إن إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت هذا المساء (الثلاثاء) تقسم الشعب وتضعف دولة إسرائيل في زمن الحرب. وعمليا فإن الإيرانيين الذين وعدوا الأسبوع الاخير برد قاطع على الهجوم الإسرائيلي، يرون ما يحدث في إسرائيل – ويدركون أن أملهم لم يضع بعد.
ولا ينتهي الامر هنا ، فالنتيجة المباشرة والأكثر أهمية لإقالة غالانت هي أنه من الآن فصاعدا لن يبق بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة فحسب، بل وزيرا للحرب أيضا . وفي الواقع، فإن نتنياهو من الآن فصاعدا هو صاحب القرار النهائي في المسائل الأمنية التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية. فيسرائيل كاتس، الذي سيتم تعيينه وزيرا للدفاع، كرامته محفوظة – ولكنه لا يشكل سلطة أمنية تجاه من هم فوقه، أي نتنياهو، ولا تجاه من سيكونون خاضعين له الآن، وأقصد كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي.

من سلوك كاتس السياسي، يمكن أن ندرك أنه سينفذ أوامر نتنياهو، ولن يكون أكثر من مجرد مشرف نيابة عن نتنياهو في الهيئة الأمنية – وخاصة على كبار أعضائها، رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار ورئيس الموساد دادي برنيع – الذي لا يتفق دائماً مع نتنياهو، خاصة في القضايا المتعلقة بالمخطوفين وبإدارة الحرب في غزة.

منذ عدة أيام، تروج شائعات في المؤسسة الأمنية، وبشكل خاص تكهنات، حول احتمال استقالة رئيس الأركان ورئيس الشاباك، التابعين مباشرة لنتنياهو، بسبب الخلاف حول ضرورة وقف القتال في غزة من أجل إطلاق سراح المخطوفين، لكني أشك في أن يحدث ذلك. هاليفي وبار، وكذلك بارنيع ، يعتقدون أنهم إذا غادروا الآن فإنهم سيسببون ضررا أكبر لسير الحرب ولأمن إسرائيل أكثر مما سيقدمونه من خدمة لجمهور المواطنين . لذلك، على الرغم من أن غالانت عمل إلى حد كبير كقميص واقي لرئيس الأركان ورئيس الشاباك ورئيس الموساد، إلا أنهم سيتعلمون وسيعرفون كيف يتأقلمون مع الوضع الجديد، الذي يدار فيه كل رؤساء الهيئة الأمنية، بما فيهم هاليفي وألوية هيئة الأركان العامة، مباشرة من قبل نتنياهو .

ومن غير المتوقع أن يكون لهذا تأثير مباشر على الجيش، لكنه قد يدفع كبار الضباط الذين لديهم آراء مختلفة عن آراء اللواء هاليفي إلى تجربة حظهم مع رئيس الحكومة ووزرائه ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقويض الانضباط في الجيش الإسرائيلي . فالجيش بأكمله متكيف بطبيعته، ويعرف كيف يقبل الاوامر بشرط أن تكون قانونية. لذلك، إذا كان يتوقع حدوث صدمة فإنها ستكون بشكل خاص على مستوى ألوية هيئة الأركان العامة، وأقصد رئيس هيئة الأركان العامة وربما بعض العمداء الذين يقومون الآن بالإحماء على الخطوط .
ولكن بصرف النظر عن التأثير على الجهاز الأمني، فإن وجود غالانت في وزارة الدفاع شكل بالنسبة للجمهور العريض الاستقرار واليد المهنية والخبيرة على دفة القيادة . فعندما صادق غالانت، كوزير للحرب ، على عمليات أو نفذ زيارات لمختلف الجبهات بشكل متكرر، كان لذلك تأثير لزرع الثقة لدى الجمهور المدني، باستثناء قطاع اليمين المتطرف الذي عارض غالانت وكرهه. وحتى استطلاعات الرأي العام التي شملت كامل الجمهور الإسرائيلي ، بما في ذلك عرب إسرائيل، أعطت غالانت وأدائه درجات عالية جداً، أعلى بكثير مما حصل عليه الوزراء الآخرون – وحتى نتنياهو . ولعل هذا هو أحد الأسباب الرئيسية وراء رغبة نتنياهو التخلص من غالانت : فنتنياهو لم يتحمل أبدًا الأشخاص الذين عتموا عليه أو شكلوا ورثة محتملين . في الواقع، لقد قام دائما بتعطيل هؤلاء الأشخاص، أو ارسالهم إلى مناصب مرموقة – لكنها مناصب لا تسمح لهم بتهديده كرئيس للحكومة .

الأسباب المباشرة والواضحة لإقالة غالانت هي أربعة: معارضته لقانون تمويل التهرب من الخدمة (قانون المهاجع)، الخلافات بينه وبين نتنياهو، الانتخابات الأميركية والقضايا التي يعاني منها مكتب رئيس الحكومة .

السبب الأول، كما ذكرنا، هو معارضة وزير الدفاع لقانون التهرب من الخدمة (قانون المهاجع) ، الذي هو في الواقع التفاف على الجمود في قانون تهرب اليهود المتشددين من الخدمة في الجيش الإسرائيلي .
خشي نتنياهو بأنه اذا لم يتم إمرار واحد من هذه القوانين على الأقل ، فإن الحاخامات المتشددين، بقيادة الحاخام هادمور ماجور، سينفذون تهديداتهم، وسينسحبون من الائتلاف وسيتجهون إلى الانتخابات . ورأى نتنياهو ضرورة لتحييد هذا التهديد، وغالانت وقف في طريقه لذلك كان هناك ضرورة لازاحة غالانت . وبهذا الشأن يجب أن نتذكر أن غالانت أصدر تعليماته للجيش الإسرائيلي اليوم فقط بتجنيد 7000 من الشبان المتشددين الأمر الذي عزز من غضب ومخاوف اليهود الارثوكس . لقد فهم نتنياهو أن عليه أن يفعل شيء ما ولذلك فإن إزاحة غالانت تمت أولاً وقبل كل شيء للحفاظ على الائتلاف والحكومة التي يرأسها نتنياهو – ولا علاقة لذلك بسير الحرب.

السبب الثاني من ناحية الأهمية هو الخلافات التي كانت قائمة كما ذكرنا بين نتنياهو وغالانت وكبار الأجهزة الأمنية الآخرين حول مسألة المخطوفين والقتال في غزة. بالفعل خلال العام كان هناك عدد لا بأس به من نقاط الخلاف بين الطرفين، لكنها كانت موضوعية وبالتالي تم حلها . وعندما قرر رئيس الحكومة، على سبيل المثال، عدم مهاجمة لبنان، حين اقترح غالانت وهليفي ذلك في 11 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أيام قليلة من مجزرة 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم يعتقد أحد في المؤسسة الأمنية أن هذا قرار غير شرعي ونابع من دوافع ليست موضوعية .

وهو الأمر نفسه عندما أخر نتنياهو بدء المعركة البرية في قطاع غزة، وبعد ذلك بشآن الدخول إلى رفح. كانت هناك اختلافات كبيرة في الرأي، لكنها كانت أموراً نابعة من الوضع الوطني والدولي المعقد الذي دارت فيه الحرب. ولكن في موضوع المخطوفين، ظهرت خلافات جوهرية في الرأي بين غالانت ورؤساء الأجهزة الأمنية ونتنياهو . جوهر هذه الخلافات هي أن نتنياهو غير مستعد لوقف الحرب في غزة من أجل إطلاق سراح المخطوفين، بينما اعتقد غالانت، ورئيس الأركان ورئيس الشاباك ورئيس الموساد، أنه في مقابل ومن أجل إطلاق سراح كافة المخطوفين الأحياء، من الممكن وقف الحرب وإنهاء ما يجب الانتهاء منه في قطاع غزة في وقت لاحق.
وساد إجماع في الهيئة الأمنية بأن حماس ستمنحنا الفرصة للقيام بذلك عاجلاً أم آجلاً، لكن نتنياهو لا يقبل هذا الرأي – ويريد الاستمرار حتى النصر الكامل، حيث تستسلم حماس ومن ثم يتم اطلاق سراح المخطوفين. لكن هذا الموقف عارضه جزء كبير من الجمهور الذي يدعم عائلات المخطوفين – ولم يكن نتنياهو يريد أن يستمر غالانت في توجيه الضربات .
السبب الثالث للتوقيت، والذي ساد الأجواء لبعض الوقت، هو، كما ذكرنا الإنتخابات في الولايات المتحدة الامريكية . فالإصغاء الشعبي، هكذا اعتقد نتنياهو على مايبدو ، سيسمح لهذه الخطوة بالمرور – دون إثارة احتجاج شعبي قوي مثلما حدث في المرة السابقة . وليس فقط الانتخابات الأمريكية فحسب، بل أيضًا حقيقة أن عدد الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج قد تضاءل في العام الأخير من الحرب، وأن جزءًا كبيرًا منهم يخدم في قوات الاحتياط، أدى إلى القرار المتعلق بالتوقيت . ولكن كما رأينا في الساعات القليلة الماضية، فإن الأمل في أن تمر هذه الخطوة دون احتجاج عام قوي كان في غير محله – وخرجت حشود الجمهور إلى الشوارع .

السبب الرابع كما ذكرنا هو قضية الوثائق السرية والقضايا الأخرى التي تم كشف التحقيق فيها اليوم، والمتعلقة بمكتب رئيس الحكومة، ونتنياهو متورط فيها، حتى لو لم يكن بشكل مباشر.
نتنياهو سيكون أيضاً وزيراً للحرب : التأثير على الحرب والعواقب الدولية:

يجب أن أقول بصراحة أن غالانت كان بالفعل مخالفًا في ادائه حيال رئيس الحكومة . لقد عارضه في كثير من الأحيان، وأحرج نتنياهو وتحدى سلطته عدة مرات، أحيانًا علنًا وأحيانًا خلف الكواليس – لكنه أدى دوره كوزير للدفاع بالولاء لشعب إسرائيل ، بمهنية ، وبكثير من الذكاء العاطفي، ومن أجل ذلك نحن مدينون له بالشكر. من الآن فصاعدا، علينا أن نعتاد على حقيقة أن نتنياهو ليس فقط رئيس الوزراء صاحب السلطة المطلقة، بل هو أيضا وزير الحرب .

وبالمناسبة، هذه ليست هي المرة الأولى التي يشغل فيها رؤساء الحكومات في إسرائيل، بدءاً من بن غوريون، مناصب وزراء الحرب بالوكالة أو فعليا. بالنسبة لبن غوريون كانت ناجحة، وكان ملتزماً أيضاً بالظروف التي جرت فيها حرب 1948. لكن بن غوريون حظي بثقة عامة شبه كاملة، حتى من جانب خصومه السياسيين. أما نتنياهو فلا يخفى على أحد أن نصف الشعب لا يثقون بقدراته الإدارية ودوافعه، ولا يثقون به.
وفيما يتعلق بالعواقب الدولية لإقالة غالانت، فمن الواضح تماما أن الإدارة الأمريكية، سواء كانت كامالا هاريس هي الرئيس أو كان دونالد ترامب – سيكون لهذا تأثير سلبي واضح على سير الحرب بالتنسيق مع الدولة العظمى الراعية لنا . السبب البسيط هو أن غالانت تمكن من إنشاء علاقة وثيقة وجيدة مع البنتاغون والقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM). وهذه الحقيقة، بالمناسبة، كانت إحدى القضايا التي أدت إلى تفاقم العلاقة بين غالانت ونتنياهو بشكل كبير. لقد اعتقد رئيس الحكومة ببساطة، وربما كان على حق، أن الأميركيين يتجاوزونه من خلال العلاقة الوثيقة والتواصل الحميم مع غالانت، لذلك على سبيل المثال لم يسمح له بالسفر إلى الولايات المتحدة كوسيلة لإجبار الرئيس جو بايدن على التواصل معه كما يتذكر الجميع.

إدارة بايدن، التي ستستمر في الحكم حتى 21 يناير/كانون الثاني، عندما يؤدي الرئيس الجديد اليمين، ليست من محبي نتنياهو، ومن المحتمل أن يؤثر ذلك على المساعدات العسكرية التي سنتلقاها والجوانب السياسية لسير الحرب بما في ذلك خطة اليوم التالي في غزة . وحتى لو تم انتخاب ترامب، فإن طريق نتنياهو لن يكون سهلا للغاية، لأن ترامب أعرب عدة مرات علنا ​​عن غضبه، وربما حتى عن نفوره من نتنياهو . لا شك أن رئيس الحكومة يعتقد أنه قادر على إصلاح العلاقات مع ترامب، وأنه يفضل حكم ترامب المتقلب والذي يمكن التأثير عليه بسهولة عن كامالا هاريس كرئيسة.

لكن خلاصة القول هي أن نتنياهو، كوزير للحرب ، سيكون أقل قدرة بكثير من غالانت على دفع مصالح دولة إسرائيل . وهذا صحيح أيضاً بشآن الأمارات والبحرين والأردن ومصر، التي لا تخفي اختلافاتها في الرأي ومعارضتها لنتنياهو، وخاصة للخط السياسي الذي يقوده والمعارض لقيام دولة فلسطينية . ولكن من ناحية أخرى، كان من الممكن أن يشجع غالانت على تشكيل إدارة بديلة لحماس في غزة ـ وهو أمر ضروري للغاية لإنهاء الحرب . نتنياهو سيجلس وينتظر الأميركيين والإماراتيين والمصريين والأردنيين للقيام بالعمل نيابة عنه، حتى لو لم يدفع ذلك إلى إقامة دولة فلسطينية. ولكن حتى لو نجحت هذه السياسة بالنسبة لنتنياهو، فإنها ستطيل أمد الحرب في غزة إلى حد كبير، وبالتأكيد لن تدفع عجلة إطلاق سراح المخطوفين.

في مسألة إقالة رئيس الأركان ورئيس الشاباك، من المرجح الإعتقاد أن نتنياهو لن يقيلهما لأن الصدمة ستكون كبيرة جداً لدى هيئة إدارة الحرب ولدى الجمهور. ولن يجد نتنياهو بصفته وزير الحرب الفعلي صعوبة في توجيههم كما يشاء، ومن المتوقع أن يستقيل الاثنان إذا رأوا أن فرص إعادة المخطوفين أصبحت معدومة . لكن في الختام يمكن التقدير أن إقالة غالانت لن تدفع سير الحرب نحو النصر الكامل، بل إنها ستؤدي فقط إلى إطالة أمدها.

المصدر: يديعوت احرونوت

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *