نتنياهو جعل من المماطلة سياسة، ولكن لم يعد للمخطوفين وقت للتأخير
واحدة من أكثر ميزات بنيامين نتنياهو المعروفة على مر السنين هي مماطلته القهرية : فكل مفاوضات ائتلافية، وكل أزمة سياسية، وكل قرار صعب – سوف يتم تأجيلها دائمًا حتى اللحظة الأخيرة . وليس من الضرورة العودة إلى الوراء لاستخلاص الأمثلة، يكفي ان نتطلع حولنا . على احصاء اليمين التراكمي ل 115 مخطوفاً لدى حماس في غزة وعلى الإهمال المستمر لسكان الشمال ، وعلى 315 يوماً من حرب متعددة الجبهات طويلة ومعقدة دون أفق أو رؤية واضحة، على الإرهاب اليهودي الذي يطل برأسه في الضفة الغربية ، على أزمة التجنيد المتفاقمة، على انخفاض التصنيف الائتماني وارتفاع التضخم الذي يمر بهدوء، دون أي خطة طوارئ لاستقرار الاقتصاد أو الحقل الاقتصادي .
في إسرائيل 2024، أينما نظرتم،
في كل الساحات ، الأمنية/السياسية/الاقتصادية/الاجتماعية تنتظر نتنياهو قرارات حاسمة ومصيرية .
لذلك لا مفر من تغيير التشخيص: مماطلة نتنياهو ليست مجرد سمة شخصية، بل هي أيضاً سياسة ممنهجة .. لقد حول الوقت إلى أداة استراتيجية للبقاء السياسي والتنصل المستمر من منعطف أي قرار قد يعرض حكمه للخطر. وهكذا تحولت أزمة التجنيد إلى السيناريو الاكثر تطرفا المتمثل في إصدار أوامر تجنيد للشباب الحريديم ووقف دفعاتهم ومخصصاتهم من الحكومة . وهكذا، وعلى الرغم من الأخبار الاقتصادية القاتمة من جميع الأطراف، فإن الحكومة لم تبدأ العمل بعد على ميزانية الدولة المقبلة، لأن نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريش لا يريدان التعامل مع التخفيضات وقرارات التقليص المطلوبة لوقف انهيار الحقل الاقتصادي .
هكذا يمد ويطيل منذ أشهر المفاوضات من أجل إطلاق سراح باقي المختطفين في غزة، وعلى صوت تهديدات سموتريش المتكررة وعبر شعارات “النصر المطلق”، يرفض اتخاذ القرارات اللازمة بشأن اليوم التالي الحرب، الذي أصبح أداة استراتيجية خاصة به – للحفاظ على شركائه الماسيحانيين والمتطرفين في الحكومة.
إن ترتيب أولوياته حاد وواضح، كما حدده مؤخراً أحد معارفه: “أولاً بيبي، ثم الائتلاف، وفقط في النهاية تأتي الدولة ” .
والوقت، كما يعرف نتنياهو جيدا، له أثره. ذاكرة الإنسان قصيرة. لقد استغل الأشهر العشرة التي مرت منذ هجوم 7 أكتوبر للنأي بنفسه عن الكارثة والتخلص منها والتعافي منها، وبمرور الوقت، حتى ائتلافه أيضًا نسي أجواء كلنا سوية التي ميزت بداية الطريق وعاد إلى الروتين اليومي: هجمات لا تتوقف على المحكمة العليا والمستشارة القضائية ومواجهات حادة مع الجيش الإسرائيلي والشاباك والمؤسسة الأمنية، محاولات السيطرة على الشرطة ووسائل الإعلام ومفوضية خدمات الدولة وغيرها وما إلى ذلك، وحتى الإصلاح القانوني/الثورة القضائية التي قادها ياريف ليفين عادت إلى حياتنا هذا الأسبوع مثل مسدس ملقى على الطاولة جاهزا للإطلاق . وأيضا التهديد بإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي اتهمه نتنياهو هذا الأسبوع بمساعدة العدو، قد تم استلاله فجأة . كما عادت الحملات ضد “إخوة السلاح” إلى التألق على صفحات ” الابواق “. وفي ظل كل هذا الضجيج، تمكن نتنياهو من تطبيع الفشل والإهمال الذي لا يمكن تصوره للرهائن الإسرائيليين الذين يقبعون في أسر حماس في غزة منذ 315 يوما ولم يعد لهم وقت للانتظار .
قمة الوسطاء التي انعقدت أمس في قطر في محاولة للشروع في صفقة لإطلاق سراح المخطوفين أُطلق عليها اسم “قمة الفرصة الأخيرة”، وهي نوع من المهلة الرنانة التي تهدف إلى الضغط على إسرائيل وحماس للتوصل إلى تفاهم ومنع التدهور إلى حرب إقليمية في اللحظة الأخيرة . هناك في محيط نتنياهو من يروجون لفرضية أنه يريد بالفعل التوصل إلى اتفاق الآن، ويصر فقط على تحسين شروطه، وذلك في منتصف عطلة الكنيست، عندما تكون تهديدات بن غفير وسموتريش خالية من أي معنى عملي . لكن كعادته يتحدث نتنياهو بصوتين. وعلى الرغم من النفي الشديد من جانب مكتب رئيس الحكومة، إلا أنه ظل منذ أشهر يتشدد في مواقفه ويضيف شروطا ويخلق صعوبات أمام فريق التفاوض والمخطط الحالي للإفراج عن المخطوفين الذي وافق عليه بالإجماع مجلس الوزراء الحربي برئاسته.
كما أرسل معهم مستشاره السياسي أوفير فلك إلى القمة في الدوحة، كأب مرافق ، للتأكد من أن الأمنيين ليسوا مرنين للغاية ويلتزمون بالتعليمات . طموح نتنياهو هو الاستمرار في مد المفاوضات إلى الأمام، من دون أن يرى العالم، وخاصة الإدارة الأميركية، أنه يشكل عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق. لذلك فإنه له مصلحة أيضاً في عقد قمة ناجحة تخلق مظهر تقدم يسمح له أن يفعل أكثر ما يحبه – كسب
المزيد من الوقت .
من المحتمل ان تكون هذه أيضاً الفرصة الأخيرة لمعرفة ما إذا كان نتنياهو يريد، أو قادر ، على اتخاذ القرارات اللازمة لانتشال إسرائيل من الوحل الذي تغرق فيه . وإذا كانت مماطلته مجرد سمة شخصية فقط فالدقيقة 90 يجب أن تقربه من هناك، أما إذا كانت اداة سياسة واستراتيجية للبقاء – فإنه سوف يسعى إلى تمديد آخر والتمسك بمطالبه، على أمل مد الوقت بدون اتخاذ قرار والاستمرار في التأجيل .
موقع والا العبري