نزداد يقيننا بمستقبلنا وتتعمق شكوكهم بمستقبلهم (2)

يشكل زلزال طوفان الأقصى وارتداداته الفلسطينية والاسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية بداية لتحول تاريخي سيغير وجه المنطقة والعالم الذي عرفناه على مدى قرون .

يدلل على ذلك الارتباك والهستيريا التي أصابت صناع القرار في التحالف الاستعماري الغربي المأفون بعقدة التفوق العرقي، والمريض بداء العنصرية الفتاك. وتزايد مخاوفهم بشأن :

– انحسار نفوذهم لعجزهم عن وقف حركة التاريخ، واستنفاذ كل السبل والوسائل المكنة للحيلولة دون تراجع حضورهم الجغرافي على خريطة العالم في عصر أفول الاستعمار .

– تراجع ثقلهم الاقتصادي عالميا. إذ انخفضت مساهمة مجموعة الدول السبع / الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان/ في الناتج العالمي من 68% عام 1992 إلى 41.75% عام 2023، وفقا لبيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

– إخفاقهم،أيضا، بوقف تسارع تقلص وزنهم الديموغرافي عالميا /10%/ ، وداخل حدود بلادهم باستثناء /اليابان/ . بعد فشل جهودهم بوقف تزايد الأعراق الأخرى. * تارة بنهب ثروات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وافقار شعوبها حيث يتسبب الفقر – كما تشير الإحصاءات- بوفاة عشرات الآلاف يوميا نتيجة الجوع وسوء التغذية. *وتارة ثانية بنشر الأوبئة الفتاكة لحل مشكلة تنامي الوزن الديموغرافي للأعراق غير الغربية. التي يراها الغرب الاستعماري خطرا على أمنه القومي. كما سبق وأوضح ذلك هنري كيسنجر في مذكرته التي تحمل رقم 200 وقدمها عام 1974 لمجلس الأمن القومي الأمريكي ” آثار النمو السكاني في جميع أنحاء العالم على أمن الولايات المتحدة ومصالحها ما وراء البحار “. وأشار فيها إلى أن “النظر إلى التنمية الاقتصادية كسبيل لحل مشكلة التزايد السكاني ينطوي على تهديد للأمن القومي الأمريكي خصوصا، والأوروبي عموما”. ونص البند 37 منها على أن ” الوضع السكاني بالفعل أكثر خطورة وأقل قابلية للحل من خلال تدابير طوعية مما هو مقبول عموما. ونرى أنه للحيلولة دون حدوث نقص أكبر في الغذاء وغيره من الكوارث الديموغرافية مما هو متوقع بشكل عام، يلزم اتخاذ تدابير أقوى، ويتعين معالجة بعض القضايا الأخلاقية الصعبة للغاية”. *وتارة ثالثة بمواصلة تفجير الحروب والصراعات التي ما تزال تحصد أرواح ملايين البشر .

اللافت في استنفار التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني كل قواه إثر عملية طوفان الأقصى. اختلافه عن ذاك الذي أنشأه بعد هجمات الحادي عشر من أيلول /سبتمبر / 2001. وتشابهه من حيث سرعته وشموليته، مع التحالفات التي أنشأها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. عندما تداعت القوى الاستعمارية الغربية لإعادة هندسة المنطقة العربية والإسلامية .

التحالف الأول : في مطلع أربعينيات القرن التاسع عشر . عندما استنفرت القوى الأوروبية للتصدي لحاكم مصر محمد علي. بعد أن تمكن جيشه من إحكام سيطرته على المشرق العربي والتقدم نحو الأناضول، للاستخواذ على الحكم في الإمبراطورية الإسلامية الممتدة، التي كان يديرها المركز العثماني الآيل للسقوط. وكانت القوى الاستعمارية الأوروبية،آنذاك، تتأهب فرادى للاستيلاء على إرثها . لكنها أدركت- بعد هزيمة نابليون بونوبارت عام 1799، وفشله في تحقيق مشروعه الإمبراطوري التوسعي. أن تحقيق هدفها الاستعماري يستوجب تجاوز خلافاتها البينية، واستبدال علاقاتها التنافسية بتحالف يمكنهم من بسط الهيمنة الأوروبية على عموم المنطقة العربية -الإسلامية. فعقدوا في 15/7/1840 مؤتمرا في لندن، بذريعة دعم المركز العثماني المهدد. وحضره بالإضافة للدولة العثمانية، كل من الإمبراطورية الروسية، وبروسيا، والمملكة المتحدة، والإمبراطورية النمساويه. وأبرموا اتفاقية “لإعادة السلام إلى بلاد الشام”. ووجهوا إنذارا لمحمد علي. وطالبوه بسرعة الانسحاب والانكفاء داخل الحدود المصرية مقابل احتفاظه بحكم مصر. وعندما رفض الامتثال هددوه بالحرب، فتراجع وقبل الاتفاق في 27/11/1840 .

