نضالان لشعبين
مظاهرة تل ابيب الصاخبة (الليلة 14/1/2023) ومعها مظاهرات القدس وحيفا وغيرها هي من المظاهرات الكبرى والأكثر زخما سياسيا حيث حدّد اكثر من مائة ألف متظاهر ومتظاهرة محور الصراع بأنه بين الدولة وبين اليمين الفاشي المهيمن اليوم. وقد حدد المتظاهرون موقعهم الى جانب الدولة لحمايتها وبالذات لحماية الجهاز القضائي احد اهم منظومات ورموز الدولة اليهودية الدمقراطية. من اللافت هو مستوى التحدي الخطابي التظاهري والدعوة الى منع الحكومة من تنفيذ سياساتها والتزاماتها التدميرية من وجهة نظر المتظاهرين وتحوّل الاخيرين الى موقع الهجوم وليس الدفاع بل والسعي لمحاصرة الحكومة ونزع شرعيتها اسرائيلياً. ومن اللافت ايضا هو سرعة انطلاق المعارضة الاسرائيلية في تحركها ووضوح ما تريده، وهو منع المس بالمنظومة القائمة ولا بقيم الدولة التاريخية. وقد تحدثت بعض الخطابات الجريئة عن التمييز ضد العرب، لكن لم تكن كلمة عن الاحتلال والاستيطان والتهويد.
هناك بعض نقاط التقاطع مع المظاهرات الاسرائيلية، لكن هناك بالمجمل اختلافات جوهرية، لها علاقة بجدول اعمال المعارضة الاسرائيلية والتي لم تكن ولن تكون بيتاً سياسيا لنا ولا تريدنا أن نكون من أهله، بل كنا ضحاياها حين كانت تحكم، وهذا لا يلغي وجود حلفاء في المجتمع الاسرائيلي خاصة تلك الأوساط المناهضة للصهيونية وللاحتلال والعنصرية.
كما لا توجد إشكالية في مشاركة اوساط من جماهير شعبنا في المظاهرة، لكن الاشكالية هي في الحركة السياسية، فقد كان من الطبيعي ان تكون الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل قد بلورت مسارا سياسيا وجماهيريا لحماية نفسها وللتصدي للحكومة وسياستها الفاشية العنصرية التصفوية لقضية فلسطين في كل مواقعها.
كان من الطبيعي ان ترى الحركة السياسية العربية من احزاب وحركات سواء الممثلة في الكنيست وغير الممثلة وغير المعنية بها على السواء، بأن جماهير شعبنا مستهدفة وجودياً وأنّ المخاطر تتصاعد وتتسارع بشكل لا يمكن الاستهانة به، وهو ليس استمرارا لما كان من قبل، بل نقلة نوعية نحن المستهدفين الاوائل فيها، وأنه من الواجب والضرورة التوصل الى تفاهمات فيما بينها لخوض النضال الوحدوي لكل من يريد ذلك وعلى أساس كفاحي وتكاملي سواء داخليا ام على مستوى شعبنا كله.
هناك حاجة للتفكير السياسي باتجاه بلورة مساري عمل مختلفين واحد اسرائيلي وواحد عربي فلسطيني وعلى اساس كيانين شعبيين مستقلّين، حتى ولو كانت نقاط تقاطع، لكن جدول اعمالنا المستقل والتحرك الوحدوي الكفاحي هما أولوياتنا. نحن ندافع عن وجودنا وجوهر حقوقنا كشعب وكجماهير في مواجهة استهدافنا المباشر