساحة الضفة الغربية التي تصل الى (5800) كيلومتر مربع. وكمتابع فإن هبة الاقصى التي نشهد فصولها خلال شهر رمضان المبارك لن تتحول الى انتفاضة حقيقية في ظل عدم وجود أجندة وحواضن سياسية ، فالوحدة الوطنية غائبة؛ وخاصة في الميدان ؛ ولهذا لا يمكن الحديث عن انتفاضة  واستثمار نتائجها سياسيا ، وكذلك امكانية الحد من سياسات إسرائيل التعسفية. الأمر الذي يتطلب تجديد وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان بدوره الغائب الأكبر بعد اتفاقات أوسلوا؛ فدور المنظمة المطلوب هو تمثيل كل الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني 48، وفي المهاجر القريبة والبعيدة ، والدفاع عن حقوقه في القدس ويافا ، وكذلك حق العودة لأكثر من ستة ملايين لاجىء فلسطيني إلى وطنهم فلسطين ، والمطالبة بتفكيك المستوطنات كمعالم احتلالية إجلائية تهويدية ، فضلاً عن تكثيف الجهود لإطلاق سراح (4500) أسير واسيرة فلسطينية من سجون الاحتلال الإسرائيلي ، ومن بينهم شيوخ وأطفال ونساء. وتالياً العمل بشكل مدروس لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وجرهم إلى العدالة الدولية لنيل عقابهم؛ وثمة امكانية في ذلك بعد نيل فلسطين العضوية في عدد كبير من المنظمات الدولية .

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *