نُقتل كما الفراشات في رام الله

كنت أقف في حسبة رام الله للخضار عندما توجه نحوي طفلاً قائلاً “خالتي أوصلك للسيارات بعشر شواقل”…كان يجرُّ بيديه عرباية مزينة بفراشات بلاستيكية..في تلك اللحظة بالذات خطر لي، كيف أنني لم ألحظ غياب الفراشات عن هذه المدينة الاسمنتية طيلة 15 عاماً عشتها فيها..أهي الحرب التي قتلت آلاف الحيوانات “إخواننا في الألم” كما يسميهم داروين..أم هو السلام، “وخص ونص سلام أوسلو وتحفته الباريسية”!..في مثل هذا الاصطدام المباغت تتذكر نفسك وأنت تتكدس في داخل المصفوفات الحجرية محكوماً بصراع الجوع والشره والتخمة المفرطة فتختنفق صامتاً! أي مصير هذا الذي صاغته لنا أعظم ثورة! على كل حال ليس هذا ما أريد أن أقوله!

في ذلك اليوم بالذات كنت أشعر أنني سوف أختنق من هذه المدينة! من كل ما هو فيها! من الدهاة الذين يراقبونك ويهاجمونك أينما اتجهت! سحقاً لهم! “أهرب” منهم مسلياً نفسي بخفة الخيال، ممسكاً بزهرة دوار الشمس مسقطاً منها ورقة تلو الأخرى معيداً ترتيب حظوظ الحياة من جديد! ثم مخرجاً إياهم برهة من هذا الزمن العبثي! محض سراب ليس إلا!

نُقتل كما الحيوانات والفراشات بصمت! يقتلنا “الأمان” و”السلام” كما تقتلنا “الحرب”! نغرق بحزن غير متفوه! حزن أبدي! حزن لا ترشحه مصفاة اللغة! ولا يأبه به الحكماء والخطباء!

كم أحلم بمغادرة هذه المدينة الإسمنتية المتكدسة! لكنها الحكاية التي تقول: انتظر لتموت أكثر وأكثر وأكثر!  سأستجيب لأكمل الحكاية كما يفعل الجميع! وستنتهي الحكاية ربما بعد برهة أو أمد! لكنها حتماً ستنتهي! وهذا المطمئن! لأنني حينها فقط سأكون قادراً على التحليق عالياً كالفراشات، حراً من المواعظ والذكريات! منسياً للأبد.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *