نتنياهو قضى على فرصة التقدم في المفاوضات. انتهت المراسم

في مناقشتين جرتا يوم الأربعاء الماضي، إحداهما بعد الظهر في منتدى محدود، والأخرى في مؤتمر عبر الهاتف ليلاً، قضى نتنياهو على فرصة التقدم في المفاوضات. انتهت المراسم، على الأقل في هذه المرحلة. وكان من المفترض أن يتوجه اللواء إليعيزر توليدانو، رئيس قسم الإستراتيجية في هيئة الأركان العامة، إلى القاهرة ليلاً مع كبار مسؤولي جهاز الأمن العام ( الشاباك ) لإجراء محادثات مع المصريين. وكان من المفترض أن يذهب إلى هناك أيضاً منسق العمليات في المناطق، اللواء غسان عليان. وقال مصدر مشارك في المحادثات الليلة الماضية إن هذه رحلات فارغة. وكذلك كان اللقاء بين وزير الخارجية الأمريكي لينكولن ورئيس الحكومة نتنياهو . وفي هذه الأثناء فإن لقاء القمة، الذي كان من المقرر عقده في نهاية الأسبوع، بحضور فريق التفاوض الإسرائيلي وممثلي الوسطاء، قد يتم إلغاؤه أو تأجيله أو عقده لأغراض العرض فقط.
التفاؤل الذي ظهر في تقارير وسائل الإعلام الأجنبية في الأيام الأخيرة كان مجرد اسفين إعلامي. على مايبدو هناك في الجانب الامريكي من كان يؤمن بالسحر حيث قال : إذا قالوا إن الصفقة قريبة ، فإن هذا يعني أنها ستأتي فعلا .
لا مفر من العودة لقول الحقيقة وهي أن السنوار ونتنياهو غير مهتمين بدفع الأثمان المتعلقة بالاتفاق وفي هذه الأثناء يمكنهم قول مايريدونه . فنتنياهو قال في بداية جلسة الحكومة: “نحن نجري مفاوضات ، لا نعطي ونعطي”. ولكن الحقيقة مختلفة بعض الشيء : لا عطاء وعطاء ولا تفاوض لاشيء ، لاشيء، لاشيء .
انفجار المحادثات وقع حول محور فيلادلفيا، ولكن كان من الممكن أن يحدث حول عدد من القضايا الأخرى . محور فيلادلفيا، الذي قطعته مرتين خلال السيطرة الإسرائيلية عليه ، هو طريق طوله 14 كيلومترا، من كيرم شالوم (كرم ابو سالم )إلى البحر، وقد كان في السابق شارعا وأصبح اليوم شريطا رمليا ترابيا. من جهة، هناك بقايا الجدار العازل الإسرائيلي، تنتشر فيه مواقع حراسة حماس المدمرة، ومن جهة أخرى، على طول الحدود الدولية، هناك الجدار المصري . في الكيلومترات الثلاثة الأولى من معبر كرم أبو سالم، كان عدد السكان قليلًا. ويبدو أن حماس توافق على الوجود الإسرائيلي هناك . معظم المحور يقطع مرافق العبور إلى مصر، ويطل على الأحياء السكنية الفلسطينية التي تحولت إلى تلال من الركام . هذه هي النقطة التي فجرت الاتصالات: نتنياهو يصر على وجود عسكري إسرائيلي على كامل طول المحور؛ في حين تصر حماس على الانسحاب الإسرائيلي.
ويبرر نتنياهو الفيتو بتمسكه بشرط استراتيجي : إسرائيل ملزمة بمحاصرة غزة من كل الاتجاهات ، 360 درجة. نحن نستطيع السيطرة على البحر وعلى خط الحدود مع إسرائيل، لكن الانسحاب من فيلادلفيا سيفتح لسكان غزة طريق التهريب من مصر . الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع يختلفان حول هذا الموضوع. أولاً، تثبت الاختبارات التي أجراها الجيش الإسرائيلي منذ سيطرته على المحور أن معظم عمليات التهريب كانت تتم عبر المعبر . حماس كانت تدفع والمصريون كانوا يغضون البصر . و تم إهمال الأنفاق، التي كانت صناعة مزدهرة عندما كانت إسرائيل تسيطر على قطاع غزة . وتم إغلاق معظمها على الجانب المصري. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن الأسابيع الستة التي سيتم خلالها إطلاق سراح المخطوفين تدريجياً، لن تغير كثيراً في محور فيلادلفيا. أولاً ليتم إطلاق سراح المخطوفين ،و سنرى .
النقاش الذي كان يمكن أن يكون معقولا :
نتنياهو يصر: الاتفاق سيتحول إلى دائم . إذا لم يتم ضمان تواجد الجيش الإسرائيلي على طول المحور بكامله ، فلن يكون هناك اتفاق .
كان من الممكن أن يكون هذا النقاش معقولاً لو أنه لم يكن هناك 115 إسرائيلياً، نساء ورجالاً، مدنيين وجنود، أحياء وأموات، يقبعون في أنفاق غزة – بين الأتفاق والتفجير – وقد تخلى عنهم نتنياهو والحكومة التي يقف على رأسها . تم التخلي عنهم مرتين : مرة في 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ والمرة الثانية في مفاوضات لم تتم بنقاء، وبأيدي نظيفة. يريد نتنياهو أن يرى المخطوفين محررين لكنه غير مستعد للتخلي عن وهم “انتصاره المطلق “. وهو غارق في أوهامه.
الخلاف بينه وبين غالانت لا يقتصر على مجرد الضربات اللفظية المتبادلة: هناك فجوة استراتيجية بينهما. حيث يرى جالانت أن اتفاق المخطوفين ـ وحتى المرحلة الاولى ـ يشكل مدخلاً لتحالف إقليمي ضد إيران، تدعمه القوة الأميركية؛ في حين يرى نتنياهو في الاتفاق استسلاماً للعدو وتفكيكاً للائتلاف وهزيمة شخصية له. وطالب غالانت نتنياهو بتقديم تفاصيل الاتصالات إلى مجلس الوزراء. ويصف المعضلة بأنها مفترق طرق على شكل حرف T: والخيار هو بين واقع إقليمي جديد وحرب إقليمية. نتنياهو رفض.
في هذه الأثناء، تراجع نتنياهو عن الاتفاق مع الأميركيين بشأن معبر نيتسريم ، كما ورد في الخطوط العريضة في خطة بايدن-نتنياهو في 27 مايو/أيار. وبحسب أحد المصادر، فإن مسألة انتقال الفلسطينيين من وسط قطاع غزة إلى الشمال، وهل سيكون هناك تفتيش إسرائيلي أم لا، لم تطرح على الإطلاق في الجولة الحالية في الدوحة. قرر رئيس وكالة المخابرات المركزية بيرنز التركيز على فيلادلفيا: إذا لم يكن هناك اتفاق بشأن فيلادلفيا، فلن يكون هناك اتفاق: فمن المؤسف إضاعة الوقت في بنود أخرى.
تغلغل في الأزمة ، ما يبدو أنه توجه إيراني لعدم الرد في هذه المرحلة على تصفية هنية في طهران. على مايبدو لا تنوي إيران التورط في حرب إقليمية بسبب ضيف فلسطيني. والبشرى الساره هي أن التهديد العسكري القادم من الشرق ربما يكون قد زال حتى الان ؛ والبشرى الاقل جيدة هي أن حزب الله قد يتصرف من تلقاء نفسه. إن الهجوم الصاروخي من الشمال، حتى لو كان موزونا ومدروسا ، سيضيف حادث إلى حادث . وليس غريبا أنه تمت دعوة سكان الشمال للبقاء بالقرب من المناطق المحمية.
عن يديعوت احرونوت