هبّة أكتوبر 2000..كي لا تظلّ السياسة العربية ميزانيات قد تأتي ولا تأتي!


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مُعظم الكتابات المتّصلة بذكرى هبّة أكتوبر 2000، كمعظم الكتابات في المناسبات الوطنية الأخرى. نتذكّر يومًا يومين، ثلاثة، ونمضي وتمضي الذكرى.

ليس لأن أيام الذكرى هذه غير هامة. وليس لأن الذين قُتلوا فيها غير مهمّين، فهي أحداث مصمّمة في سيرورة علاقتنا بالمؤسسة الإسرائيلية وبأنفسنا. ومع هذا فأن أثرها التصميميّ يظلّ هامشيًّا إذا كان أصلًا. والسبب هو أن الجماعة التي حصل لها هذا القمع الدمويّ في الأيام المذكورة لم تستفق من فرضياتها بشأن نفسها وبشأن المنظومة التي نعيش فيها.

وللتوضيح أقول إن الضحايا العربـ وكلّ واحد عالم بذاته له حياة واهل ومكان ومكانة ـ يومها لم يُقتلوا بسبب نضال من أجل الميزانيات ولا من أجل وكالة بريد في بلداتهم، بل قُتلوا في إطار الصراع بين منظومة استعمارية قهرية وبين سكان البلاد الأصليين. بمعنى أن القمع الدمويّ جاء بوصفنا فلسطينيين أصحاب البلاد، أي في إطار الصراع المفتوح على فلسطين، وليس في إطار النضال من أجل حرية سياسية أو حقّ جارٍ. من هذا الفهم ذهبنا إلى وثائق التصوّرات المستقبليّة بعد هذه الهبّة ومفاعيلها ووضعنا أمام مجتمعنا ثلاث وثائق تحاول أن ترسم مستقبلًا آخر لنا ولهم.

لعلّ أفضل ما نفعله تجاه الذين قُتلوا يومها بأيدي قناصة هم أنفسهم يرابطون على حدود جيتو غزة الآن ويقنصون الشبان هناك، هو أن نكون بقدر الحدث ومعناه، وإلّا قصرناه على التذكّر والتفجّع والسرد.

حتى يكون لمثل هذه المناسبات معنى آخر على القيادات والنُخب أن تعدّل من فرضياتها السياسية، من وعيها السياسيّ. لقد انتهت فرضية التقسيم والدولتين للشعبيْن إلى غير رجعة.

فشلت في التطبيق وتجاوزتها الوقائع على الأرض وهي وقائع مُجحفة ودموية بحق الشعب الفلسطيني. والمراوحة فيها كمن يعيش في فخّ. كما أن الدولة الإسرائيلية لا تحتل الضفة وغزة مؤقّتًا وستنسحب يوما ما، فقد قررت ـ قانون القومية ـ أنه: لن تحلّ الصراع بل ستديره بكل ما تيسّر لها من أدوات، حق تقرير المصير في فلسطين التاريخية هو لليهود حصرًا، المواطنة في إسرائيل مطابقة للهوية اليهودية وكل مَن هم غير يهود يعيشون على وقت مُستقطع. المرجّح أن مكانة العرب الفلسطينيين في إسرائيل الآن ستصير كمكانة أهل الضفة والقطاع ـ أقلّ من مواطنين.

أقترح، حتى تصحّ الأمور ومنها السياسة العربية هنا، قراءة حالتنا على أنها تأتي ضمن منظومة استعمارية قوامها فرض المؤسّسة الإسرائيلية السيطرة والتحكّم بالناس والاستيلاء على الأرض والموارد في كل فلسطين التاريخية. في مثل هذه الحالة سيكون للسياسة معنى آخر وأدوات أخرى. وستحمل المشاركة في الانتخابات دلالات أخرى. فلا تعود منح شرعية للمنظومة وإنما مواجهتها وفضحها بوصفها كولونيالية وأبرتهايد. ساعتها ستحمل المناسبات الوطنية خطابًا تصميمًّا للوعي الجماعي وتحثّ على الفعل لا على الشعور بالضحوية والاكتفاء بذلك!

لا فائدة سياسية عامة من تسمية القتلى أو تذكّرهم لا في يوم الأرض الأول ولا في هبّة أكتوبر 2000 ـ وإن كان في هذا عزاء كبير لذويهم ـ إلّا إذا انخرط ذلك ضمن مشروع سياسيّ وطنيّ فلسطيني عام له غاياته وخارطة طريقه. كي لا يذهب دمهم هدرًا. أمّا استمرار الوضع على ما هو دون تسمية المنظومة باسمها الصريح والتعامل معها في السياسة على هذا النحو، فستظلّ السياسة كما جعلها منصور عبّاس وغيره، بعض ميزانيات تأتي وقد لا تأتي!

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: مرزوق الحلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *