هل أن الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل أخضعت خامنئي ؟

هذا الأسبوع، وفي إطار اجتماع عام لإحياء ذكرى شهداء الحرب الإيرانية العراقية، كشف المرشد الأعلى الإيراني خامنئي أمام العالم رواية جديدة : “الصمود حتى الموت في مواجهة الحرب النفسية التي يشنها العدو”.

وقال خامنئي : “أعداء إيران يزرعون الخوف في حرب نفسية لإجبار الأمة الإيرانية على التراجع على صعد مختلفة .

تعمل هذه الحرب على تعظيم قدرات الأعداء، ولذلك عملوا منذ فجر الثورة على الترهيب والتخويف من قدرات أمريكا وإسرائيل وإنجلترا. وكان غرض الترهيب هو التسبب في التراجع، ولكن بحسب القرآن. فإن أي تراجع لا يكون نابعا من قرار تكتيكي في أي مجال – عسكري أو سياسي أو اقتصادي – فإنه يثير غضب الله”.

وطريقة التعامل مع الحرب النفسية، حسب قوله، هي “الاعتراف بقدرات إيران وتجنب المبالغة في قوة العدو. فشهداء الحرب الإيرانية العراقية صمدوا امام هذه الحرب وأحبطوها، لذا يجب تكريمهم في مراسم”.

يؤمن خامنئي بأن صد العدو من خلال حرب التواصل المعرفي أقوى بكثير من تأثير صاروخ أو طائرة بدون طيار أو طائرة مقاتلة، وهو يدرك أن الهجوم النفسي المضاد في هذا الوقت يمكن أن يؤدي أيضًا إلى هزيمته وهزيمة نظامه

في بداية الحرب، استغل المرشد الأعلى قدراته لطرح رواية تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، وطرح رواية أخرى تدعم “الجهاد الاجتماعي والضميري من أجل فلسطين”، خاصة في الجامعات في الولايات المتحدة الامريكية . وبعد اغتيال هنية، اصبح مطلوباً منه بناء رواية جديدة، وكان ذلك بسبب المعركة النفسية العنيدة بين إسرائيل وإيران، خارجياً وداخلياً.

واضح أن التهديد الأمريكي بـعبارة “لا تفعل” والمتمثلة في الغواصة النووية “جورجيا” وتمركز العديد من الأساطيل الحربية في نقاط استراتيجية في الخليج الفارسي ومراكز أخرى حولنا، جعل خامنئي يدرك أنه كان مخطئا في تقديره أن الولايات المتحدة لن تقف إلى جانب إسرائيل كما كانت في الماضي.

بل إن هذا التطور أدى إلى توجيه تهديد من جانبه للدول السنية المعتدلة بأن لا تسمح لإسرائيل بأي نشاط في أجوائها، سواء كان هجوماً استباقياً أو رداً على هجوم إيراني.

نشهد في الصراع النفسي العسكري بين إسرائيل وإيران وأذرعها، رسائل مختلفة يتم تناقلها بين الطرفين. واغتيال هنية في قلب طهران يشكل رسالة واضحة على اختراق الحرس الثوري وهشاشته ؛ ويشير الهجوم على ميناء الحديدة في اليمن، البعيد عن إسرائيل، إلى قدرة إسرائيل على مهاجمة إيران أيضاً إذا لزم الأمر؛ ويظهر انتشار القوات الأمريكية في الخليج الفارسي والشرق الأوسط أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل. كل هذا يدفع المعلقين الإيرانيين إلى التعبير عن مخاوفهم من هجوم وقائي ضد إيران، بدعم من الولايات المتحدة.
أدى الهجوم الإيراني الفاشل على إسرائيل في إبريل/نيسان من هذا العام إلى إدراك خامنئي بأن الجغرافيا هي التي انتصرت. فإيران بعيدة جدًا عن إسرائيل من الناحية المادية بحيث لا يمكنها أن تكون قوة حاسمة ضدها. جيشها ضعيف، وقواتها الجوية عفا عليها الزمن، وكذلك ذراع الصواريخ والطائرات المسيرة، الذي تم بناؤه باستثمارات كبيرة، يتطلب إعدادًا مسبقًا لساعات من التزود بالوقود ورحلة طويلة – وهي حقيقة تتيح المجال لنظام الدفاع الإسرائيلي ليكون مستعدًا ومتأهبًا وجاهزا .

وفي إطار تلك الحرب النفسية، يبدو أن الأضواء قد تحولت في الأيام الأخيرة إلى المجال الاقتصادي. فالحديث في إسرائيل عن هجوم محتمل ضد منشآت النفط والغاز ، وكذلك الأخبار المنشورة هذا الأسبوع في موقع “إيران إنترناشيونال” (حصريا) بشأن الهجوم على البنك المركزي الإيراني – رغم أن مثل هذا الهجوم على ما يبدو لم يحدث على الإطلاق – هو جزء من الحرب النفسية بين الطرفين. ويظهر هذا “الهجوم” ضعف الاقتصاد الإيراني، والخوف من أن الضائقة التي يعيشها سكان إيران، بسبب الانقطاعات العديدة للكهرباء والمياه، سوف تتفاقم في حال وقوع هجوم إسرائيلي.

ويمكن تفسير خطاب المرشد الأعلى خامنئي بطريقتين، ربما تشيران إلى المعضلة التي يعيشها.
[ ] الأول: “الصمود حتى الموت، لأن الانسحاب سيؤدي إلى غضب الله”، وهو مصطلح يهدف إلى إعداد الجمهور الايراني لهجوم ورد إسرائيلي على الرغم من الخوف من قوة الولايات المتحدة وإسرائيل. والثاني: “أي تراجع ليس تكتيكي” – وهو مصطلح يتيح لايران المجال للتراحع عن الرد على إسرائيل وتقديمه كاستراتيجية، خوفا من أن يؤدي الضرر الجسيم الذي يلحق بالاقتصاد الإيراني ومصادر الطاقة إلى إشعال الغضب لدى الجمهور العريض في البلاد.

على إسرائيل أن تعرف كيف تستغل معضلة إيران هذه. فأي هجوم إسرائيلي وقائي – سواء بشكل سيبراني أو حركي – ضد البنية التحتية للطاقة أو البنوك، يمكن أن يؤدي إلى نقطة تحول في الصراع الحالي ويجعل إيران تخشى من حدوث تمرد داخلي في أعقاب الهجوم. مثل هذا التمرد قد يدفع الجمهور وإيران إلى اختيار استراتيجية التراجع التكتيكي، وليس مهاجمة إسرائيل .

ابيرام بليش: نائب رئيس مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة، وخبير في الحرب النفسية العملية ومسؤول كبير سابق في الجهاز الأمني.

موقع والا العبري

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *