نظام إسرائيلي من النهر إلى البحر: قراءة فلسطينية
لأول مرة منذ نشأتها في عام 1989 نشرت المنظمة الإسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان «بتسيلم» في الثاني عشر من كانون ثاني /يناير الماضي تقريراً بعنوان «نظام تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد» لتوصيف النظام السياسي الإسرائيلي وقوانينه العنصرية على الأقلية العربية في إسرائيل وعلى المقدسيين وصولاً إلى الضفة الغربية؛ وذلك بعد أن كان نشاط المنظمة منصباً فقط على تداعيات الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وخاصة النشاط الاستيطاني والإلحاق الاقتصادي.
تغييب قضية اللاجئين
على الرغم من تسليط التقريرالضوء على القوانين العنصرية الإسرائيلية، لكنه أسقط بشكل واضح الحديث عن حق العودة لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني إلى وطنهم، وذلك حين تحدث عن القوانين الإسرائيلية التي تسمح بهجرة يهود العالم إلى إسرائيل، ومنحهم الجنسية؛ في مقابل منع الفلسطينيين القيام بذلك؛ وكان من باب أولى على المنظمة الحقوقية الإسرائيلية التركيز على عمليات الترانسفير والطرد التي طالت غالبية الشعب الفلسطيني، بسبب المجازر التي ارتكبتها عصابات الشتيرن والهاغانا وغيرهما، وتالياً بروز قضية اللاجئين الفلسطينيين التي كانت من أهم نتائج إنشاء إسرائيل عام 48 على (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009) كيلومتر مربع.
كانت هيئة الأمم المتحدة قد أصدرت أكثر من خمسين قراراً منذ عام 1948، وجميعها يقضي بوجوب عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء الطرد القسري وتدمير قراهم، فيما رفضت دولة الاحتلال على الدوام تنفيذ القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، وفي الوقت ذاته، لم يجبرها المجتمع الدولي على تنفيذ تلك القرارات في شأن فلسطين. كما أسقطت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالـ «فيتو» مشاريع قرارات لإدانة سياسات دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
ومن أهم تلك القرارات ذات الصلة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون أول /ديسمبر من عام 1948، وكذلك القرار 302 الصادر في الثامن من كانون الأول /ديسمبر عام 1950، إضافة إلى القرار رقم 512 الصادر في السادس والعشرين من كانون الثاني /يناير 1952، فضلاً عن قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة اللاجئين إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، وتعويضهم عن الأضرار المادية والنفسية التي لحقت بهم.
فلسطينيو 48
رغم الإشارات السريعة إلى العنصرية الإسرائيلية المتفاقمة إزاء الأقلية العربية لتهميشها التي أشار إليها تقرير «بتسيلم» لكن ثمة أهمية للتطرق إلى الفترات العصيبة، وخاصة فترة الحكم العسكري خلال عقد الستينيات من القرن المنصرم، وكذلك التمييز بين الشرائح الفلسطينية المختلفة بغرض تفتيتها، فضلاً عن حزمة القوانين الإسرائيلية الصادرة خلال العقد الأخير والتي كانت الأخطر منذ نشأة إسرائيل في أيار /مايو من عام 1948 وكان الهدف من تلك القوانين السيطرة على مزيد من أراضي الفلسطينيين المتبقية بحوزتهم وترسيخ فكرة يهودية «إسرائيل».
ومن تلك القوانين؛ قانون الجنسية وقانون النكبة الذي يحظر على الأقلية العربية إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني؛ فضلاً عن قوانين تمنع التزاوج بين أفراد من الأقلية داخل الخط الأخضر مع العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وذلك بغية الحد من التواصل الديمغرافي؛ فضلاً عن قانون المواطنة والولاء الذي يفرض على الأقلية العربية الاعتراف من خلال قسم بيهودية إسرائيل قبل الحصول على الجنسية الإسرائيلية، لكن الأخطر قانون القومية الذي صدر قبل سنوات الذي يعتبر الأقلية العربية هامشية في وطنها الأصلي فلسطين.
وقائمة التمييز العنصري تطول ضد الأقلية العربية امتدت لتشمل التعليم والعمل وموازنات البلدات العربية وصولاً إلى فقدان الأمن والأمان مقارنة بالإسرائيلي اليهودي.
أراضي القدس
رغم إشارة التقرير إلى عمليات مصادرة الأراضي في القدس من قبل إسرائيل، إلا أنه تجاهل عمليات الطرد التي طالت نحو (100) ألف مقدسي خلال عامي 48 و67.
وفي هذا السياق وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة عام 1967، حيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة من دول آسيا وإفريقيا والأرجنتين، بعد تراجعها من الدول الأوروبية، هذا فضلا عن الإعلان عن مغريات مالية إسرائيلية لرفع عدد الولادات للمرأة اليهودية المستوطنة في القدس، وذلك بغية ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية لليهود.
وفي الوقت نفسه ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس وفق المخططات الإسرائيلية سياسات إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين، لترحيلهم بصمت عنها عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم، الأمر الذي سيؤدي إلى الإخلال بالتوازن الديمغرافي لصالح المستوطنين اليهود في المدينة في المدى المنظور.
وقد اتبعت إسرائيل إجراءات عديدة من أجل دفع العرب المقدسيين إلى خارج مدينة القدس، ومن بين تلك الإجراءات التي تجعل المقدسي يفقد هويته: إذا عاش الفلسطيني المقدسي خارج القدس لمدة سبع سنوات متتالية، أو حصل على جنسية أخرى، اوإذا سجل إقامته في بلد آخر.
وتبعا لتلك الحالات فإن دراسات مختلفة تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو بقاءهم خارجها.
واللافت للنظر أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل المقدسيين وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الدقيق والمخططة سلفا، فصاحب الأرض، ووفقا لنسق تطور الملكية والسكان معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطنا في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أو سبعين سنة، أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكافة الوسائل، خاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها عن باقي المدن والقرى في الضفة الغربية.
واللافت أن تقرير «بتسيلم» الذي كان بعنوان «نظام تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر» أشار إلى أن عدد سكان المنطقة يصل حالياً إلى (14) مليون نسمة مناصفة بين العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين؛ بيد أن التقرير أغفل بشكل جلي عدد الفلسطينيين الذين طردوا من الضفة الغربية وقطاع غزة أثناء احتلالهما من قبل الجيش الإسرائيلي في حزيران / يونيو من عام 1967 ، والذي ارتفع من (460) ألف نازح فلسطيني خلال العام المذكور إلى نحو مليون وثمانمائة ألف فلسطيني في بداية العام الحالي 2021، الأمر الذي يؤكد أن إسرائيل اتبعت وتتبع سياسات مبرمجة للإخلال بالتوازن الديموغرافي الفلسطيني لفرض التفوق الإسرائيلي التهويدي في نهاية المطاف في المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى نهر الأردن شرقاً؛ أي فلسطين التاريخية.
عن القدس العربي