نحو تضامن دولي من نوع جديد

القضية الفلسطينية وحالة التضامن مع نضالات شعبنا في الغرب الأوروبي والأميركي تشهد هذه الأيام نقلة نوعية ومزيد من الزخم والقوة وذلك ليس بفعل عصاً سحرية أو نتاج صحوة ضمير مفاجأة للإعلام الغربي المُسيطر عليه من قِبَل الصهاينة وإنما بسبب تطور النضال الفلسطيني بدءاً من هبة الأقصى مروراً بالانخراط الواسع لأهلنا في مناطق ال48 وصولاً لصمود غزة وبداية حالة الاشتباك لأهلنا في الضفة الغربية مع قوات الاحتلال ومشاركة الشتات الفلسطيني بقوة في مجرى الأحداث.

هذه الانجازات على الأرض هي المحرك الأساسي لهذه التطورات على المشهد الدولي، وهنا، ومن أجل المحافظة عليها واستثمارها بذكاء، علينا الارتفاع بمستوى التضامن الدولي لكي يواكبها ولكي يساعدها في قطف ثمار تضحيات شعبنا.

ولذا، نحن بأمس الحاجة الى القيام بمراجعة نقدية لعلاقاتنا بحركات التضامن لكي نكون على مستوى التحديات الجديدة ولبناء أُسسٍ متينة لتضامنِ يواكب استراتيجية كفاحية جديدة للكل الفلسطيني وليس للجزء الفلسطيني كبرنامج الدولة الفلسطينية على المقياس الأوسلوي والتي لن تتعدى بأفضل الحالات حكم ذاتي لبانتوستان على الشاكلة الجنوب-افريقية، معزل تحت الاحتلال ثمنه هو التضحية بالقضية الوطنية الفلسطينية برمتها.

استعادة الأمل الفلسطيني وارتفاع معنويات شعبنا في كل أماكن تواجده ووحدة شعب فلسطين ووحدة قضيته ووحدة نضالاته لا بدّ وأن تُترجم عبر بناء استراتيجية كفاحية شاملة مُلتفة حول برنامج سياسي للكل الفلسطيني وهذا البرنامج لا يمكن ان يتماثل مع “حل الدولتين” والذي يُهَمشُ 65% من الشعب الفلسطيني مانحاً لدولة الاستعمار الصهيوني الإحلالي ما يزيدُ عن 85%  من أرض فلسطين التاريخية.

وهنا، نعم للتضامن وتوسيعه وزيادة معدلات مشاركته في دعم قضيتنا الوطنية، ولكن أي تضامن نريد وضمن أي برنامج سياسي؟

وهنا ولكيلا يكون التضامن معنا كالحرث في أرضٍ بور، يجب ان يكون لدينا القدرة على دفع المتضامنين معنا لعدم الاقتصار على ترديد شعارات جلاء الاحتلال وبناء دولة فلسطينية غير ممكنة التحقق وباهظة الثمن على وحدة الشعب والقضية والجغرافيا الفلسطينية، وانما للانتقال الى:

  1. مناهضة التطهير العرقي في كل فلسطين، أي من إم العراقيب في نقب ال48 الى الشيخ جراح في القدس الى الأغوار،
  2. مناهضة سياسات التمييز العنصري والأبارتهايد في كل فلسطين في ال48 وفي ال67،
  3. المطالبة بتطبيق القرارات الدولية بشأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 48 ونكسة 67،
  4. النضال من أجل المزيد من مقاطعة الكيان العنصري الاستعماري الأبارتهايدي BDS
  5. وأخيراً، إعادة الاعتبار للاقتراح الفلسطيني القديم حول قيام الدولة الواحدة بما هي دولة ديمقراطية وعلمانية لجميع ساكنيها، دولةٍ يتحرر فيها الفلسطيني من مستعمريه ويتحرر فيها اليهودي الإسرائيلي من الأيديولوجية الصهيونية والتي قامت بالسطو على الديانة اليهودية كمقدمة لاستعمار ضميره ووعيه ولتحويله لأداةٍ طيّعة في خدمة حركة استعمار فلسطين وطرد أهلها.

في فرنسا على سبيل المثال، هذه العناوين العريضة لتضامن من نوع جديد لا تزال تلقى مقاومةً من قِبَل المتضامِنين الكلاسيكيين معنا من قوى مرتبطة بدرجة أو بأخرى باليسار الفرنسي الاشتراكي والشيوعي والذين قد يتوافقون مع بعض نقاطها كالBDS  وضد التطهير العرقي والتمييز العنصري ولكن لخدمة شعار قيام الدولة الفلسطينية الأوسلوية المشؤومة الى جانب دولة اسرائيل. وهؤلاء، بتمسكهم بشعار الدولة الفلسطينية ( وبحق إسرائيل بالوجود ضمن حدودٍ آمنة) إنما يخدمون السياسة الرسمية للسلطة الفلسطينية في رام الله وهم لا يكترثون لتنوع المشهد السياسي الفلسطيني ولتعدد أطروحاته السياسية والتي لا تتوافق مع السياسة الرسمية لتلك السلطة التي تخدم الاحتلال ومخططاته وأمنه.

مقابل تمترس هذه القوى الرسمية وجمهورها وراء شعار الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، هناك قوىً يسارية صغيرة من اليسار الراديكالي ومن الخضر ومن قوىً شبابية مختلفة ممن يبدون انفتاحاً على خطاب فلسطيني جديد:

الخطاب الفلسطيني الداعي لحل شمولي يأخذُ بعين الاعتبار مصير الجموع اليهودية في الكيان الصهيوني يلقى آذان صاغية من قِبَل القوى الشبابية غير المتحزبة وقد كنت ألمُسُ وفي أكثر من مناسبة أن الحديث عن حل شمولي يسمح للفلسطيني كما لليهودي الاسرائيلي الخروج بحل عادل للطرفين، يجعل من التلقي على درجة عالية من الإيجابية وتحديداً لدى الفئات الشابة الفرنسية.

في 23 مايو وفي واحدة من المظاهرات التي انطلقت في “ساحة الجمهورية” في باريس دعماً لفلسطين، لاحظتُ وجود شابٍ فرنسي يرفع يافطة تقول “فلسطين واحدة ديمقراطية وعلمانية وبدون عنصرية”، في بيان لها، تعلن ” الفدرالية النقابية للطلاب”  FSEالفرنسية فلسطين حرة من النهر الى البحر”(14 مايو) و هذا هو نفس الموقف لـ”الاتحاد القومي لطلبة فرنسا” UNEF .

طرح خطاب الحل القائم على دولة ديمقراطية واحدة لا تُميز ما بين مواطنيها باختلاف انتماءاتهم الدينية والقومية واللغوية والجندرية أصبح مسموعاً وذلك من شأنه تحويل قضية فلسطين كرمزٍ للعدالة: عدالة التعايش ما بين الشعوب والقوميات، عدالة توزيع الثروات وتقاسمها، عدالة الحقوق العمالية بمواجهة تغّول الرأسمال المنفلت من عقاله، العدالة الجندرية وحقوق النساء والأقليات الاثنية والجنسية وهلمجرا…

هنا، أعتقدُ أن الانجازات الفلسطينية الحالية (وليس الانتصارات كما تحاول حماس أن تقنعنا بها قسراً) هي ما قد يمُهدُ لخطاب فلسطيني هجومي على الساحة الدولية في هذه اللحظة المواتية،

  1. خطاباً يفضح الطابع العنصري والرجعي والاستعماري الإحلالي للمشروع الصهيوني،
  2. خطاباً يفضح الطابع الخرافي للرواية الصهيونية وحقوقها المزعومة في فلسطين،
  3. خطاباً يُؤكِدُ على حق العودة كجزء من حقوق الانسان غير القابلة للتصرف،
  4. خطاباً يُؤكِدُ على الحق باللجوء الى جميع أشكال المقاومة لتحصيل الحقوق المسلوبة،
  5. خطاباً لا يخضع للإرهاب الفكري وللابتزاز الغربي المألوف حول “حق إسرائيل بالوجود”.

وهذا الخطاب الهجومي المنشود سوف يقدم لنا تضامناً من نوع جديد،

تضامن قائم على استبدال هوس قيام “دويلة الحكم الذاتي” بالتأكيد على الحق بالمقاومة لبناء فلسطين الغد وطناً ودولةٍ لجميع ساكنيها ولاجئيها في جو من التعايش السلمي في ظِلِ دولة القانون والمواطنة دون تمييز على قاعدة الدين، أو القومية، أو اللغة، أو الانتماء الجنسي أو الجندري، فلسطين الغد المتطهرة من الصهيونية ومن الطروحات القومية الشوفينية والعنصرية.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *