“نقاش السلاح” لماجد كيالي… والحاجة إلى سلاح النقاش

خاص ملتقى فلسطين

في كتابه الجديد ” نقاش السلاح/ قراءة في اشكالية التجربة العسكرية الفلسطينية” يتابع الكاتب ماجد كيالي مشروعه النقدي للتجربة الفلسطينية متناولاً هذه المرة التجربة العسكرية للمقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها على يد حركة فتح وحتى الآن. يتطرق الكتاب إلى اشكالية مفهوم الكفاح المسلح، وجدل العلاقة بين النضال وأشكاله، والكلفة والمردود. كما ويتناول سمات التجربة العسكرية الفلسطينية، خصوصيتها، مبيناً أخطائها وسلبياتها، والتي منها: غياب التنظير لها وافتقادها للاستراتيجيات، وهيمنة الممارسات العفوية والمزاجية، وعدم القراءة الموضوعية للواقع من قبل المدافعين عنها، وتقديسهم العمل المسلح وإدارة الظهر لأشكال النضال الأخرى، وتركزها خارج فلسطين، وارتباطاتها المالية والسياسية بالأنظمة العربية و….الخ.
لا ينفي كيالي أدواراً ايجابية لعبها الكفاح المسلح لاسيما على صعيد بناء الهوية الوطنية واستنهاض المجتمع الفلسطيني، وايصال القضية الفلسطينية إلى العالم، والاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعيا للفلسطينيين. لكنه يبين أن هذه الأهداف أنجزت خلال السنوات العشر الأولى من هذه التجربة. أما ما بعدها فلم يكن إلا لعباً في الوقت الضائع، وتقديم تضحيات بشرية لا تتناسب بأي حال مع المردود ؟! الأمر الذي تدلل عليه البيانات الاحصائية الكثيرة التي يعرضها الكاتب. فرغم الخسائر الجسيمة التي تكبدها الفلسطينيون مقارنة مع الاسرائيليين، منذ اندلاع المقاومة المسلحة وحتى الآن، إلا أنهم لم يتمكنوا من انتزاع ولو جزء من حقوقهم المشروعة والتاريخية كإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران على سبيل المثال؟!
لكن، هل كان اللجوء للكفاح المسلح ممراً إجبارياً للفلسطينيين أم لا ؟ وهل يقف الكفاح المسلح وحده وراء فشل الفلسطينيين في تحقيق انجازات تذكر، أم ان هناك اسبابا اخرى؟ بمعنى آخر، لو كان الفلسطينيون قد أحسنوا اختيار أشكال كفاحهم، هل كنا أمام انجازات مهمة، أم أن مكامن الخلل في المقاومة الفلسطينية متعددة وممتدة وعميقة بما يدفع للقول أن الفشل كان أمراً حتمياً؟
في كتابه “هجاء السلاح” يبين الكاتب حازم صاغية أن المقاومات المسلحة تنطوي على/ وتتسبب في الحروب الأهلية، وتؤدي إلى نشوء الأنظمة استبدادية. لكن، بخلاف صاغية، الذي يرى في السلاح شراً مطلقاً، إن جاز التعبير، يؤكد ماجد كيالي في ” نقاش السلاح” على حق الفلسطينيين، كغيرهم من الشعوب التي استعمرت واحتلت، بممارسة كل أشكال النضال بما في ذلك المسلح منها. لكنه في الوقت نفسه يحاجج ، ويكرر في أكثر من مكان، بأن المهم في نضال الشعوب هو الوصول إلى تحقيق أهدافها، لا أن يكون شكل الممارسة النضالية، هدفاً بحد ذاته! وعليه، لا بد من اختيار الاسلوب المناسب في الزمان والمكان المناسبين. ولأن الواقع متحرك دائماً، فإن الطبيعي أن تتغيير الأساليب وتتنوع وتتبدل، بناء على المراجعات النقدية للتجربة والنتائج، الأمر الذي لم يحصل في الحالة الفلسطينية؟! فلا نقد.. ولا مراجعات.. ولا تغيير؟!
لقد جاء الكفاح المسلح الفلسطيني في سياق موجة عالمية صاعدة لحركات التحرر المسلحة (كوبا، فيتنام،…الخ)، وقد وقف إلى جانب الفلسطينيين وساندهم دول عظمى في العالم (الاتحاد السوفييتي، الصين،…)، وكان ثمة دول عربية سمحت لهم ظروفها بالتواجد المسلح على أراضيها(الأردن، لبنان). وكانت تصلهم مختلف أشكال الدعم المالي والعسكري. أما اليوم، فإن هذا الواقع لم يعد موجوداً. مع ذلك، ما زال هناك من يصر على القفز فوق الوقائع والحقائق؟! الأنكى من ذلك، أن بعض الفصائل الفلسطينية، التي توقفت فعلياً عن ممارسة الكفاح المسلح منذ عشرات السنوات، ما زالت تنظر لهذا الخيار وتدعو لتبنيه كخيار استراتيجي ووحيد؟!
في هذا السياق، يتوقف الكاتب عند تجربة حماس التي تبنت الكفاح المسلح متأخرة عن القوى الفلسطينية الأخرى عقدين من الزمان، لكنها أعادت التجربة ذاتها، ووقعت في الأخطاء نفسها. ويبين كيف أن حماس وصلت إلى ما وصلت اليه فتح منذ عشرين عاما لجهة التخلي عن الكفاح المسلح، الامر الذي تجلى بإيقاف العمليات العسكرية، وعقد الهدنات، ودعوة الفصائل الأخرى إلى التهدئة، بل ومنعها من شن هجمات ضد إسرائيل.
يؤكد كيالي في كتابه أن المقارنة بين الفلسطينيين والاسرائيليين من حيث القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية تميل بشكل ساحق لصالح اسرائيل. ومن دون تعديل موازين القوى، ومن دون حصول تحولات في المنطقة العربية، والمواقف الدولية، والمجتمع الاسرائيلي، فإن امكانية تحقيق انتصارات أو انجازات ذات قيمة لن يكتب لها النجاح مهما بلغت تضحيات الفلسطينيين.
وحيث أن التجربة أثبتت أن الكفاح المسلح يستنزف قدرات الفلسطينيين لا قدرات الاسرائيليين التي تزداد يوماً بعد يوم، فإن الحكمة والوعي والمسؤولية تتطلب من الفلسطينيين الاقتصاد في طاقاتهم ومواردهم وإمكانياتهم، وعدم صرفها، دفعة واحدة، في معركة غير متكافئة
في الوقت الذي يدعو فيه كيالي إلى ترك الباب مفتوحاً لكل الخيارات والاشكال، إلا أنه لا يخفي انحيازه لخيار الانتفاضة الشعبية، كشكل مبدع للنضال الفلسطيني، والتي حققت انجازات عظيمة، منها، عزل اسرائيل، وكسب التعاطف والتأييد للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية. فضلاً عن المشاركة الواسعة للمجتمع الفلسطيني، بجميع مكوناته، في فعالياتها.
لا يقفز الكاتب فوق حقيقة إسرائيل وطبيعتها العنصرية والعدوانية، ولا تساوره أوهام بأن تجنح للسلام دون ضغوط حقيقية، ودون مواجهة ومقاومة. ويؤكد على أن المجتمع الاسرائيلي لم ينضج للسلام بعد. وعليه، يرى كيالي أن نضال الفلسطينيين يحتاج إلى نفس طويل، واستراتيجية متكاملة بعيدة المدى، لتعميق التناقضات داخل المجتمع الاسرائيلي.
لكن، كيف تصاغ هذه الاستراتيجية، ومن هي القوى السياسية- المجتمعية المؤهلة لوضعها؟. قد يكون “نقاش السلاح”، بما جاء فيه، وما يؤكد عليه من حاجة إلى “سلاح النقاش ” خطوة في هذا الاتجاه؟

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *