نتنياهو ينشر معلومات مضللة، وفي هذه الأثناء تقف إسرائيل في حالة انتظار

قدم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أمس (السبت)، رواية مضللة بشأن تسلسل الأحداث في القضية القطرية. وتم تشخيص المغالطات المنطقية في شروحاته على الفور – من قبل الصحفيين الذين لا يعتمدون على فتات المعلومات الصادرة من مكتبه . ففي مقطع فيديو نشره، حاول نتنياهو الادعاء بأن تحقيق الشاباك في القضية بدأ في 27 فبراير من هذا العام، بعد يومين من مطالبته لرئيس الجهاز، رونين بار، بتقديم تحقيقات جهاز الشاباك إليه في المذبحة التي جرت في منطقة غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023. وفعليا فإن، الصحفي عوفر حداد من قناة الأخبار 12، الذي كشف موضوع المدفوعات القطرية لإيلي فيلدشتاين من مكتب نتنياهو توجه لنتنياهو طالبًا الحصول على رد في 9 فبراير، وتم نشر الخبر في اليوم التالي ، وهو أيضًا اليوم الذي اتصل فيه نتنياهو ببار مطالبًا باستكمال التحقيقات. وهذا يعني بأن القضية كانت تتطور بالفعل منذ أكثر من أسبوعين، وليس فجأة قرر بار التحقيق فيها لمجرد أنه تلقى طلبًا من نتنياهو (في الواقع، طلبًا ثانيًا) للإسراع في التحقيقات.
يُضاف هذا الادعاء إلى ادعاءات مضللة أخرى أطلقها مكتب رئيس الحكومة ضد بار الأسبوع الماضي. فقد ادّعى المكتب، الذي يُخفي تصريحاته أحيانا تحت صفة مسؤول سياسي، أن دور رئيس الشاباك في فريق التفاوض حال دون إحراز تقدم في صفقة المخطوفين (عمليًا، لم تتوقف المفاوضات إلا بعد أن غادر بار طاقم المفاوضات بتوجيه من نتنياهو)، وأن بار كان على علم بمجزرة 7 أكتوبر قبل ساعات، و قصد عدم إبلاغ نتنياهو بالموضوع ( وهذا كذب مطلق ).
نتنياهو وحاشيته ينشرون في هذه الأيام رسائل متضاربة . فمن ناحية هناك تصعيد ملحوظ في تحركاته ضد رؤساء المؤسسة الأمنية والهيئة القضائية ، وكانت ذروتها محاولة إقالة بار والمستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا، ومهاجمة كليهما شخصيا بشكل شرس. ومن ناحية أخرى، هناك ضغوط داخلية متزايدة بسبب تقدم التحقيق في الموضوع القطري، إلى جانب الكشف عن تفاصيل جديدة بشأن تطورات سابقة في القضية .
وفي نهاية الأسبوع، أفاد الصحفي روي يانوفسكي على قناة “كان 11” بأن المدفوعات القطرية لمستشاري نتنياهو الآخرين، يوناتان أوريخ ويسرائيل أينهورن، تم تحويلها على الأقل منذ أيار 2022 . ويأتي هذا النشر استمرارا لما كشفه بار بيلج في صحيفة “هآرتس” بأن الاثنين أدارا حملة إعلانية لتحسين صورة قطر على الساحة الدولية، عشية دوري كأس العالم في ذلك العام . وقال رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت من حزب ( المعسكر الرسمي ) في مقابلة مع القناة 12 بأن نتنياهو تلقى تحذيرا قبل سنوات من أن قسم من الأموال التي يتم تحويلها من قطر إلى قطاع غزة تُستخدم لأنشطة حماس الإرهابية .
أما المسألة الثانية فهي ليست موضوع تحقيق جنائي . وإن المنبر المناسب لمعرفة الحقيقة حوله يجب أن يكون لجنة تحقيق رسمية . ولكن هذا هو بالضبط أحد الأسباب المركزية التي تجعل نتنياهو يحاول بكل قوته منع تشكيل مثل هذه اللجنة . ويتطرق آيزنكوت إلى تحذيرات أصدرها جهاز الأمن العام (الشاباك) عام ٢٠١٨، عندما كان نداف أرغمان رئيسًا للجهاز. في تلك المرحلة، وبعد وقت قصير من تشكيل محور إغداق المساعدات القطرية، وصلت بعض الأموال في حقائب نقدية، وكانت مخصصة لثلاثة احتياجات: شراء الديزل لشبكة الكهرباء في غزة، تقديم مساعدات للأسر المحتاجة، ودفع رواتب موظفي وزارات حكومة حماس في القطاع.
وكان القطريون يحولون ثلاثين مليون دولار شهريا، وفقط الثلث المخصص للرواتب تم تحويله نقدا، لأن البنوك الإسرائيلية والأجنبية كانت تخشى من إدراجها على قائمة العقوبات الدولية إذا عقدت صفقات مع نظام حماس. في ذلك الوقت، أعترضت شعبة الاستخبارات على تحذيرات الشاباك، وادعت أن الأموال تصل إلى أهدافها المعلنة، ولكن كان هناك خطر آخر – وهو أن الموارد التي كانت موجهة إلى حماس، بفضل الأموال القطرية، كانت في الواقع تُنقل لأغراض إرهابية . وفي عام 2020، انضمت شعبة الاستخبارات إلى تحذيرات الشاباك . وجاء ذلك بعد أن تبين أن رئيس الجناح العسكري لحركة حماس محمد ضيف يصادر أربعة ملايين دولار شهرياً من المساعدات القطرية لصالح أنشطة رجاله . وبسبب ذلك حدث خلاف داخل المستويات السياسية والأمنية في إسرائيل، لكن الأموال استمرت في التدفق، على أمل شراء الهدوء . وأيضا حكومة بينيت – لبيد استمرت في اتباع سياسة مماثلة، ولكنها فرضت المزيد من المطالب بشأن طريقة تحويل الأموال إلى قطاع غزة .
وستظل التوترات بشأن بار وبهاراف-مايارا، على خلفية فضائح قطر ، محور النقاش العام في الأيام المقبلة، ومن المؤكد أنها ستؤجج نار الاحتجاجات في الشوارع إلى حد ما . ولكن من الصعب أن نتجاهل حقيقة أن نتنياهو، في مجالات أخرى، يواصل تحقيق أهدافه. ومن المحتمل جدًا أن تتدخل محكمة العدل العليا ضد إقالة الاثنين، لكن المحكمة لن تمنع رئيس الحكومة من تمرير الميزانية، التي من المرجح أن تضمن استقرار حكومته حتى تشرين الأول 2026 . وفي هذه الأثناء سيحاول نتنياهو أيضًا تمرير قانون لتغيير تشكيلة لجنة اختيار القضاة .
الإدارة فعلا في حالة استعداد :
صادق مجلس الوزراء أمس على اقتراح وزير الدفاع يسرائيل كاتس لإنشاء “إدارة الانتقال الطوعي لسكان غزة إلى دولة ثالثة”. وصرح كاتس بأن الإدارة ستُشكل “وفقًا لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”، وأنه سيعلن قريبًا عن هوية رئيس الإدارة . عمليًا، لا توجد خطة أمريكية للهجرة القسرية للفلسطينيين من قطاع غزة (الهجرة الطوعية هي كذبة متفق عليها). أطلق ترامب الفكرة في الهواء خلال لقائه مع نتنياهو في البيت الأبيض قبل أكثر من شهر، ولم يتخذ أي خطوات عملية لتنفيذها منذ ذلك الحين . ينتظر كاتس الإعلان الرسمي عن تعيين رئيس للإدارة، لكن العميد (الاحتياط) عوفر فينتر – المرشح الأبرز للمنصب – يُجري محادثات تحضيرية كثيرة استعدادا لبدء عملها .
ويعكس قرار مجلس الوزراء الاستعدادات المتواصلة لاستعادة السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة. كما ورد هنا خلال نهاية الأسبوع، لا يستعد الجيش الإسرائيلي لعملية برية واسعة النطاق فقط، بل لإعادة الحكم العسكري في جميع مناطق قطاع غزة. وتتناقض هذه الأمور إلى حد ما مع بعض تصريحات ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب،خلال مقابلة مع المذيع تاكر كارلسون . فقد أثار ويتكوف الآمال بمستقبل إقليمي واعد. وأعرب عن تأييده لفكرة دمج حماس، إذا تخلت عن سلاحها، في الحكومة الفلسطينية المقبلة في قطاع غزة، وذكر أنه لن تكون هناك صفقة سعودية إسرائيلية من دون تسوية ووقف القتال في قطاع غزة.
وستظل التوترات مع بار وبهاراف-مايارا، مع فضائح قطر في الخلفية، محور المناقشات العامة في الأيام المقبلة، ومن المؤكد أنها ستؤجج نار الاحتجاج في الشوارع إلى حد ما. ولكن من الصعب أن نتجاهل حقيقة أن نتنياهو، في مجالات أخرى، يواصل تحقيق أهدافه.
وقد التقى ويتكوف مؤخرا في قطر مع خمسة وزراء خارجية من الدول العربية وأعرب عن اهتمامه بمقترح مصر لتشكيل حكومة خبراء لإدارة القطاع تحت رعاية دولية وبمساعدة اقتصادية واسعة النطاق من دول الخليج . ولكن الأميركيين يواجهون صعوبة في دفع المبادرة إلى الأمام على ضوء معارضة نتنياهو القوية ونيته المعلنة للعودة إلى القتال . وفي مقابل ذلك أبدت إسرائيل استعدادها لمناقشة تمديد المرحلة الأولى من صفقة المخطوفين بواسطة نبضات إضافية يتم فيها إطلاق سراح عدد قليل من المخطوفين الإسرائيليين، بما في ذلك أولئك الذين يحملون الجنسية الأميركية. المشكلة هي أن حماس لا تبدي استعدادها لمناقشة جادة، وتطالب بربط أي تقدم مهم بتوفير ضمانات دولية بأن إسرائيل لن تعود إلى القتال.
وعلى ضوء هذا الجمود، يبث ترامب حاليا (وينقل عنه مبعوثه) بأن هناك حاجة لاستخدام القوة لإزالة العقبات من الطريق من أجل المضي قدما في خططه لحل النزاعات. وفي هذه المرحلة لم تُعطِ الولايات المتحدة الضوء الأخضر أو الأحمر علنًا لخطط إسرائيل العسكرية في قطاع غزة. الطرفان في حالة ترقب، وإسرائيل تُوسّع نطاق عملياتها البرية في قطاع غزة نوعًا ما، لكنها تمتنع عن تعبئة واسعة النطاق لقوات الاحتياط في الوقت الحالي. لكن إذا لم يتدخل ترامب، فالاتجاه واضح: عودة إلى القتال على نطاق واسع، وربما حتى فرض إدارة عسكرية، مع أنه ليس مفهوم من أين ستأتي القوات التي يحتاجها الجيش الإسرائيلي لتنفيذ هذه المهمة الطموحة.
وفي الوقت نفسه، لا تزال الصراعات الإقليمية الأخرى مستمرة على نار هادئة ، حيث جدد الحوثيون في اليمن قصفهم لوسط البلاد بشكل شبه يومي، ردا على خرق إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وارتفعت حدة التوتر في جنوب لبنان على خلفية إطلاق ستة صواريخ على المطلة صباح السبت. إسرائيل، التي تعترف بأنها لا تعرف من أطلق الصواريخ (وتشتبه في أن الأمر يتعلق بمنظمة محلية تابعة لحماس) هاجمت مواقع لحزب الله رداً على إطلاق النار، وتهدد باستئناف القتال في لبنان إذا استؤنف إطلاق النار. ويستخدم نتنياهو التسخين المستمر على الحدود كوسيلة للتشتيت وكذريعة لخطواته المتطرفة في الساحة الداخلية .
المصدر: هآرتس