موت اتحاد العاملين العرب في وكالة الغوث الدولية (الأونروا)

هناك أكثر من ٣٠ ألف موظف يعملون لدى الأونروا في أقاليمها الخمس؛ غزة والضفة (وتشمل القدس) وسوريا ولبنان والأردن بالإضافة لمقري الرئاسة في غزة والأردن ومقر رئاسة صغير في القدس. لكل إقليم اتحادا للعاملين ينتخب ممثليه دوريا. الاتحادات السبعة تنضوي تحت راية اتحاد عام وهو بمثابة المظلة للجميع مدافعا عن العاملين وحقوقهم، مدافعا عن الاونروا ضد الهجمات الموجهة بحقها من دولة الكيان، وصوتا لجموع اللاجئين أمام إدارة الاونروا.
لعقود طوال لعب الاتحاد العام والاتحادات الإقليمية دورا بارزا، وفى مفاصل تاريخيّة، لعب دورا وطنيا هاما ضمن الجهد الفلسطيني العام دفاعا عن حقوق اللاجئين وحق العودة، وحافظ عبر جهده النقابي على حقوق العاملين ومكتسباتهم الوظيفية. العلاقة بين الاتحادات وإدارة الاونروا عبر السنوات شهدت الكثير من المد والجزر ولكن مؤخراً، وخصوصا بعد توقف الدعم الأمريكي للاونروا في العام ٢٠١٨ وما تلاه، وتحت ضغط الهجوم المنسق من دولة الكيان وحلفاءها ضد الأونروا وملف اللاجئين ، بدأت إدارة الاونروا تفرض ضغوطا متواترة على العاملين لتكميم أفواههم وهى محاولات جاءت لضبط إيقاع “فلسطينية” العاملين. وللأسف تجاوب بعض منّ رؤساء العاملين اما علانية او من وراء الكواليس مع هكذا توجهات.
بعد السابع من اكتوبر الماضي ازاد وقع الضغوط على العاملين والاتحادات بعد كيل دولة الكيان لاتهامات زائفة، ثبت كذبها وبطلانها، بحق عدد من موظفي الأونروا والذين اتهموا زورا بضلوعهم في احداث السابع من أكتوبر. منذ ذلك الحين تم رصد إجراءات وقرارات وفرمانات لشق صف الاتحادات وبهدف اضعافه كاتحاد عام والتفرد ببعض الاتحادات ليتسنى تمرير قوانين وقرارات إدارية، وبعضها سياسي الطابع، دون القلق من حراك نقابي ضدها مما يضعف ويغيب أي حراك شعبي من ممثلي اللاجئين او من منظمة التحرير او من الدول المضيفة وغيرهم (وهو ضعيف ومغيب بالأساس). بعض الأمثلة توضح ما ذهبت اليه:

– بعد الانتهاء من إضراب نقابي شرعي في إقليم الضفة العربية بداية العام ٢٠٢٣قاده رئيس وأعضاء الاتحاد في حينه تم التوافق على انهائه والتوقيع على وثيقة تفاهمات مع الإدارة وبرعاية جهات رسمية فلسطينية. بعد كثير من التلكؤ والمماطلة وبدل تنفيذ التفاهمات أعلنت الإدارة تشكيل لجنة تحقيق للنظر في إدارة رئيس الاتحاد وزملاءه في إدارة الاتحاد للإضراب وفعاليته. وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام، وفى خضم الهجمة على غزة وعلى الأونروا، أصدرت إدارة الأونروا قرارا بالفصل الفوري لرئيس الاتحاد من عمله ودون دفع مستحقاته بعد ان عمل لعقود عدة مع الأونروا وانهاء خدمات خمسة من زملائه النقابيين فورا وعقوبات أخرى على أعضاء اخرين من الاتحاد. كل ذلك تحت ادعاءات لا تستوجب الطرد بكل الأحوال. العاملين في إقليم الضفة وهم أعضاء هذا الاتحاد العتيد التزموا الصمت الصارخ المعيب متحسسين على رقابهم إذ نجحت الإدارة اما باقي الاتحادات في الأقاليم الأخرى فلم تهب لنجدة زملائهم، لا بل ان رئيس احدى هذا الاتحادات تساوق مع الإدارة ضد قيادة اتحاد الضفة الغربية لهثا وراء امتيازات ووراء بدل سفريات وسيارة وكالة للتنقل وتثبيتا لمقعده القيادي في اتحاده. مات اتحاد العاملين!
-استشهد حتى اللحظة ٢١٢ موظف وكالة في غزة وكثيرون مع عوائلهم. طالبنا عشرات المرات بضرورة تشكيل لجان تحقيق للمحاسبة، ولكن لا الأمين العام للأمم المتحدة ولا المفوض العام شعروا بان هذا ضروري (دمنا رخيص) بينما شكلوا لجنة لمحاسبة حفنة من العاملين بعد دعاوي كاذبة من الكيان وتم طردهم قبل التحقيق مع أي منهم وابقي على طردهم حتى بعد ان ثبتت براءتهم! المفوض العام، وعلى استيحاء، طالب وبعد أشهر طوال بتشكيل هكذا لجنة مع ان ذلك ضمن صلاحياته ولا داعى “لاستجداء” تشكيل لجنة من اخرين. أنت المسؤول الأول في الأونروا وهؤلاء قتلهم الكيان أثناء نوبتك!! هل كان هناك موقفا حازما ثابتا من اتحاد العاملين نصرة لزملائهم الشهداء؟ لا. هل كان لهم ولو حراك قانوني، عملي، نقابي واحد نصرة لزملائهم؟ لا. وكل ما تمخض من اتحادات وعاملين لم يتخط الحوقلة والتعبير عن الضعف وقلة الحيلة على صفحات التواصل الاجتماعي. مات اتحاد العاملين!
-بالأمس أصدر مدير عمليات الأونروا بالإنابة في غزة فرمانا غريبا عجيبا يطالب فيه موظفي الأونروا في غزة استئناف عملهم اعتباراً من بداية تشرين الثاني القادم وان الموظف الذي لا يتواصل مع مسؤوليه “قد لا يتم صرف اجر له”! الآلاف منهم ما زالوا على رأس عملهم بالرغم من المخاطر وغياب أي حماية حقيقية لهم من قبل الأونروا، وبعضهم استشهد أثناء تأدية الواجب. الأونروا مع بداية حرب الإبادة تركت ألوف منهم مع مئات الألوف من اللاجئين في شمال الضفة عندما نزلت عند طلب الكيان بإجلاء المنطقة وتركت الإدارة العليا مكاتبها ومقراتها على عجل وبدون تنسيق كاف وبدون ترتيبات وضمانات لعامليها الفلسطينييين وللنازحين في مقراتها (وهذه قضية خطيرة لمتابعة منفصلة). الموظفين الدوليين وحفنة من “كبار” الموظفين الفلسطينيون يستلمون بدل مخاطرة وهم في مكاتبهم الآمنة في القاهرة بينما حرم من بدل المخاطرة موظفي الميدان! كيف سيرجع موظفي الأونروا للمدارس والعيادات والمخازن وهي غير آمنة، ومكتظة بالنازحين والقصف والقتل مستمرين؟ كيف يرجعون لإعمالهم وهم جوعى وعطشى وبيوتهم دمرت وكثير من أقاربهم استشهدوا؟ أين الدعم النفسي؟ لم يتم استشارة اتحاد العاملين، واتحاد العاملين لم يكن له دور ولا صوت للتنديد بهذا القرار المتسرع، وغير المدروس والمثير للحنق والغضب. صمت القبور. مات الاتحاد.
ان وضع اتحاد العاملين في ثلاجة الموتى ومحاولة خلق اتحاد هجين مستكين هو تحقيق لهدف مهم ضمن سعى الكيان لإضعاف الأونروا وإنهاءها كمدخلين للقضاء على حق اللاجئين بالعودة. وهو هدف تحقق لغياب أي دور وإي مسائلة ورقابة فلسطينية رسمية وشعبية او من مؤسسات المجتمع المدني. مات الاتحاد العام للعاملين العرب في وكالة الغوث الدولية. البقية في حياتكم.