واستعاد الأوروبيون المجتمعون في مؤتمر لندن مشروع نابليون بونوبارت لتهجير اليهود إلى فلسطين، وإنشاء كيان خاص بهم. يضطلع بدور وظيفي يحتاجونه في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي والحضاري بين مشرق الأمة ومغربها. وأدركوا أن السبب الرئيسي لفشل مشروعه ،آنذاك، يكمن في معارضة الغالبية الساحقة ليهود العالم، ورفضهم الانخراط في مشروعه التوسعي. فأدرجوا مسألة استقطاب اليهود للانخراط في مشروعهم الاستعماري ضمن خططهم . واجتهدوا على مدى نصف قرن في توفير مستلزمات ذلك. وتعاونوا مع كبار الرأسماليين اليهود- الطامحين لتعزيز نفوذهم السياسي – لتأسيس المنظمة الصهيونية العالمية. التي عقدت مؤتمرها التأسيسي الأول بمدينة بازل بسويسرا في 29/8/1897. وأعلنت رسميا توليها مهمة تعبئة وتنظيم وتأطير اليهود لتهجيرهم إلى فلسطين. وأنشأت الآليات المؤسسية. وأكدت جاهزيتها لإدماج مشروعها الخاص بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين ، بالمشروع الاستعماري الغربي العام للسيطرة على عموم المنطقة. وسارعت القوى الاستعمارية الغربية بالاعتراف بشرعية تمثيل الحركة الصهيونية -حصريا – ليهود العالم .

التحالف الثاني : في مطلع القرن العشرين، عندما عقدت الدول الاستعمارية الأوروبية مؤتمرا في لندن عام 1905 / مؤتمر كامبل / الذي تواصلت جلساته حتى العام 1907. وشاركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا. وناقشوا الوثيقة التي صاغها هنري كامبل رئيس الوزراء البريطاني، وأشار فيها إلى أن منطقة شمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط تتسم بالعداء للحضارة الغربية (حضارة الرجل الأبيض). وأقروا توصياته :

*بالعمل على تقسيم المنطقة .

*ومنع نقل التكنولوجيا الحديثة إليها.

*وإثارة العداء بين طوائفها.

*وزرع جسم غريب يفصل شرق البحر المتوسط عن الشمال الأفريقي، بإنشاء دولة يهودية في أرض الميعاد .

وشكلت وثيقة كامبل الإطار الاستراتيجي العام للسياسة الاستعمارية الأوروبية والأمريكية طوال القرن العشرين. فارتكزت عليها اتفاقيات سايكس- بيكو عام 1916. ووعد بلفور عام 1917.ومقررات مؤتمر سان ريمو 1920 الذي صاغت مقرراته وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وحضره وفد من الحركة الصهيونية /حابيم وايزمان وناحوم سوكولوف وهربرت صموئيل/ وتضمنت :

1. وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.

2. وضع العراق تحت الانتداب البريطاني .

3. الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا على تنازل فرنسا عن منطقة الموصل، مقابل 25% من النفط الذي تستخرجه «شركة نفط العراق» البريطانية، ومنح الشركة لفرنسا تسهيلات لنقل النفط.

4. وضع فلسطين وشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور . وتولى النظام الدولي الذي أنشأته القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى/ عصبة الأمم / تنفيذ مقررات مؤتمر كامبل. فانتدب عام 1920 بريطانيا -التي كانت تتربع على عرش القيادة العالمية- للإشراف المباشر على استبدال فلسطين التاريخية/ شاملا شرق الأردن / بإسرائيل. واستبدال شعبها العربي بالمستوطنين اليهود. الذين سيتم اقتلاعهم من أوطانهم الأوروبية، وإعادة توطينهم فيها. وعندما أدركت سلطات الانتداب البريطاني صعوبة توفير أعداد كافية من المهاجرين اليهود لاستيطان هذه المساحات الشاسعة. طلبت من عصبة الأمم قي 12/8/1922 استبعاد شرق الاردن من الأحكام التي تتعامل مع الاستيطان اليهودي. ووافقت عصبة الأمم في 23/9/1922 على “إرجاء أو وقف تطبيق النصوص الخاصة بالاستيطان اليهودي على شرق الأردن” . ومنذ ان قرر الغرب الاستعماري في مؤتمر لندن عام 1840 إنشاء دولة وظيفية يهودية. بدأت طلائع المهاجرين اليهود بالتدفق على فلسطين بذرائع استثمارية. فهاجر إليها خلال الفترة 1850-1903 نحو 50 الف يهودي وأقاموا مستوطنات زراعية. ووصلها في العقدين الأولين من القرن العشرين /1904 – 1920 / نحو 40 الف مهاجر . ثم شهدت الهجرة اليهودية إلى فلسطين طفرة بعد إخضاعها للانتداب البريطاني عام1920. فوصلها خلال الفترة / 1921 – 1933 /نحو 147.985 ألف يهودي أوروبي. وسنت سلطات الانتداب البريطاني القوانين لتوسيع ملكيتهم وتقويض قدرة الفلسطينيين على الاحتفاظ بأراضيهم وممتلكاتهم. ومنحت الصهاينه حق امتياز استثمار المرافق العامة والبنى التحتية. ولتسريع وتائر تهجير يهود أوروبا إلى فلسطين ، تواطأت الحركة الصهيونية مع النظام النازي . فأبرمت معه الوكالة اليهودية والاتحاد الصهيوني الألماني في آب /أغسطس/ 1933 اتفاقية هافارا للنقل، لتنسيق وتنظيم اقتلاع اليهود من المناطق الأوروبية الخاضعة لسيطرته، وتصفية ممتلكاتهم وتحويل عوائدها مباشرة للمنظمة الصهيونية لإعادة توطينهم في فلسطين. وأسهم ذلك في تهجير عشرات آلاف المهجرين اليهود ، ففي السنوات الثلاث الأولى التي تلت الاتفاقية/1934-1936/ وصل إلى فلسطين نحو 133.940 يهودي اوروبي . وعندما تباطأت الهجرة بفعل الثورة الفلسطينية في العام 1936. تم توظيف الهولوكوست وإغلاق الحدود الأوروبية والأمريكية في وجه الفارين اليهود من فظائعها ،لتهجير 253.075 يهودي إلى فلسطين. وكانت سلطات الانتداب البريطاني قد استكملت الجاهزية لإعادة توطينهم فيها . وبحلول العام 1947 بلغ عدد المستوطنين اليهود 625 ألفا، شكلوا 31% من إجمالي سكان فلسطين آنذاك.

وبذلك، توفرت المقومات السياسة والعسكرية والاقتصادية والديموغرافية والمؤسسية الضرورية لإقامة الدولة اليهودية. وتولى النظام الدولي الجديد الذي أنشأته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية /الأمم المتحدة / تشريع وجودها في فلسطين . فأصدرت الجمعية العامة في 29/11/1947 القرار رقم 181 لتقسيم فلسطين بين المستوطنين اليهود والسكان الأصليين. ورغم أن نسبة اليهود لم تتجاوز ،آنذاك، 31% من إجمالي سكان فلسطين، فقد منحهم النظام الدولي المستجد 56.2 % من إجمالي مساحة فلسطين الانتدابيّة. وخصص لأصحاب البلاد الأصليين البالغة نسبتهم 69% من إجمالي سكان فلسطين 42.3% فقط من إجمالي مساحة وطنهم ، وأخضع مدينة القدس وبيت لحم للوصاية الدولية /1.5% /. ثم اعترف بشرعية دولة إسرائيل المستحدثة رغم تجاوزها المناطق المخصصة لها في قرار التقسيم ، واستحواذها على 78% من مساحة فلسطين الانتدابية. واقتلاعها بالقوة نحو 750 الف فلسطيني / 85% من السكان الفلسطينين المقيمين في تلك المناطق/ ودفعهم خارجها. وامتناعها ،أيضا،عن تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في 11/12/1948 الخاص بعودة اللاجئين وتعويضهم . ومنع التواطؤ العربي والدولي إنشاء الدولة الفلسطينية فيما تبقى من أراض خارج الاحتلال الصهيوني. وبعد أقل من عقدين /حزيران 1967 /استكملت إسرائيل احتلالها وباتت تسيطر على كامل فلسطين الانتدابية، مع أراض عربية مصرية وسورية تعادل ثلاثة أضعاف مساحتها.

واستمر التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني في دعم الكيان الصهيونى المستحدث وتمكينه عسكريا وسياسيا واقتصاديا وديبلوماسيا وتكنولوجيا، للقيام بدوره اليهودي الخاص كملاذ آمن ومزدهر لمستوطنيه اليهود. ومركز جذب ليهود العالم عند الحاجة للقيام بدورها الوظيفي العام في تكريس تجزئة المنطقة، واستنزافها، وإعاقة نموها وتطورها، وتعطيل نهوضها ومنعها من استعادة تواصلها الجغرافي والديموغرافي والحضاري. لإدامة الهيمنة الاستعمارية الغربية.

التحالف الثالث الحالي : فمنذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى . استشعر التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني خطرا استراتيجيا يتجاوز الأضرار المادية والبشرية التي ألحقها الهجوم بإسرائيل. ويهدد بتقويض الأسس التي ارتكز عليها المشروع الصهيوني. الذي شكل العمود الفقري لاستراتيجيته في المنطقة. فاستنفر كل قواه لحماية المكتسبات التي أنجزها على مدى قرنين .

*فلم تعد إسرائيل بعد طوفان الأقصى الملاذ الآمن والمزدهر لمستوطنيها اليهود .

*ولم تعد مركز جذب ليهود العالم، بل أصبحت عبئا ثقيلا عليهم . فبغطرستها وعنصريتها وهمجيتها واستهدافها الوحشي للمدينين الفلسطينيين . استنفرت العداء العنصري المتأصل لدى العرق الأبيض اتجاه كل من هو مختلف عنه دينيا وعرقيا. وتصاعد العداء ضد السامية في الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية. الذين كانوا قد حصنوا أقلياتهم اليهودية بقوانين حمائية تمييزية صارمة تنتقص حقوق الأغلبية الساحقة من مواطنيهم، وتكبل حرياتهم في أوطانهم. ولأول مرة فاقت معدلات العداء للسامية الإسلاموفوبيا، التي أججها، ايضا، ذات التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني على مدار عقود.

ومع تفجر الغضب الشعبي على امتداد العالم اتجاه حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة الصغير المحاصر والمكتظ بالسكان. ومتابعة شعوبه بالبث الحي المباشر على القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي ، للتدمير الإسرائيلي الممنهج للمساكن والمستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس المكتظة بالأطفال والنساء والشيوخ. وقطع إمدادات الغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود عن 2.3 مليون فلسطيني. وتخيير الفلسطينين بين الفناء وبين نكبة جديدة تستكمل ما لم يتمكن التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني من إنجازه في النكبة الأولى عام 1948. فقد يهود العالم عموما، ويهود امريكا وأوروبا خصوصا، الحماية الشعبية التي وفرتها عقدة الذنب ولازمت الأجيال المتتابعة بسبب تواطؤ دولهم وتخاذل شعوبهم في حماية مواطنيهم اليهود أثناء الهولوكوست. ووظفها التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني على مدى العقود الثمانية الماضية لتبرئة ذمته من دماء ضحاياه اليهود ، بالتذرع بالتكفير عن أخطائه بتعويضهم بوطن الشعب الفلسطيني المستهدف استبداله بالدولة اليهودية الوظيفية، وإبادة واقتلاع أصحابه الأصليين والسعي لاجتثاثهم من الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا .

ومع تنامي تضامن شعوب العالم مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه أبناءه في قطاع غزة محرقه على يد ذات التحالف الذي نفذ جريمة الهولوكوست . بات اليهود – الذين ترتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية باسمهم – غير آمنين في مواطنهم الأصلية . وسارع العارفون منهم بنوايا التحالف للتظاهر ضد المجازر الصهيونية في قطاع غزة ، ودعوا لإنهاء التماهي بين اليهودية والصهيونية وإسرائيل . فقمعتهم الشرطة ولاحقتهم. ولم يتورع الرئيس الامريكي بايدن عن تحذيرهم في خطابه في اليوم الثالث للحرب على الشعب الفلسطيني بالقول “على مدى 75 عاما، وقفت إسرائيل باعتبارها الضامن النهائي لأمن الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم، حتى لا تتكرر فظائع الماضي” وأراد بذلك ربط أمن يهود العالم بالحفاظ على المستعمرة الصهيونية.

* وعوضا عن أن تكون المستعمرة الاستيطانية الصهيونية عونا للتحالف الاستعماري الصهيوني ،أضحت بعد – طوفان الأقصى – عبئا ثقيلا عليه. فقد أنشأها لتكون قلعة حصينة وقوة ضاربة لحراسة منابع النفط وطرق الملاحة والتجارة المواصلات والاتصالات الدولية. واستثمر فيها آلاف المليارات/ لا تتوفر إحصاءات رسمية حول حجم الدعم الذي يقدمه التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني للمستعمرة الصهيونية . ويمكن الاستدلال على ضخامته، بالإشارة إلى المساعدات الامريكية لإسرائيل والتي بلغت وفقا للتقديرات 318 مليار $ حتى العام 2022، ثلثيها لتعزيز قدراتها العسكرية، والثلث الآخر لدعم اقتصادها، ولا تشمل التسهيلات العلمية والبحثية والتكنولوجية والحوافز والإعفاءات التجارية والجمركية الخ…/ .

ووفر لمستوطنيها اليهود مستويات معيشية تفوق تلك المتاحة لمواطنيه. / بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في إسرائيل عام 2022 نحو 44.3 ألف دولار .ووفقا للمكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي فإن نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل عام 2022 كان أعلى بنسبة 70% من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ومعلوم أن ذلك الدعم ليس حبا بيهود إسرائيل . فالتحالف الرأسمالي الاستعماري الغربي الصهيوني لا يبالي بحياة وكلائه لا في إسرائيل ولا في أوكرانيا ولا في تايوان . فلم يتوان عن حرق ملايين اليهود في أوروبا من أجل إقامة الدولة اليهودية الوظيفة. وعندما يستنفر قواه وموارده لحماية إسرائيل، فإنه يدافع عن استثماراته في الدولة الوظيفة، التي تجند مواطنيها اليهود – نيابة عن مواطنيه – لخوض حروبه والدفاع عن مصالحه الحيوية .

لقد استنفر التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني كل قواه وارسل أساطيله وروساءه ووزراءه وخبراءه وجنوده للمنطقة. لأن طوفان الأقصى أصابت العمود الفقري الذي ارتكزت عليه استراتيجيته التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني طوال قرنين لإعادة هندسة المنطقة العربية – الإسلامية، واستبدال هويتها الحضارية الجامعة بحضارة شرق أوسطية هجينة. تتنافر فيها الأعراق والقوميات والأديان والطوائف والمذاهب كي يسهل إخضاعها . وقطع شوطا بعيدا ، وأوشك في السنوات الأخيرة على بلوغ هدفه : بتكريس الدولة الوظيفية اليهودية. وتغييب نقيضها الوجودي الفلسطيني. وتطبيع علاقاتها بمحيطها العربي والإسلامي. وربط دوله بشبكة مصالح اقتصادية وأمنية ترسخ وتحفظ تفوقها النوعي.وتضمن تفردها بامتلاك السلاح النووي. وتتأهل بذلك لقيادة إقليم الشرق أوسط المعاد هندسته لإدامة الهيمنة الغربية على المنطقة الجيو استراتيجية الأهم عالميا.

فنجاح مقاتلي حركة حماس باختراق الحدود الجنوبية للمستعمرة الصهيونية برا وبحرا وجوا. لأول مرة في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني . وتمكنهم من عبور الحاجز الإسرائيلي الحصين الذي استغرق إنجازه نحو 4 سنوات. وتكلف 1.1 مليار $.واشترك في بنائه 1200 عامل، واستخدمت 220 ألف شاحنة خرسانة، و140 ألف طن من الحديد. ويبلغ طوله 65 كيلومترا. ويرتفع ستة أمتار فوق سطح الأرض، ويمتد 30 – 40 مترا تحت الأرض. ومعزز بأجهزة استشعار للكشف عن محاولات اختراقه، أو الحفر أسفله، أو التسلل من البحر . ومدعم بأسلحة ذكية يمكن التحكم بها عن بعد، وعدد من الكاميرات والرادارات، وغرفة للقيادة والتحكم.

وسرعة وسهولة الاختراق الفلسطيني لسور القلعة الصهيونية النووية الحصينة. ونجاح ألف مقاتل من قطاع غزة المحاصر بمفاجأة العدو الأسطوري المصنف – وفقا لموقع جلوبال فاير باور في العام 2023 – في المرتبة 18 على مستوى العالم. ويمتلك وفقا لموقع بيزنيس إنسايدر الامريكي ترسانة عسكرية هائلة. تشمل 600 طائرة عسكرية منها 241 طائرة مقاتلة، و23 طائرة هجومية، و 128 طائرة مروحية و 42 مطار عسكري. و 2200 دبابة. و7500 مدرعة ، ويبلغ عدد جنوده 635.000 منهم 171.000 جندي فاعل، و 465.000 احتياطي. و 65 قطعة بحرية / 6 غواصات و 7 طرادات و 48 سفينة حربية/ ونحو 200 قنبلة نووية ، ونظام دفاعي متحرك لمواجهة الصواريخ/ القبة الحديدية/ . وتبلغ ميزانيته العسكرية لعام 2023 نحو 23.6 مليار $ / شاملة الدعم السنوي الامريكي 3.8 مليار $/ .

وعبورهم الحدود بأسلحتهم الخفيفة بدائية الصنع، ودراجاتهم النارية، وطائراتهم الشراعية محلية الصنع . وتمكنهم في الساعات الأولى من السيطرة على نحو 600 كم2 في قضاء غزة المحتل. أي ما يعادل ضعف مساحة قطاع غزة / 365 كم2/ المحاصر برا وبحرا وجوا منذ 16 عام. وتضم قاعدة “رعيم” العسكرية “مقر قيادة فرقة غزة”، التي تتمركز فيها قوة عسكرية من جميع التشكيلات، مهمتها تأمين كل الحدود مع مصر من شرقي رفح إلى السودانية. وخوض معارك عنيفة تمكنت خلالها المقاومة الفلسطينية من تدمير العديد من الآليات العسكرية، وسحب بعضها إلى داخل قطاع غزة. وقتل وأسر العديد من الجنود. والسيطرة على 12 مستوطنة، بها ثلاثة قواعد عسكرية بئيري، وسديروت ،وصوفا، وكرم أبو سالم، وكيسيوفيم، وناحل عوز ، وكفار عزّة،و كريات جات، وكريات ملاخي، ومعبر بيت حانون “إيرز”، وزيكيم، وأوفاكيم التي تبعد نحو 16 كم عن حدود قطاع غزة/ . ومواصلة القتال فيها لعدة أيام، قبل ان يستعيد الجيش الاسرائيلي سيطرته عليها .

ونجاح المقاومة الفلسطينية بالصمود في حرب الإبادة الامريكية الاسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة للأسبوع الرابع على التوالي. والتي استخدم فيها التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني كثافة نيران تجاوزت مجموع ما استخدمته الولايات المتحدة الامريكية في حربها على العراق، وما استخدمته طوال عام في حربها على أفغانستان. وفاقت قوة القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة الامريكية على هيروشيما قبل ثمانية عقود وأخضعت الإمبراطورية اليابانية آنذاك. دون أن يحقق أي إنجاز يعتد به. عدا ما يفتخر به الجيش الاسرائيلي والامريكي الذي يقود حرب الإبادة في قطاع غزة، بنجاحهم في تدمير البنية التحتية والمجمعات السكنية والمستشفيات والمساجد والكنائس ، وشطب عائلات بأكملها من السجل المدني، وقتل 8000 فلسطيني نصفهم من الأطفال وثلثهم من النساء وعشرات الصحفيين ، وجرح عشرات الآلاف، وإجبار أكثر من نصف السكان على النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه ، ومواصلة تعقبهم . ويفاخرون بقطع إمدادات الغذاء والدواء والمياه والكهرباء والوقود والاتصالات والإنترنت.

وما تزال المقاومة الباسلة في قطاع غزة، تمسك بزمام الأمور . وتتقدم بمقترحات لمبادلة أسرى العدو بالأسرى الفلسطينيين. وتحتفظ بقدرة صاروخية تطال كامل المستعمرة الصهيونية .وتواجه ببسالة الجنون الصهيوني والامريكي المنفلت من عقاله الذي ينتهج الثأر والانتقام كسياسة لاستعادة الردع الذي يزداد تآكله كلما زادت همجيتهم ضد المدنيين. وكلما هاجموا قادة وشعوب العالم الذين يتدفقون بمئات الآلاف على الساحات والميادين في مختلف العواصم والمدن على امتداد الكرة الأرضية. للتضامن مع الضحايا الفلسطينيين .فأشهروا في وجوههم سيف معاداة السامية المسلط على الدوام لمنع كسر احتكار إسرائيل الحصري لدور الضحية، الذي يمكنها من مواصلة ارتكاب جرائم الإبادة والتطهير العرقي والتمييز العنصري . ولم يسلم منه الأمين العام للأمم المتحدة ، ولا المائة وعشرون دولة الذين صوتوا لصالح قرار يدعو إلى هدنة إنسانية فورية، ووقف الأعمال العدائية في قطاع غزة.

ندرك ان المقاومة الفلسطينية المحاصرة من أعدائها وذوي القربى محدودة القدرة وان تتمكن من تحقيق نصر عسكري على تحالف كل طغاة العالم .

لكننا على يقين كامل بانتصار قوة الحق على حق القوة . وها هي شعوب العالم على امتداد الكرة الأرضية تقف مع الحق الفلسطيني .

وأيا كان مآل الحرب البربرية الإسرائيلية الغربية الطاحنة التي ما يزال لهيبها يحرق البشر والشجر والحجر في قطاع غزة .

فقد نجح الزلزال الذي أحدثه طوفان الأقصى في البدء بتصويب الاعوجاج الذي أحدثه التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني في مسار تاريخ فلسطين والمنطقة والإقليم والعالم .وان يطول الزمن الذي يسقط فيه نظام الأحادية القطبية ، وينبثق فيه نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب أقل ظلما واكثر تنوعا وتعايشا وتوازنا .

غير ان اكتمال عملية التصويب يحتاج فلسطينيا إلى فكر حر مستنير افتقده الفلسطينيون منذ غيبوا منظمة التحرير الفلسطينية وأضعفوها وصادروا قرارها ورهنوه بالتعويل على عدالة النظام الدولي الذي يتحكم به أعداءهم .

ويحتاج إلى جهد كبير للتمعن في ما أحدثه صمود قطاع غزة ، وما صنعته تضحيات أبنائها الأبطال من معجزات ينبغي تبينها بدون تهويل أو تهوين. وبلورة رؤية للمستقبل، وما يمكن تحقيقه من منجزات باتت في متناول اليد .

* إن تمكن الفلسطينيون من الارتقاء بأدائهم السياسي إلى مستوى الأداء الكفاحي لقطاع غزة وأهلها الأبطال . وبلوروا مشروعهم النهضوي التحرري الإنساني النقيض والمؤهل لهزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري في المدى المنظور . وفتحوا الآفاق لدولة حرة ديموقراطية تتعايش فيها الأعراق والأديان والإثنيات والألوان والثقافات على أرض فلسطين المحررة من الاستعمار والصهيونية والعنصرية . يتساوى جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات ، ويخضعون جميعا لسيادة القانون.

* وإن نجحوا في إيلاء الأولوية الأولى، ووضعوا خارطة طريق للإفادة من الفرصة التاريخية التي أتاحها طوفان الأقصى، وتوفر الإجماع الدولي غير المسبوق لبلوغ حقهم المشروع بإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وحصروا التفاوض في إطار الشرعية الدولية . وقصروه على جدولة تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي الكامل وإجلاء المستوطنين . وضمان حق اللاجئين بتنفيذ القرار رقم 194 . وحق فلسطيني إسرائيل بإنهاء التمييز العنصري ضدهم، والتساوي مع يهود إسرائيل أمام القانون . النصر قرار .والهزيمة أيضا قرار . وقد اتخذ الشعب الفلسطيني ومقاومته قرار الانتصار. وسيفرز التاريخ بين من اتخذ قرار النصر فيرفعه إلى مصاف القادة العظام. وبين من ارتضى الهزيمة فيلقي به في مزابل التاريخ

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *