نحو إعادة المعنى للمسألة الفلسطينية


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مهمة هذا المقال توضيح أن اللغة السياسية الفلسطينية الدارجة راهنا بين القوى السياسية الفلسطينية تفتقد إلى فهم موحد للمسألة الفلسطينية (وبالتالي للقضية الوطنية الفلسطينية). بل يمكن رصد مفهومين أساسين (وهنا مفهوم ثالث سأتطرق له بإيجاز). وتتمثل مهمة هذا المقال في كشف الفرضيات التي يستند عليها كل من المفهومين، وتداعياتها على مواقف القوى السياسية والفكرية وفي تحديد مركبات المأزق الوطني واستراتيجيات الانفكاك منه.

الفهم الأول الذي ظهر بعد حرب تشرين 1973 -وإن وجد في الموقف الفلسطيني الرافض لقرار التقسيم عام 1947 والخروج القسري من الأردن عام 1971 والتوتر بين المقاومة الفلسطينية والجيش اللبناني عام   1972 -محفزات أو مصوغات له ينطلق من القبول بتقسيم فلسطين جغرافيا إلى دولتين، ولذا يتبنى إقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين. في البداية لم يحدد هذا التوجه حدود دولة فلسطين العتيدة مستندا إلى الشرعية الدولية التي تضمنها قرار التقسيم للعام 1947. لكن حرب حزيزان عام 1967 (واحتلال بقية فلسطين)، ومن ثم حرب العام 1973 وانتفاضة العام 1987 لفتت الانتباه لخصوصيات الأراضي التي احتلت عام 1967. لذا لم ترسم، في البداية، الدعوة لإقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين التاريخية حدود هذه الدولة ولا اعترافا صريحا بإسرائيل وبحقها في الوجود. هذه العملية ترسمت لاحقا في اتفاق أوسلو عام 1993، وإن هيأ لها قرارات المجلس الوطني في العام 1988 والتحولات الإقليمية (اتفاق كمب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وحروب الخليج) والمتغيرات الدولية (انهيار الاتحاد السوفيتي). الورقة المقترحة ستناقش مدلولات هذا الموقف على فهم المسألة الفلسطينية وانعكاساته على فهم المأزق الوطني الفلسطيني وسبل وامكانية الخروج منه.

ينطلق الفهم الثاني من اعتبارات عدة أولها عدم القبول بمبدأ تقسيم فلسطين الذي فرض من مراكز قوى خارجية وعبر تعرّض فلسطين لاستعمار استعماري استيطاني مدعوم من امبراطورية ذات نفوذ امبريالي واسع وتسيطر على فلسطين ودول أخرى في المنطقة، ومن خلال ممارسة الحركة الصهيونية تطهيرا عرقيا لفلسطين وتأسيس دولة إسرائيل على 78% من مساحتها بالقوة وطرد نسبة عالية من سكانها الأصليين.

هناك اعتبارات أخرى تشجع الفهم الثاني، منها انكسار مسعى بناء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على جزء من فلسطين (الضفة وغزة). وهو ما استهدفته قيادة منظمة التحرير من اتفاق أوسلو ومن اعترافها بحق إسرائيل في الوجود لكن الاتفاق فشل في وقف الاستعمار الاستيطاني بل نماه بإقراره بالرواية الصهيونية المسوغة لاستعمار واستيطان فلسطين وتطهيرها من سكانها الأصلين وتحويلهم إلى لاجئين وتجريدهم من حقوقهم الأساسية. ويرى هذا المفهوم أن ما قائم الآن  على أرض فلسطين التاريخية هو دولة فصل عنصري (أبارتهايد)، وأن الصهيونية فشلت في حل المسألة اليهودية بل فاقمتها من ممارسة والتشريد والتمييز  والتطهير العرقي ومن وضع شعب آخر (الشعب الفلسطيني) في “غيتوات”،   ولأن  نسبة عالية من اليهود في العالم تعيش خارج إسرائيل ومندمجة في مجتمعاتها،  ولأن المجتمع الإسرائيلي[1] مجتمع يتسم بانقسامات متنافرة (بهذا القدر أو ذاك) عاموديا وأفقيا،  ولان الفلسطينيين سواء الذين يقيمون  في وطنهم الأم (على أرض في فلسطين التاريخية)، وهم باتوا ليس أقل عددا من اليهود الإسرائيليين، يجمع غالبيتهم التمسك  بحقوقهم وبهويتهم  الفلسطينية العربية ويتطلعون إلى ممارسة حقهم في تقرير المصير والعودة  و المساواة التامة.  ويطرح هذا الفهم أن حل المسألة الفلسطينية (والمسألة اليهودية) حلا عادلا ومنصفا يستدعي إقامة دولة ديمقراطية واحدة على أرض فلسطين التاريخية تضم الفلسطينيون (بما في ذلك الذين في الشتات) واليهود الإسرائيليون على قاعدة المساواة التامة في الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وعلى قاعدة تفكيك النظام الاستعماري الاستيطاني والتخلي عن الصهيونية باعتبارها أيديولوجية استعمارية عنصرية، شهدت تحولات هامة وبخاصة بعد العام 1967 حيث جرى “تنحٍ متدرج للمستعمرة كفكرة علمانية قومية مقابل هيمنة متصاعدة للمستعمرة الدينية، وصلت إلى ذروتها بإزاحة مركبات الدولة المدنية والمواطنة والديمقراطية الاستعمارية لمصلحة تلك الاستيطانية الدينية والهوية القبلية، مثلما تجلت في قانون القومية اليهودية مؤخرا، ثم في  صفقة القرن”[2].  وما يطرحه هذا الفهم يمثل مشروعا نضاليا يجمع بين للفلسطينيين واليهود الإسرائيليين وتدعمه القوى والمؤسسات الديمقراطية في العالم.

هناك فهم ثالث ينطلق من اعتبار فلسطين وقفا اسلاميا، لن يناقش هنا كونه يقع خارج سياق المسألة الفلسطينية لأنه يحول الإسلام إلى دين وقومية، وهو ما قامت به الصهيونية إزاء فهمها لليهودية.   وينظر للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أنه صراع عقائدي ديني لا سياسي-تحرري[3].

أولا، المسألة الفلسطينية وتوصيفها احتلالا للضفة والقطاع

ليس من الهين معرفة كيف تسلل هذا المفهوم إلى الوعي السياسي الفلسطيني وقد نجد تكويناته البدائية في مراجعة الموقف الفلسطيني الرافض لقرار التقسيم مقارنة بموقف الحركة الصهيونية التي وافقت وأسباب تكتيكية معتبرة ذلك يخدم هدف تأسيس دولتها على أرض فلسطين. لكن ينبغي البحث عن المحركات الفعلية لولادة فكرة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين (بجوار إسرائيل)، ليس في قرار التقسيم (هذا جاء لتسويغ الفكرة ربما وليس لتوليدها)، نجدها في تجربة المقاومة الفلسطينية وإطارها التنظيمي –السياسي منظمة التحرير الاتي تولت تشكيل الحقل السياسي الفلسطيني بعد سيطرتها على المنظمة التي تشكلت بقرار عربي رسمي ولاعتبارات عربية دولاتية (من الدولة). وكما يعرف الجميع فقد تشكلت أطر وهيئات المنظمة خارج أرض فلسطين التي باتت كلها تحت الاحتلال بعد حرب حزيران من العام 1967. ولأن قيادة وأطر الحقل السياسي الفلسطيني بات تقيم في محيط دولاتي عربي، كان متوقعا أن يطرأ توترا بين حقل تشكله حركة تحرر وطني لها منطقها واعتباراتها ونشاطاتها التي تخدم أهدافها وبين وحقل تشكله دولة لها حدودها ومفهومها السيادي واعتباراتها الأمنية والاقتصادية وعلاقاتها الدولية وسياساتها التي تسيّر في خدمة نظام الحكم ومصالحه وأمنه.

وهذا في الواقع ما حصل، فقد دخل حقل منظمة التحرير كحقل يحركه ويقوده هدف التحرر الوطني في حالة من الصراع والتنافر مع نظم الحقول الدولاتية التي نشط فيها بتكويناته المختلفة (التنظيمية والسياسية والعسكرية والإعلامية واللوجستية)، وبخاصة حيث توفر للحقل قاعدة بشرية (مخيمات فلسطينية ووجود بشري داعم لهدف التحرر). هذا حدث في الأردن (في العامين 1970 و1971)، وفي لبنان (في ربيع 1973 حين جرت اشتباكات ضد المقاومة قادها الجيش اللبناني، ثم  تفجر الحرب الأهلية قادها أحزاب اليمين اللبناني ضد الوجود الفلسطيني  في لبنان عام 1975واستمرت حتى 1982) ومع النظام في سوريا (في العام 1976 وبعد العام 1982).  كما ورأينا تعبيراته في دول أخرى، وبخاصة في مصر السادات حيث أعطى النظام الأولوية لمصالحه، وفق رؤيته وتوجهاته المحلية والإقليمية والدولية، وهو ما تجسد في اتفاق كمب ديفيد، الذي تجاهل منظمة التحرير مانحا أولوية لاتفاق سلام مع إسرائيل الدولة التي ترى في منظمة التحرير عدوا ترى أن عليها سحقه، وهو ما سعت له، بعد فترة قصيرة من اتفاقها مع مصر، في غزوها للبنان ومحاصرة مؤسسات وقادة ومقاومي المنظمة لما يقرب من ثلاثة أشهر في صيف عام 1982. وبعد خروجها من بيروت سعى قادة النظام في سوريا وبدعم من النظام الليبي، وتواطؤ من غيرهما احتواء المنظمة، أي تحويلها من وجود تحرري إلى مجرد مؤسسات وأجهزة تابعة. وعندا فشل الاحتواء تم اعتماد الاضعاف والحصار المالي والسياسي واللوجستي، بما فقي ذلك إدارة حرب ضد مخيمات اللاجئين الفلسطيني كما حدث في لبنان (علم 1985).

ما سبق يشير إلى أن الجغرافيا السياسية التي أحاطت بمنظمة التحرير منذ نشأتها كان لها دورا حاسما، في الضغط على المنظمة وتوجيهها نحو هدف التحول بأسرع ما يمكن إلى كيان دولاتي، وهو ما حدث. لقد ساهم في اٍسراع سير المنظمة باتجاه التحول إلى كيان دولة، حرب تشرين عام 1973 والحديث عن انساب إسراع من أراض احتلتها عام 1967، والتساؤل حول مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة السياسي، ومسؤولية منظمة التحرير عن هذا المستقبل. بتعبير آخر رفض عودتهما إلى الوضع الذي ساد قبل العام 1967 (أي عودة الضفة الغربية إلى الحكم الأردني، وغزة إلى الحكم المصري). من هنا برنامج ما سمي بالنقاط العشرة الذي تبناه (وإن دون إجماع) المجلس الوطني عام 1974 ودعوته لقيام سلطة وطنية “مقاتلة” على الأراضي الفلسطينية التي تتحرر. لكن تبني مشروع دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وعلى أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة عجّل في بلورته إبعاد منظمة التحرير عن قواعدها في لبنان، والانتفاضة الشعبية في أواخر العام 1987 التي أبرزت انتقال مركز ثقل الفعل الوطني إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.  وجاء إعلان الدولة الفلسطينية في المجلس الوطني في أواخر العام 1988 ليعلن قيام دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين.

الجديد في اتفاق أوسلو ليس إعلان القبول بدولة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، ودون أن يقابله إعلان اسرائيل اعترافها بدولة فلسطينية ذات سيادة على هذه الأراضي. الجديد في الاتفاق هو إقرار منظمة التحرير رسميا بالرواية الصهيونية من خلال اعترافها بحق إسرائيل في الوجود على أرض فلسطين، مقابل مجرد قبول إسرائيل التفاوض مع منظمة التحرير حول مستقبل الأراضي المحتلة عام 1967 (دون الاعتراف بمكونات الشعب الفلسطيني).  لقد تعاطت إسرائيل من السلطة الفلسطينية باعتبارها سلطة حكم ذاتي محدودة الصلاحيات وفق تحديات إسرائيل لهذه. لقد أغفل اتفاق أوسلو علاقات القوة بين الطرفين وتحكمها بصيرورة الاتفاق ومحصلته.

لقد ادخل اتفاق أوسلو تحوّلا جذريا على الرواية التاريخية الفلسطينية الرسمية.  صحيح أن النكبة تبقى حدثا يجري احياء ذكراه سنويا، لكن ليس كجزء من عملية الظلم التاريخي الذي لحق، وما زال، بالشعب الفلسطيني.  الرواية الرسمية وفق خطاب السلطة الفلسطينية وخطاب منظمة التحرير (بما في ذلك مسمى دولة فلسطين كما اعترفت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة،)، المسألة الفلسطينية تخص احتلال إسرائيل لأراضي الضفة والقطاع، ويتم حلها إذا ما انسحبت إسرائيل من هذه الأرضي، واعترفت بدولة فلسطينية ذات سيادة، ويبقى تطبيقها لحق العودة وتطبيق قرار الأمم المتحدة 194 موضوع تفاوض بين الطرفين، ركما ورد في نص المبادرة العربية للعام 2002 (والذي وافقت عليه منظمة التحرير ولم توافق عليه إسرائيل). لذا باتت إسرائيل تعرّف بدولة الاحتلال (والمقصود بالاحتلال احتلال الأراضي الفلسطينية عام 19 67)، والاستيطان هو ما يجري من بناء مستعمرات لليهود الإسرائيليين في أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967، وليس ما جرى ويجري في فلسطين الانتدابية قبل وبعد ذلك. لقد بات هناك روايتان، رواية تاريخية تسندها الذاكرة الجمعية والأحداث المسجلة والمصورة، ورواية رسمية (وشبه رسمية) كما في الخطاب الرسمي سواء للسلطة الفلسطينية أم المتداول رسميا عربيا وديبلوماسيا دوليا وفي وسائل الإعلام المهيمنة عالميا. وهناك بالإضافة الرواية الصهيونية كما ترويها وسلائل الإعلام الصهيونية والإسرائيلية ألرسمية والدولية المنحازة لها. والرواية الأخيرة تستند فيما تستند إلى الأساطير الدينية وغير الدينية.

الرواية الرسمية للسلطة الفلسطينية ما زالت رواية قابلة للتحدي والنقد لأكثر من سبب، منها أن التاريخ الفلسطيني المقاوم والمسجل والمروي ما زال حيا وفاعلا وما زالت الذاكرة الشعبية وافرة وغنية والحس الوطني متجذر. ومنها أن  هذه الرواية تغيّب أو تتجاهل أو غامضة إزاء مكونات أساسية من الشعب الفلسطيني (اللاجئون وفلسطينيو الشتات، وفلسطينيو الأرض المحتلة عام 1948)،  كما أن اتفاق أوسلو فشل فشلا مدويا في نقل السلطة الفلسطينية إلى دولة ذات سيادة وذات سيطرة تامة على الموارد والحدود والوثائق والتسميات، في حين واصلت إسرائيل تغيير الفضاء المكاني لفلسطين وتشويه وتحريف تاريخها وشيطنة شعبها ونضاله من أجل حريته وعدالة قضيته وقامت بفرض نظام فصل عنصري (أبارتهايد) على الفلسطينيين المقيمين  على أرض وطنهم وإفقارهم وتنمية مشروعها الاستعماري الاستيطاني الاستثنائي.

ما ينبغي الانتباه له بالإضافة إلى ما دخل من تغيير على الحقل السياسي الفلسطيني وتفكيكه إلى حقول محلية معزولة جغرافيا وسياسيا عن بعضها البعض[4]. هو تغيير تنامى وترسخ في اللغة المتداولة في السلطة بعد أن حوّلت هذه الحركة السياسية الفلسطينية من حركة تحرر إلى مشروع دولة قيد البناء على الجزء الذي احتل من فلسطين عالم 1967، بكل مؤسساتها ولغتها وبنائها الفكري وتراتبية العلاقات بين أفرادها، ومن تخاطب بين أفراد التنظيمات كأخوة ورفاق نضال إلى خطاب تراتبي على أسالس رئيس ومرؤوس في مؤسسات أجهزة أمنية وهيئات ذات سمات ووظائف دولاتية (من الدولة)، وسيادة خطاب وتسميات دولة ومشتقاتها دون حيازة أي من سمات الدولة الفعلية[5].  لذا نجد أن أشد المتمسكين بهذا الهدف هم ممن استفادوا ومرشحون للاستفادة (من حيث تكوين رأسمال مادي، وسياسي واجتماعي، ومعنوي ورمزي) من قيام السلطة ومن تحولها إلى دولة وإن مقيدة بشروط دول الجوار. وساهم في هذا التغيير نمو، مع نمو مؤسسات وأجهزة وهيئات السلطة، طبقة وسطى واسعة نسبية، وبقاء الطبقة العائلة أسيرة مؤسسات صغيرة جدا، وجزء يعتمد على العمل في مشاريع اسرائيلية، ونمو طبقة أصحاب رؤوس أموال (مالية وعقارية وخدماتية بالأساس) موالية للسلطة تتجنب المواجهة مع إسرائيل.

لكن ما يستدعي بعض التأمل هو أن السلطة الفلسطينية رغم تكالبها لاكتساب سمات دولة سيادية ما زالت، من وجهة نظر إسرائيل الصهيونية تسعى لإزالة الاحتلال عن جزء من فلسطين، أي انهاء سيطرتها العسكرية والاقتصادية والأمنية على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967.  ولعل هذا ما يفسر، وإن جزئيا، سياسة النخب الإسرائيلية الحاكمة تجاه السلطة الفلسطينية وتقليص صلاحياتها الفعلية إلى صلاحيات بلدية بغض النظر عن التسميات التي تطلقها السلطة وغيرها ذاتها أو يطلقها الغير عليها.

في الواقع من يستمع لممثلي السلطة الفلسطينية وقادتها السياسيين وبعد أكثر من ربع قرن من اتفاق أوسلو لا بد من أن يلاحظ حالة الإنكار التي لا تقر بفشل اتفاق أوسلو في توليد دولة فلسطينية ذات سيادة على الضفة الغربية وقطاع غزة. وهي حالة انكار ما زالت تصر أن القيام الدولة الفلسطينية على هذه الأراضي وعاصمتها القدس، هو الحل الوطني الممكن والمحبذ، ودعاة. حلول أخرى (الدولة الديمقراطية الواحدة) هم أصحاب أوهام ومغفلون (انظر على سبيل المثال مقال ناصر القدوة)، بدل من دعوتهم والقوى السياسية لتطوير رؤية موحدة واستراتيجية كفاحية تشرك كل مكونات الشعب الفلسطيني في النضال (طويل الأمد بكل تأكيد) من أجل قيام الدولة الواحدة على أرض فلسطين التاريخية وترفض منطق مطالبة الدولة الاستعمارية بالاعتراف بحقوق جزئية للشعب المستعمر والمحتل، الأمر الذي يمنح الشرعية لمنطق وسلوك المستعمر والمستوطن[6].  والاعتراف بالدولة الاستعمارية الاستيطانية لا يزدها، على كما من تجربة الولايات المتحدة، وكندا واستراليا، ونيوزيلاندا ومن التجربة مع إسرائيل، سوى تمسكا بالسيطرة.

ثانيا، المسألة الفلسطينية وحضور استعمار استيطاني مستمر

هناك منطلق آخر لفهم المسألة الفلسطينية بات يعود إلى الوعي بعد أن خبا بعد اتفاق أوسلو وما سبقه من أحداث ومتغيرات إقليمية ودولية. وهو وعي ينطلق بأن المسألة الفلسطينية هي وليدة حركة استعمارية استيطانية ولدت في بيئة أوروبية تعيش حركة مد استعماري واستيطاني وتمييز صارخ ضد أقليات أثنية ودينية، وبخاصة ضد الأقليات اليهودية. البعض في الأقليات اليهودية رأي أن الخلاص من العداء لليهود (العداء للسامية) يتم عبر إقامة دولة يهودية، ووفرت بعض نصوص الرواية التوراتية، واعتبارات مصلحية لمراكز قوى استعمارية أوروبية مسوغات لاعتبار فلسطين مكانا لإقامة الدولة الصهيونية، وهو الرأي الذي هيمن، مقابل رأي آخر (دعمه شخصيات فكرية يهودية معروفة) رأى أن مجابهة ظاهرة العداء للسامية واضطهاد اليهود وغيرهم يستدعي الصراع داخل المجتمعات الأوروبية لتحويلها لمجتمعات أكثر مساواة وعدالة.

انتهازية الحركة الصهيونية أملت أن تطرح نفسها منذ تأسيسها حليفا وخادما لمراكز القوى المسيطرة

عالميا، وهذا هو سياق تصريح أو وعد بلفور (عام 1917) ودعم حكومة بريطانيا   (حكومة الدولة الاستعمارية الأكبر آنذاك) لقيام “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين التي كانت قبل الحرب العالمية الثانية تخضع للسلطة العثمانية. سكن فلسطين، حينها أقلية يهودية فلسطينية شكلت نحو 8% من مجموع السكان عام 1914 (حسب تقديرات الدولة العثمانية)[7].  تصريح بلفور اشترط ألا ينتقص قيام وطن قومي لليهود في فلسطين من “الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”. التصريح يعتبر أن هناك شعب يهودي (وليس طائفة أو طوائف يهودية)، في حين لا يعترف بوجود شعب فلسطيني بل يصفه بمجوعة من “الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين”. هذا التوصيف خدم جيدا سياسة داعمة للاستيطان الاستعماري الصهيوني في فلسطين، وانتجت لاحقا سياسة تطهير عرقي (وهي جريمة ضد الانسانية حسب القانون الدولي) تجاه سكانها الأصليين وسياسة مشجعة لهجرة مستوطنين يهود من بلدان مختلفة.

ما يعنيني هنا ليس تفاصيل تداعيات السياسة الاستعمارية الاستيطانية في فلسطين بل تأكيد حقيقة كونها موّلد المسألة الفلسطينية ولمأساة الشعب الفلسطيني، كما تبقى، أو هكذا ينبغي، الموجه الرئيسي لنضالاته من أجل الحرية والعدالة. في هذا السياق لا بد من تأكيد أن إسرائيل واصلت بعد حزيران 1967 ذات السياسة التي اعتمدته قبل ذلك التاريخ، وهو ما استمرت في انتهاجه بعد اتفاق أوسلو، بل استفادت من التحول الذي أحدثه اتفاق أوسلو في الحال الفلسطيني لتصعد من سياسة القمع وتشويه الرواية التاريخية الفلسطينية وتغيير طوبوغرافيا فلسطين وتزييف تاريخ شعبها.

 نحو فهم أعمق لمأزق إسرائيل

بتكثيف شديد يتمثل المأزق الفلسطيني في تفكك الحقل السياسي الفلسطيني وحركته الوطنية، وغياب مؤسسات وطنية موحدة افتقدت الحركة السياسية الفلسطينية لرؤية واستراتيجية جامعة لمواجهة نظام استعماري استيطاني يفرض الفصل العنصري (الأبارتهايد) على فلسطين التاريخية، واللجوء والاستلاب على معظم الفلسطينيين خارجها. والخروج يتمثل في إعادة يناء الحقل السياسي الفلسطيني على أسس تمثيلية ديمقراطية جامعة تشترك وتمتل كل مكونات الشعب الفلسطيني.

وفي إعادة بناء الحركة السياسية الفلسطينية (حقل سياسي وطني جديد ومنظمة تحرير جديدة) على ذات برنامج تحرري كفاحي، يجدر الانتباه إلى أن إسرائيل كنظام استعماري استيطاني تواجه مأزقا تاريخي لأكثر من اعتبار: أولها أنها فشلت، بعد أكثر من قرن من الاستعمار الاستيطاني بدعم من أقوى مركزين امبراطوريين في العالم   من تطهير فلسطين من غالبية سكانها الفلسطينيين، حيث بات نصف سكانها (على الأقل) هم فلسطينيون يقيمون على أرض وطنهم في فلسطين التاريخية تكمن في حيوية الوطنية الفلسطينية التي يتمتع بها الفلسطينيون داخل فلسطين وخارجها (أي بين اللاجئين والجاليات الفلسطينية)، وغالبية هؤلاء، رغم مواقف  نخب سياسية وغير سياسية فلسطينية  المتهالك على  أقصى ما تسعى  له هو دولة في الضفة والقطاع (مع “تبادل أراضي”!)، متمسكون بحقوقهم السياسية التاريخية والراهنة، وبهويتهم الوطنية وبحقهم في العودة.  والاعتبار الثالث يعود لحقيقة أن معظم يهود الولايات المتحدة وأوروبا باتوا مندمجين في مجتمعاتهم ولا يرغبون في الهجرة لإسرائيل، وبتنا نجد يهودا إسرائيليين، لأسباب سياسية، يرغبون في الهجرة لخارجها، كما تزداد لانتقادات لإسرائيل وما ترمز اليه بين المثقفين اليهود، وتحديدا في الولايات المتحدة[8].  والاعتبار الرابع ربما بتمثل فيما يشهده الحقل السياسي الإسرائيلي من تعدد أشكال الاستقطاب على أسس أثنية ودينية وقومية وطبقية، والتنافس الفئوي على المواقع الوزارية وما يشهده الحقل في العقدين الآخرين من تحولات يمينية رجعية وعنصرية تخيف العلمانيين والليبراليين قبل غيرهم[9]. الجمهور العلماني في إسرائيل يشعر بأن هناك تسلط ديني نابع يبرز من مساعي سن قوانين دينية تغيير من العلاقة بين الدين والدولة، وهو مسعى يريد تثبيت صورة إسرائيل كدولة يهودية خالصة، تحافظ على التراث الديني للشعب اليهودي، وإن بدت شكلا دولة علمانية حديثة[10]. وترى غالبية من اليهود العلمانيين بأن المبادئ الديمقراطية يجب أن تنال الأولوية على الشريعة الدينية، في حين ترى غالبية اليهود المتدينين بأنه يجب إعطاء الأولوية للشريعة الدينية، وتختلف هذه المجموعات بشكل أعمق فيما بينها حول تعريف الهوية اليهودية[11].

وكاعتبار خامس لا بد من التذكير بأن نظام الفصل العنصري الذي شرعه قانون القومية الإسرائيلي المقر من الكنسيت في العام 2018 مرفوض بقوة من الغالبية الساحقة من الفلسطينيين. لأن القانون يحدد دولة إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي، والبيت القومي لليهود، وأن حق تقرير المصير هو حصري للشعب اليهودي، كما ويؤكد على حق اليهود في العالم في الهجرة إلى إسرائيل والحصول على مواطنتها.  أنه قانون يمنح شرعية قانونية للتمييز العنصري. والفلسطينيون كغيرهم من شعوب العالم يريدون دحر هذا النظام والعيش بحرية ومساواة وعدالة. أنهم لا يطلبون بمجرد التساوي في الحقوق مع المستوطنين المستعمرين لأن هذا يمنح المستوطنين شرعية وجود، بل يطالبون بهزيمة نظام الاستعمار الاستيطاني ومؤسساته وعقليته.  كما أن هذا النظام لا يمكن أن يوفر حلا مشرفا للإسرائيليين اليهود لأنه لنظام قائم على استعباد وقهر واحتلال وتهجير شعب آخر ومنعه من إحقاق حقوقه الأساسية، واستمرار هذا النظام سيوّلد عاجلا وليس آجلا نظاما استبداديا فاشيا لا يحترم حريات وحقوق مواطنية اليهود وهو بات يوفر البيئة الملائمة لتنامي الحركات الاصولية الدينية والقومية اليمينية المتزمتة. ليس المطلوب من الشعب الفلسطيني أو لأي من مكوناته المطالبة بحقوق من المستعمر.  المسألة الفلسطينية ليست مجرد استثناء شعب من حقوقه، بل هي، بالأساس، سلب شعب لأرضه وحقوقه وتهجيره وفرض التمييز ضده من قبل مستعمِر استهدف، وما يزال، الاستيلاء على الأرض وتصفيتها من سكانها.

بات من الهيّن الآن -بعد أكثر من سبعة وعشرين عاما من اتفاق أوسلو وما شهدتها هذه السنوات من تحولات وأحداث القول بأن الاتفاقات وما تبعه من مفاوضات ثنائية ومن تدخلات وتوجيهات أميركية -القول أن إسرائيل استخدمت الاتفاق كغطاء لمواصلة مشروعها مكثفة الاستيطاني وتكريس سيطرتها على الحركة والموارد الطبيعية وتتبيع الاقتصاد الفلسطيني وتوليد اعتماد مؤسسات السلطة الفلسطينية على التحويلات الخارجية، بما في تحويلات “المقاصة”.  لقد فشل مشروع بناء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود الأرض المحتلة عام 1967، ولأن المشروع تم دون مشاركة مختلف مؤسسات المجتمع السياسي والمدني، وبتغييب مكونات اساسية من الشعب الفلسطيني، ومن خلال المجتمع الذي يتحول إلى متفرج على هامش الفعل الوطني النضالي.  فالمقاومة كفعل متعدد الأشكال والأهداف والنتائج، كما أوردتها الانتفاضة الأولى، قبل تدخل الأطر القيادية برويتها الخاصة لما ينبغي أن تسير عليه المسيرة النضالية في الداخل، بما أثر سلبا على حجم وسعة المشاركة في العملية التحررية التي ارتسمت من خلال دور وحراكات اللجان الشعبية والمختصة، ولما سببه تضييق على تنوع وتعدد أشكال المشاركة لفئات وشرائح مختلفة من الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية وخارجها.

 شروط إعادة الاعتبار للمسألة الفلسطينية

ينطلق هذا المقال من رؤية حاجة ملحة لطرح رؤية للمسألة الفلسطينية تؤكد على حقوق مكونات الشعب الفلسطيني التاريخية والراهنة، بما فيها حق العودة كاملا (كونه المعيار والمؤشر الواضح على كون النكبة الفلسطينية ما تزال مستمرة)، ودحر الاحتلال والاستيطان والحصار العنصريين على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 ويزيل التمييز القومي والاثني عن الفلسطينيين الذي بقوا على ارض فلسطين التي احتُلت عام 1948.  هذه الرؤية تمنح أولوية للحفاظ على وحدة أرض فلسطين التاريخية ولتأمين العدالة لكل مكونات الشعب الفلسطيني التي تشكلت بعد نكبة العام 1948، وتطرح حلا يمنح اليهود الإسرائيليين حق المواطنة في دولة ديمقراطية واحدة بالتساوي مع الفلسطينيين.

لا ينبغي أن يبقى المشروع الوطني الفلسطيني في حيازة الشعب الفلسطيني (بمكوناته دخل فلسطين التاريخية وخارجها) فقط، بل ينبغي أن يوجه لليهود الإسرائيليين كمشروع يطرح عليهم البقاء في فلسطين الموحدة والديمقراطية والعلمانية شرط الالتزام التام بقواعد الديمقراطية السياسية وقيم وسلوك المساواة والعدالة بما يستدعيه هذا من  نبذ واضح  للصهيونية كأيديولوجية استعمارية استيطانية عنصرية  وإقرار بواقع إسرائيل كدولة ابارتهايد[12].  كما أنه مشروع يستحق العمل كي يلقى دعم وتضامن القوى السياسية والمدنية والثقافية في العالم التي تحترم وتعلي قيم الحرية والمساواة والعدالة بما فيهم اليهود غير الإسرائيليين. هذا يعني رفع شعار “رفع الاحتلال والاستيطان والتمييز والتهجير عن الشعب الفلسطيني أمر مهم”، كما أن “حياة السود أمر مهم” و”التحرر من أنظمة الاستعباد والديكتاتورية والتمييز” أمر مهم.

مفيد هنا الإشارة إلى رأي أبراهام بورغ (شغل منصبي رئيس الوكالة اليهودية ورئيس الكنيست الإسرائيلي سابقًا) الذي لاحظ تزايد نسبة اليهود المتزوجين من غير اليهود (خارج إسرائيل) باستمرار مما يشير، وفق رأيه، إلى أن مشكلة اليهود تتركز في معظمها في إسرائيل في حين أنها محلولة تقريبًا في الغرب بصورة عامة. ويطرح بورغ مفارقة غريبة مؤداها أنه وخلافًا ليهود العالم الغربي المندمجين تمامًا كأفراد في النسيج الدستوري العالمي، والمستوعب في الغرب، فإن إسرائيل اليهودية تعيش في مفارقة مثيرة فالعلاقات بين اليهود وغير اليهود قد حلت بصورة تامة في الغرب في حين ما زالت مكرسة بقوة في إسرائيل، وخلاصة المفارقة التي يقدمها بورغ أن اليهود في خارج إسرائيل يعيشون في أوضاع جيدة وانفتاح أما في إسرائيل فيعيشون حياة “الجيتو” (ghetto) والعداء[13]. ويضيف بورغ  “حسب رأيي أننا سائرون في اتجاه انشقاق داخل الشعب اليهودي، ويجوز أننا في خضم الانشقاق، ويجوز أن الانشقاق حصل فعلاً من غير أن نشعر به، وعما قليل في جيلنا أو في جيل أولادنا وأحفادنا نجد أنفسنا في وضع انشقاق طبيعي يكون هناك شعب يهودي أ، وشعب يهودي ب”[14].

الدعوة إلى إزالة   نظام التمييز العنصري (الأباراتهايد)  وصفة الصهيونية من إسرائيل كشرط سلام طرحها أكثر من مفكر إسرائيلي، منهم  إ‘يلان بابيه[15]، و المؤرخ شلومو ساند الذي يرى أن الحل السياسي الوحيد للصراع مع الفلسطينيين يتمثل في إزالة الدولة اليهودية[16]. وترى جوديت بتلر إن مشروع التعايش المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود لا يمكن أن يبدأ إلا مع تفكيك الصهيونية السياسية[17].

مشروع الدولة الديمقراطية الواحدة طرح فلسطينيا في سياقات سياسية مختلفة، فقد طرح في كتاب صدر في العام 1919 من قبل مجموعة من المثقفين الفلسطينيين في مقاربة للنهوض بفلسطين في جوانب عدة لمواجهة مشروع الاستيطان الصهيوني[18].  كما رود في مشروع لحركة فتح كتبه ونشره د. نبيل شعث في العام 1971، جاء في مقدمته:

“منذ سنتين تكلم مندوب فتح إلى مؤتمر القاهرة لنصرة الشعوب العربية فأعلن باسم الثورة الفلسطينية “نحن نقاتل اليوم في سبيل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية يعيش فيها الفلسطينيون بكل طوائفهم…مسلمين ومسيحيين ويهوداً في مجتمع ديمقراطي تقدمي، ويمارسون عباداتهم وأعمالهم مثلما يتمتعون بحقوق متساوية” وأردف البيان قائلاً “إن ثورتنا الفلسطينية لتفتح قلبها وفكرها لكل بني الإنسان الذين يريدون أن يعيشوا في المجتمع الفلسطيني الحر الديمقراطي وأن يناضلوا في سبيله بصرف النظر عن اللون أو الدين أو العرق”[19]. ويضيف المقال؛ “وتبع هذا البيان بيان أدلت به الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين وآخر أدلت به الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعدد آخر من البيانات أدلت به فتح. وكان بيان القاهرة هذا أول إعلان صريح كامل عن مفهوم حركة المقاومة الجديد لفلسطين الغد. لكن هذا المفهوم لم يكن بالتأكيد رؤياً جديدة تماما فقد كان الفلسطينيون منذ الثلاثينات من هذا القرن يأملون في إقامة دولة فلسطينية موحدة ديمقراطية متعددة الأجناس تضمهم والمستوطنين اليهود الذين كانوا يعيشون في فلسطين. وقد ورد ذلك في الشهادة المقدمة إلى لجنة بيل عام 1937 وكررته وفود رسمية إلى المؤتمرات.”[20]

قدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية في منتصف العام 2020 بنحو 6.7 مليون[21]  في حين قدر مكتب الإحصاء المركزي في إسرائيل عدد  اليهود الإسرائيليين في منتصف العام 2020 بنحو 6.8 مليون[22]، أي أن  عدد اليهود الإسرائيليين يتساوى في الواقع مع  عدد الفلسطينيين المقيمين على أرض وطنهم.  لكن ربما الأهم من هذا، هو أن الروح الوطنية لدى فلسطينيي الشتات تتمتع بحيوية عالية، وهذا هو عنوان مأزق المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني.   والمخرج من هذا المأزق الاستراتيجي لن يكون في إبادة الشعب الفلسطيني، إذ لم يعد هذا ممكنا، بل في الاعتراف بحقه في وطنه والافساح في المجال لقيام دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية يتعايش فيها الفلسطينيون (بما فيهم من يعود من فلسطيني الخارج) واليهود الإسرائيليين على أسس ديمقراطية ومساواتية تامة. هذه هي المساومة التاريخية التي عل ى الحركة السياسية الفلسطينية طرحها كحل وطني وكمخرج لمأزق دولة إسرائيل التاريخي. وهي مساومة يفترض أن تطرح للنقاش الشعبي الواسع والمعق في كل تجمعات الشعب الفلسطيني.

لعل ما هو مطروح هنا يستدعي طرح  المشروع  لمناقشة معمقة ومستفيضة من قبل مكونات الشعب الفلسطيني لأمرين؛  الأول،  هل بات اليهود  الإسرائيليون (وليس اليهود كجماعة دينية) باتوا يشكلون شعبا له سماته الثقافية، والثاني هل لدى كل من الطرفين (الفلسطيني واليهودي الإسرائيلي) الاستعداد  للدول في “تسوية تاريخية” تتمثل في العيش المشترك  في دولة ديمقراطية واحدة على أرض فلسطين التاريخية تفتح أبوابها بدون قيود لعودة اللاجئين الفلسطينيين وخلفهم  لفلسطين واستعادتهم لممتلكاتهم أو تعويضهم عنها وعن استخدامها،  إضافة لتعويض الفلسطينيين العمال عن استغلالهم خلال فترة عمل مئات الآلاف من العمال الفلسطينيين على مدار عدة عقود[23].

دون دولة ديمقراطية واحدة على أرض فلسطين التاريخية تضع الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين على قدم المساواة التامة في الحقوق والواجبات لن يكون هناك أبدا حل للصراع وسوف يستمر لأمد طويل. الفلسطينيون لن يستكينوا للوضع الراهن أو لواقع لا يتيح العودة لاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الأصلي. الحركة الصهيونية، فشلت خلافا لما حدث، في مجتمعات استعمارية استيطانية أخرى من إبادة السكان الأصليين أو تحويلهم إلى أقلية صغيرة مهمشة، أو كي وعيهم ليقبلوا بالواقع الاستعماري العنصري وبالتهجير والتمييز العنصري. كما فشلت في معالجة حالة الانقسام (القومي والاثني والديني والطبقي والأيديولوجي) التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي.

وحتى يستطيع الشعب الفلسطيني من طرح رؤية واضحة لمشروعه الوطني التحرري الجامع لا بد من بلورة حركته الوطنية الجامعة من جديد بعد أـن تفككت وفقدت الرؤية والمؤسسات الموحدة الجامعة التي تدرك تماما أن لا حل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي بدون هزيمة النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري وتفكيك بنيانه، وتعي أن تحقيق ذلك قد يمتد لأجيال، وبان الأولوية في النضال التحرري يجب ان ترتكز على منهج إدارته بإيلاء الأهمية القصوى لبناء الذات على صعيد كل تجمع فلسطيني وتعزيز مقومات الصمود داخل الوطن وفي الشتات، بكل ما يعنيه ذلك من للانتباه لشروط كل منها في تحديد الأولويات واختيار المناهج النضالية القادرة على حشد الإمكانات الذاتية وتوظيف الظروف الموضوعية  دون تغليب مصلحة مكون على مصالح المكونات الأخرى واعتبار نجاح مكون في تحقيق الأهداف تخدم حقوق ومصالح ذلك التجمع رصيد وطني  يصب في صالح نضال التجمعات أو المكونات الأخرى.  المدنية والمساواة لفلسطينيي 1948 هدفا وطنيا يستحق التفهم والدعم والمؤازرة من كافة المكونات الفلسطينية الاخرى. بتعبير أخر دحر الاحتلال والاستيطان عن الضفة الغربية وإنهاء الحصار عن قطاع غزة هو أحد أهداف النضال الوطني الفلسطيني، كما هو هدف إزالة التمييز ونظام الأبرتهايد  (هو يعرّف كجريمة ضد الانسانية في القانون الدولي) عن الشعب الفلسطيني المقيم في فلسطين  سواء ما احتل منها عام 1948 أو عالم 1967، هدفا مشروعا  يستدعي الدعم والاسناد الوطنيين (ومن القوى المؤيدة للعدالة والمساواة في العالم) ويصبح ترسيخ حق الشعب الفلسطيني في المنافي والشتات للعودة هدفا وطنيا يستوجب الدعم والمساندة من مكونات الشعب الفلسطيني الأخرى ومن قوى العالم المساندة للحرية والعدالة. أما أشكال النضال فتحددها ظروف كل تجتمع وقرارات قياداته المحلية المتناغمة مع الاستراتيجية الوطنية العامة.

لا بد من الخروج من الواقع الفلسطيني الراهن حيث تهيمن نخب سياسية محلية تتنافس فيما بينها على منافع فئوية جدا وحيث تراجعت النضال التحرري الوطني وقيم المساواة والروح التكافلية والتطوعية وذهنية العمل الجماعي، لصالح السعي للمصلحة الفردية ولتنمية ذهنية “الموظف” بديلا عن تقمص النفس النضالي.  وهنا لا بد من استدعاء الثقافة التحررية   لتشديد حراستها على الرواية التاريخية الفلسطينية في مقارعة الرواية الصهيونية والاستعداد لتقديم تنازلات مبدئية وجوهرية لها (كما جرى عند الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود)، وكما جرى عند إظهار الاستعداد للتبادل أرض في الضفة الغربية (أي مستوطنات صهيونية) بأرض في إسرائيل (أي أراض فلسطينية محتلة منذ العام 1948).   لقد هيمنت في الثقافة الفلسطينية قيم ديمقراطية قبل النكبة ولفترة عقود بعدها، وما زال الحقل يحتفظ بتيار ديمقراطي تقدمي تجسدت في الانتفاضة الأولى وإعلان الاستقلال. التراجع جرى مع بروز اتجاهات يمينية وأصولية سلفية اقتحمت الحقل السياسي الفلسطيني ودخلت، بعد تشكل السلطة الفلسطينية إلى الحقل الثقافي الفلسطيني عبر منهاج التعليم الديني الرسمي المتمثل في كتاب التربية الإسلامية المقر في مدارس السلطة بما يمثله من رؤية وتوجهات السلفيين والإخوان المسلمين وبما يتناقض لامع قيم الحرية والمساواة والعدالة لصالح تقديس الجهل والخرافة[24].

رموز الثقافة الفلسطينية الأبرز سواء في الشعر أو الرواية والقصة أو الفن التشكيلي والغناء والمسرح أو في البحث التاريخي العلمي وفي الفلسفة والفكر أوفي السينما، كانت وما زالت صاحبة توجه ديمقراطي علماني، أي تتبنى فصل الحقل الديني عن الحقل السياسي وحملت مبكرا توجهات ديمقراطية ببعدها القيمي. وهذا يسري على الحركة الوطنية الفلسطينية (كأحزاب وتنظيمات وكقيادات وطنية) التي حرصت منذ العشرينات من القرن الماضي على إبراز تكوينها السياسي الوطني بتعبيراتها عدة شملت أن يكون في صفوف الحركة القيادية الأولى فلسطينيون مسيحيون في مواجهة الحركة الصهيونية التي تعلي الانتماء الديني[25]. والواقع أن منظمة التحرير حافظت على طابعها العلماني رغم ما دخل على العالم والمنظمة من تشوّهات على صعيد العلاقة بين الشأن الديني والشأن السياسي، واستخدام الدين في خدمة السياسة وللتغطية على تفرد وفساد النخب الحاكمة وفي الترويج للدجل والجهل.

إن تحرر الحقل الثقافي النسبي (قياسا بالحقل السياسي) من ديكتاتورية الجغرافيا السياسية ومن قوانين السوق[26] ومن موازين القوى العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية التي تكون حاضرة يؤهله للعب دور مهم في حراسة الرواية التاريخية الفلسطينية بعد تفكك الحقل السياسي الفلسطيني وتراجع دوره الوطني الجمعي. وهنالك ما يشير إلى ذلك، فقد شهد العقدان الأخيران نشاطا مميزا في مجالات الأدب والفن والسينما والمسرح والغناء والموسيقى والفكر وفي عدد الجامعات ومراكز البحث والتفكير والدراسات الاستراتيجية في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 كما في الأردن ولبنان وأماكن أبعد من ذلك (كمؤسسة الدراسات الفلسطينية، ومدى الكرمل، ومركز مسارات، ومدار والشبكة، ومواطن وغير ذلك). ولعل صعود حيوية الحقل الثقافي خلال العقدين الأخيرين مصدره تنامي إدراك أن نكبة الشعب الفلسطينية (وشعوب عربية  باتت تعيش نكبات متواصلة) مستمرة وتطال، بشكل أو بآخر، مكونات الشعب الفلسطيني كافة، وأنها انكشاف تجمعات الشعب الفلسطيني تفاقم مع تغييب حضور مؤسسات منظمة التحرير وتنظيماتها السياسية كمؤسسات وتنظيمات للكل الفلسطيني، ومع اتضاح عمق المأزق الذي توّلد عن اتفاق أوسلو، ووهم الدولة المستقلة على الضفة والقطاع الذي سوغ الاتفاق، وتنامي الوعي، وبخاصة بين الشباب، بالحاجة لتجديد منظمة التحرير الفلسطينية كبنية ودور  للكل الفلسطيني[27]. بتعبير آخر مطلوب إعادة تشكيل حقل وطني (بالمعنى الجامع) جديد يمثل كل مكونات الشعب الفلسطيني على أسس ديمقراطية جامعة دون تجاهل خصوصيات كل مكون واحتياجاته.

خاتمة

دون مشروع نضالي تحرري جامع للكل الفلسطيني، ووسائل نضالية مدروسة وفق إمكانيات  الكل الفلسطيني وإمكانيات وشروط كل مكون فلسطيني،  ودون بناء علاقات حميمة ومستدامة مع القوى المناهضة للظلم والاستعمار والاستبداد والعنصرية في العالم، ومع القوى اليهودية المناهضة للصهيونية  و للعنصرية،  لن تنشأ أوضاعا جديدة  تهيأ لدحر الاحتلال الاستيطاني،  يمهد لتفكيك النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني وينهي نظام  الأبرتهايد العنصري  بما يتيح حل ديمقراطي وعادل للصراع ليبني حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والراهنة  ويفتح المجال لحل منصف لليهود الإسرائيليين في دولة ديمقراطية واحدة تضم الطرفين[28].

هوامش:

[1]  يرى باروخ كيرلنغ  (عالم الاجتماع الإسرائيلي) ن ثمة عدد من الثقافات والهويات الإسرائيلية المنفصلة عن بعضها البعض آخذة بالتشكل: الثقافة الدينية القومية – الثقافة الأرثدوكسية القومية، الشرقية التقليدية، العربية الإسرائيلية، الروسية، الأثيوبية، وكذلك ثقافة الطبقة المتوسطة العلمانية. ويضيف لقد ” فاقت الاختلافات جميع القواسم المشتركة، غياب المائدة المشتركة، المساكن منفصلة تمامًا، والزي وأسلوب الحياة وأنماط الاستهلاك متماثلة ومختلفة، واللهجة والرموز الكلامية المنفصلة” (أنظر/ي؛ كيرلنغ باروخ،الثابت والمتحول في الثقافة الإسرائيلية”، مجلة قضايا إسرائيلية، عدد3، السنة الأولى، 2001.

[2]  أنظر/ي،  هنيدة غانم، “السلام القيامي: صفقة القرن أو الخراب الذي يعد بالازدهار”، مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد 122،  ربيع 2020.

[3]   في العام 1975 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 72 دولة ومعارضة35 دولة قرارها رقم 3379 والذي عرّف الصهيونية على أنها “شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري وأن على العالم مقاومة هذه الأيديولوجيا لأنها تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين”. لكن لتعيد الجمعية العامة نفسها قامت في العام 1991 إلغاء القرار والذي تزامن الذي تزامن مع انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الأولى ومؤتمر مدريد للسلام.

[4]  للمزيد أنظر/ي:

Jamil Hilal, “The localization of the Palestinian national political field”, in Mandy Turner (Editor), From the River to the Sea, Lexington, (London and New York),2019.

[5]   الادعاء أن الدولة الفلسطينية قائمة (لكنها تحت الاحتلال) هو قول خادع إلى حد كبير، لأن ما تطرحه لا يشمل سوى جزء من الشعب الفلسطيني والأرض التي تطالب بها لممارسة سيادة دولة عليها الدولة عليها تعادل خمس أرض فلسطين التاريخية، إسرائيل تسيطر على الجزء الأكبر من الضفة الغربية في الضفة الغربية سيطرة تامة، كما قامت بضم العاصمة الممكنة لهذه الدولة (القدس)، وما هو قائم فلسطينيا لا يتعدى معازل معزولة عن بعضها البعض، ولا تمارس السلطة الفلسطينية في رام الله  سيادة فلسطينية على المعابر والأرض والحركة والموارد الطبيعية والاقتصاد.  وقطاع غزة هو عبارة عن “جيتو”  (ghetto) يخضع لسيطرة الدولة الاستعمارية برياً وبحرياً وجوياً.

[6]  أنظر/ي:[6] Rifkin, Mark. 2017. “Indigeneity, Apartheid, Palestine: On the Transit of Political Metaphors.” Cultural Critique 95. p. 25-70. Project MUSE muse.jhu.edu/article/663843.

[7]  أنظر/ي: علي آل ثاني ومي الزعبي، “السكان في فلسطين التاريخية”، الجزيرة نت، 18/7/2020.

https://www.aljazeera.net/2005/07/18/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9

2 أنظر، على سبيل المثال لمقال الصحفي سلفين سيبيل عن الموقف مثقف يهودي أمريكي معروف ) رئيس تحرير مجلة Jewish Currents ):

SYLVAIN CYPEL, “ The Peter Beinart  Bomb; “I  no longer believe in a Jewish state”, Orient21, 24 July 2020.

https://orientxxi.info/magazine/je-ne-crois-plus-en-un-etat-juif,4036?fbclid=IwAR0DlFrr2QV4Ufi-KLDt1PdRa7bqIYk4CagjE5Qg7V7ZznICUG3gh5MkajI

كان بيتر ربنارت (وهو صهيوني ليبرالي نقدي) حسب ما يقول قد تبنى سابقا اتفاق أوسلو، و فكرة “دولتين لشعبين”، معتقداً أنه بذلك يبقى “صهيونياً وداعماً لدولة يهودية”، لكن الأحداث التي أعقبت أوسلو “قتلت فكرة الدولتين”،  كما يقول، وباتت “غطاءً لتشديد سلب الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال أراضيهم”. هذا الواقع جعله يتبنى اليوم فكرة “المساواة في الحقوق لليهود والفلسطينيين على السواء” الذين يقطنون الأرض الواحدة (فلسطين)، معتبرا الفكرة “أكثر واقعية من حل الانفصال”.  ويرى أن المساواة قد تتبلور، حسب اعتقاده، في دولة واحدة مع حقوق متساوية –”رجل واحد، امرأة واحدة، صوت واحد” أو تأخذ شكل “كونفدرالية بين دولتين مندمجتين فيما بينهما بصورة عميقة”. وفي هاتين الحالتين، “ستتوقف إسرائيل عن كونها دولة يهودية”، وهي راهنا في الواقع “دولة ثنائية القومية، يقوم فيها شعب بالسيطرة على شعب آخر وبالتالي لا “مستقبل لها، أو على الأقل، لا مستقبل لها كدولة مؤهلة لتحظى بالدعم.

[9]   لاحظ عديدون  أن إسرائيل مجتمع منقسم بعمق على طول المحور القومي والإثني والديني وخاصة الأيديولوجي والطبقي. وهذه الإشكالات والانقسامات يشار إليها عادة على أنها الأكثر إشكالية وفي كثير من الحالات تتداخل مع الطبقية والأيديولوجيا (أنظر على سبيل المثال؛ ماجد الحاج، “الهويات والسياسة في إسرائيل”، في المهاجرون في التسعينات من الاتحاد السوفيتي سابقاً، تحرير أسعد غانم، مركز مدار، رام الله، ط1، 2003.

[10]  أنظر/ي حول الصراع بين العلمانيين  والحريديم  على سبيلا التوضيح مقال  بلال ضاهر، الصراع بين المتدينين والعلمانيين اليهود يتجاوز حدود القدس، موقع المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية-مدار، ٩ أغسطس ٢٠٠٩. (https://www.madarcenter.org)

[11] Yitzhak Reiter, Religion as a Barrier to Compromise in the Israeli-Palestinian Conflict, First Edition, Jerusalem, Jerusalem Institute for Israel Studies, 2016.

[12]  حول ضرورة معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم ومعالجة موضوع الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية، و التعاطي مع إسرائيل كدولة أبارتهايد (فصل عنصري)، لإنجاز حل عادل للقضية الفلسطينية، أنظر؛

Ilan Pappe, Uri Davis, Tamar Yaron, The right to inheritance and to of return keys to peace in Palestine” in Orient21 22 July 2020.

(https://orientxxi.info/magazine/the-right-to-inheritance-and-to-return-keys-to-peace-in-palestine,4005).

[13] ابراهام بورغ، إسرائيل والمجموعات اليهودية في دول العالم، مجلة قضايا إسرائيلية، عدد62، سنة2016، ص36.

[14] أوري رام، ذاكرة دولة وهوية، الذاكرة والهوية وفسيولوجيا النقاش للمؤرخين في إسرائيل، اعداد وترجمة أنطوان شلحت، مركز مدار، رام الله، ط1، 2011.

[15] ايلان بابيه، مقابلة، ما يرتسم أمامنا اليوم دولة أبارتهايد واحدة والحل تغيير نظامها!، أجريت المقابلة: خلود مصالحة، مجلة قضايا إسرائيلية، عدد 65، ط1، 24أيار/مايو2017.

[16] شلومو ساند، اختراع أرض إسرائيل (ترجمة أنطوان شلحت، و واسعد زعبي)، مدار، 2013.

[17] جوديث بتلر، مفترق الطرق، اليهودية  ونقد الصهيونية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (الدوحة)، 2017.

[18]  حنا صلاح (المحرر)، فلسطين وتجديد حياتها؛ كتاب جامع لمباحث تاريخية وعمرانية واجتماعية سياسية عن فلسطين، اصدار الجمعية الفلسطينية لمقاومة الصهيونية، 1919، نيويورك (المطبعة التجارية السورية الأمريكية.  يدعو الدكتور سليم شحادة جورج قبل قرن من الزمن (كما ورد في الكتاب إلى  “أن تكون فلسطين مستقلة استقلالاً إدارياً تاماً على مبادئ الديمقراطية الصحيحة وحكم الأكثرية بالانتخاب مع مراعاة حقوق الأقلية…. وفي هذا نحتاج إلى فصل الدين عن السياسة ووضع بروغرامنا (برنامجنا) السياسي على أسس مدنية اجتماعية فقط مع مراعاة حرية الأديان والحق بالاجتماعات والخطابة للتعبير عن الرغبة الشعبية”. ويضيف تحت ثانياً “منح حرية المطبوعات والأقلام فعلاً ولا قولاً الحق بانتقاد أهل السياسة والموظفين انتقاداً يكبح جماح مطامعهم وسلوكهم في غير السبيل المستقيم أو إهمالهم لوظائفهم وقلة سهرهم على حقوق الشعب والوطن” (ص 200- 201. (التشديد  من قبلي).

[19]  يشير البيان هنا إلى “كلمة فتح في المؤتمر الثاني لنصرة الشعوب العربية(القاهرة) من 25 إلى 28 كانون الثاني(يناير) 1969.راجع كتاب فتح السنوي(1969) ص11.يجدر بنا أن نشير هنا إلى أنه سبق هذا التصريح الكامل عدة إشارات من فتح إلى رغبتها في إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية دون تمييز في الدين أو العقيدة تشمل اليهود والمسلمين والمسيحيين .انظر مثلاً: الميثاق الصادر عن المؤتمر الأول للمنظمات الفدائية المنعقد في القاهرة بين 17-20/1/1968 كما ورد في كتاب غازي خورشيد، دليل حركة المقاومة الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث بيروت آذار(مارس)1971 .انظر أيضاً حديث أبو عمار لجريدة الأنوار في 23/6/1968 وكتاب فتح السنوي 1968،وحديث أبو عمار لمجلة “باري ماتش” الفرنسية في 11/1/1969″.

[20]  د. نبيل شعث، “فلسطين الغد”، مجلة شؤون فلسطينية، العدد الثاني، 1971.

[21]  الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عشية اليوم العالمي للسكان، 11/7/2020

http://pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=3773

[22]  انظر/ي: وكالة الأناضول، تاريخ 26/4/،2020 ، نقلا عن ” يديعوت أحرونوت”. (https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/%D8%A5%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%A1-%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-919-%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%86%D8%B3%D9%85%D8%A9/1819051

[23]  انظر/ي على هذا الصعيد:

Ross, Andrew. “Who Built Zion? Palestinian Labor and the Case for Political Rights.” New Labor Forum, vol. 27, no. 3, Sept. 2018. https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/1095796018791147?journalCode=nlfa

ينقل روس على لسان أحد العمال الفلسطينيين العاملين في إسرائيل قوله:” لي أكثر من ثلاثين عاما أعمل يوميا في بناء المنازل
هنا (في إسرائيل)، على نحو ما، أنها بلدي أيضا، أليس كذلك؟”. في الواقع أنها بلد الفلسطينيين في الأصل وخارج هذا هو استيطان استعماري واستبعاد واحتلال وسلب، وهذا يجب أن يصحح.

[24]  انظر/ي؛ د. بلال زرينة، “واقع التعليم الديني في المناهج التعليمية الفلسطينية الرسمية-رؤية اسلامية تنويرية”، مجلة تسامح، العدد  69، حزيران 2020. وكتاب مهند عبد الحميد، المناهج المدرسية بين استثمار الرأسمال البشري وهدره، مؤسسة روزا لوكسمبورغ، نيسان/ابريل 2019.

[25]  أنظر/ي جميل هلال، العلمانية في الثقافة السياسية  الفلسطينية، شبكة فلسطين للحوار (11/4/2006)

)https://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=56664(

[26]  يتفاوت تأثير الرأسمال وواقع السوق على مجالات الثقافة والفنون والنشر، فهو أكثر تأثيرا على السينما مما هو على الأدب والفن التشكيلي والبحث وكتابة المقال وعلى المسرح والغناء والموسيقى. أنظر على سبيل المثال مقال فراس خوري المعنون “الفيلم الفلسطيني في قبضة السوق والممول”، الغد الجديد، 6 يونيو/حزيران 2015. إذ يستخلص الكاتب: “إنّ ارتباط الفن بالسوق لا بدّ أن يؤثر على فحوى العمل الفني. قليلة هي الأعمال السينمائية في العالم التي يمكن اعتبارها متحرّرة من الارتباطات ومن توقعات الجهة المموّلة. لكي نروي قصصنا في السينما بحرية أكثر، علينا أن نعتمد أكثر على أموالنا وطاقتنا العربية. إنّ الأدب والرسم وحتى المسرح الفلسطيني يتعامل مع النكبة بحرية أكثر لأنّ هذه الفنون تكلفتها أقلّ من تكلفة السينما وبالتالي أقلّ ارتباطاً برغبات وتوقعات المموّلين. ما زلنا نخطو خطواتنا السينمائية الأولى، ولا بد من أن نبدأ بالمعالجة السينمائية للقصص المؤسسة، إلا أن هذا يتطلّب منّا استقلالاً في تمويل أفلامنا. هذه هي الطريقة الوحيدة لكي يتطوّر عندنا ما يمكن أن ندعوه “سينما فلسطينية”. حتى ذلك الحين سنستمر بصناعة أفلام فلسطينية فقط”. وحول واقع السينما الفلسطينية في مرحلة وجود منظمة التحرير في بيروت، حيث أثرت “العالم ثالثية” والحرب الباردة والسعي إلى تأكيد دور الفلسطيني كفاعل ومناضل ومكافح  من أجل الحرية عكس الصورة التي كرستها وثائق وصور “الأونروا  (كلاجئ  يعتمد على المساعدة) أنظر الكتاب التالي:

Nadia Yaqub, Palestinian Cinema in the Days of Revolution (Austin: University of Texas Press, 2018).

 

[27]  للاطلاع على مناقشة شبابية فلسطينية لاستعادة منظمة التحرير بشروط ووظائف جديدة، من المفيد الاطلاع على الملف التالي:

استعادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة اشراك الشباب (الشبكة، شبكة السياسات الفلسطينية، آب 2020)

https://al-shabaka.org/wp-content/uploads/2020/08/PLO-Report-AR.pdf

[28]  كون مشروع الدولة الواحدة مشروعا كفاحيا  يمكن  قراءته من حقد الصهاينة على الفكرة فقد انفجر السفير الأمريكي الصهيوني  ديفيد فريدمان عضبا على  كاتب يهودي  (بيتر بينارت) لأنه تجرأ وطرح مشروع  دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين  يتمتع  فيها كليهما بحقوق متساوية يقول  فرديمان في مقال نشره في جيروساليم بوست: ” إن أحد كبار خبراء الجانب الغربي يدعى بيتر بينارت سيدمر إسرائيل، وإن ما يثير الدهشة هو أن صحيفة نيويورك تايمز تمنح أفكاره السخيفة هواءً للتنفس”. ويضيف: “إن دعوة بينارت لاستبدال دولة إسرائيل اليهودية هي أكثر غدرا مما قد تبدو للوهلة الأولى. إذا ما تحققت هذه الدعوة، فسوف تدمر إسرائيل في نهاية المطاف، وستؤدي إلى نتيجة كارثية”.

  • مقالة نشرت في مجلة “المستقبل العربي”، مارس 2021.
اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: جميل هلال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *